كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 52) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

52 - (فَتَرَى الّذينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) يعني المنافقين الّذينَ في قلوبهم شكّ (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ) أي يُسارعون في ولاية اليهود ومحبّتهم (يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ) يعني نخاف أن يدور علينا الدهرُ بمكروه ، يعنون الجدب فلا يميروننا ، فنهاهم الله تعالى عن التفاؤل بالشرّ والاتّكال على اليهود ، فقال (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ) على المسلمين فيأتيكم بسنين مُخصبة ويرزقكم من فضلهِ وينصركم على أعدائكم فلماذا تتشاءمون بالجدب؟ (أَوْ) يأتي أعداءكم (أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ) أي هلاك وعذاب من عند الله ، وذلك إمّا مرض أو هزيمة أو خسارة في الأموال أو في الأنفس أو غير ذلك (فَيُصْبِحُواْ) الّذينَ والَوا اليهود (عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ ) من محبّة اليهود (نَادِمِينَ) على أفعالهم وولايتهم .

53 - (وَيَقُولُ الّذينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الّذينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) يعني المنافقين حلفوا بأغلظ الأيمان وأوكدها (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ) أي مع المؤمنين بالنُصرة على الكافرين ، ولكن تبيّن منهم غير ذلك (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) أي ضاعت أعمالهم لأنّهم عملوا بأهوائهم وبطلَ ما أظهروهُ من الإيمان لأنّهُ لم يوافق باطنهم ظاهرهم (فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ) أعمالهم وأتعابهم ودنياهم وآخرتهم .

54 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) . ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم أنّها نزلت في مهديّ الأمّة وأصحابه ، وأوّلها خطاب لِمن ارتدّ بعد وفاة النبيّ (ع) وذلك لأنّ قوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ ) يوجِب أن يكون ذلكم القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب فهو يتناول من يكون بعدهم وبهذه الصفة إلى يوم القيامة . راجع كتاب مجمع البيان للطبرسي الجزء الثالث صفحة 209 .

55 - ثمّ أمرَ سُبحانهُ بموالاة المؤمنين ونهى عن موالاة الكافرين فقال (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) فهو يتولّى أموركم ويرعاكم فيجب عليكم أن توالوه ، أي تحبّوه وتمتثلوا أوامرهُ ولا تعصوهُ (وَرَسُولُهُ) أي وكذلك رسوله توالوه (وَالّذينَ آمَنُواْ ) يجب أن توالوهم ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وصف المؤمنين الّذينَ يجب أن يوالوهم فقال (الّذينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) أي خاضعون مُنقادون لأوامرِ ربّهم لا يعصونهُ ، والمعنى : والُوا المؤمنين من المسلمين ولا توالوا المنافقين منهم . فكلمة "ركوع" معناها الطاعة والخضوع ، والدليل على ذلك قول الشاعر :

                                 لا تُهِنِ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ      تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة المرسلات {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } ، يعني إذا قيل لهم اخضعوا لأمر الله لا يخضعون . فقد قال بعض المفسّرين أنّ هذهِ الآية نزلت في مدح علي (ع) لأنّه تصدّق بخاتم من فضّة وهو راكع في الصلاة . أقول لا دليل على ذلك في الآية لأنّ سياق الحديث جاء على الجمع فلو كانت الآية تخصّ عليّ بن أبي طالب لقال تعالى "والّذي يُقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع" ، فمن قال أنّ الجمع في الآية للتعظيم ، أقول إنّ الله تعالى لا يُعظِّم البشر ، بل يجب على البشر أن يُعظِّم الله خالقه ويُقدّسهُ . وقد خاطب الله رسوله على الإفراد الّذي هو أفضل من علي ولم يخاطبهُ على الجمع ليكون للتعظيم ، فقد قال تعالى في سورة آل عمران {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } ، وقال تعالى في سورة القصص {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ } ، وقال تعالى في هذه السورة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، وقال أيضاً {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } ، وهكذا جاء ذكر النبيّ على الإفراد في جميع آيات القرآن ولم تأتِ آية واحدة على الجمع .

56 - (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُواْ ) ولا يتولّى غيرهم من المشركين ولا من أهل الكتاب فهو من حِزب الله (فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) . ثمّ أكّد سُبحانهُ النهي عن موالاة الكافرين فقال تعالى :

57 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الّذينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ) أي يسخرون من دينكم ويجعلونه لعِباً ، وهم (مِّنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) يعني من اليهود والنصارى (وَالْكُفَّارَ) يعني ومن مُشركي العرب لا تتّخذوهم (أَوْلِيَاء) أي أحبّاء وأصدقاء (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في موالاتهم بعد النهي عنها (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بوعدهِ ووعيدهِ .

58 - (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ ) يعني إذا دعوتم المسلمين إليها بالأذان (اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ) يتضاحكون فيما بينهم (ذَلِكَ) الاستهزاء منهم (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ) ولذا اتّخذوا العبادة لله هُزواً .

59 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا ) أي ما تُنكرون منّا (إِلاَّ أَنْ آمَنَّا ) يعني إلاّ إيماننا (بِاللّهِ) وحده لا نُشرك بهِ شيئاً كما أشركتم أيُّها اليهود وعبدتم العجلَ في زمن موسى والبعلَ من بعدهِ ، ولم نُثلّث كما ثلّثتم أيّها النصارى وعبدتم تماثيل المسيح واُمّهِ ، وآمنّا بأنبياء الله جميعاً (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ) من القرآن (وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ) إلى الأنبياء من كتاب ، ولكنّكم كفرتم وأشركتم ولذلك تُنكرون علينا إيماننا بالله وحده (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ) علاوةً على كفركم وإشراككم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم