كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 141) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

141 - (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ ) أي بساتين ذات عُروش ، وعرش البستان هو "السيباط" (أو "القمريّة") الّتي يوضع فوقها الكرم ("أو شجرة العنب") ، (وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ) يعني وبعضها غير معروشات (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ ) يعني وأنشأ لكم النخل لإنتاج التمر ، والزرع لإنتاج الحبّ (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ) يعني ما يؤكل منهُ وهو الثمَر ، واختلاف الثمر يكون بالطعم واللّون والحجم والجنس والرائحة (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ) مختلفاً اُكُله كذلك (مُتَشَابِهًا) ، والمعنى : إنّ ثمر الزيتون يشبه ثمر النخيل من حيث الشكل واللّون والحجم ، وكذلك الرمّان يشبه الزرع في تراكب الحبّ لأنّ حبّ الرمّان متراكب بعضه فوق بعض كالذرة مثَلاً ، وحيث أن الرمّان يعصر ولكن عصير الرمّان حامض ويسمّى "رُبُّ الرمّان" ، وكذلك عصير الزيتون زيت نقي يُستعمل في الأكل والطبخ وقلي اللّحم ولأشياء كثيرة ، وقوله (وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) يعني غير مُتشابه في الجنس ولا في الطعم ، فالزيتون لا يشبه التمر في الطعم لأنّ الزيتون مُرُّ الطعم ، والتمر حلو الطعم وإنّما التشابه بينهما في اللون والشكل فقط ، فالزيتونة تشبه التمرة وخاصةً منها تمر البربن تماماً ، وكذلك حبّ الرمّان لا يشبه الحبوب النشويّة في الطعم ولا في الجنس وإنّما التشابه بينهما في تراكب الحب فقط (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ ) للفقراء والمساكين ، يعني أعطوا زكاتهُ (يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ ) بِنَثرِه على الأرض ، يعني لا تُبذّروا الحبّ وتتلفوهُ بإهمالكم وانشغالكم عنهُ فتصيبهُ نار وتُحرقهُ أو تصيبهُ حشرة فتتلفهُ أو يُصيبهُ ماء فيغرقهُ أو مطر فيتعفّن ويفسد (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) أي المبذّرين .

142 - (وَ) أنشأ لكم (مِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً ) تحمل أثقالكم ، وهي الإبل (وَفَرْشًا) أي ومنها تتّخذون فرشاً تفرشونهُ على الأرض ، وهي الغنم يُتّخذ من أصوافها أفرشة ، ومن وبر الإبل أيضاً يتّخذون أفرشة وذلك كالبُسُط والسجّاد وغير ذلك (كُلُواْ) من لحوم الأنعام واشربوا من ألبانها (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ ) حلالاً (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) بتحريم شيء منها أو تَنذرون منها لغير الله أو لا تذكرون اسم الله عليها وقت الذبح (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) فَاحْذَرُوه .

143 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ عدد الأنعام الّتي كانت فوق الجبل ونزلت منهُ إلى الأرض المنبسطة مع نزول آدم وحوّاء ، وقد ذكرها في سورة الزُمَر باختصار فقال تعالى {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أي ثمانية أفراد ، يعني أربعة منها ذكور وأربعة إناث ، ومعنى الزوج هو الّذي يزدوج مع صاحبهِ فالذَكر زوج الاُنثى والاُنثى زوج الذَكر . ثمّ فصّلها في هذه السورة فقال تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ ) أي من الغنم (اثْنَيْنِ) ذكر واحد واُنثى واحدة (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) وهيَ الّتي يكسو جلدها شعر أي التيس والعنزة (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذينَ حرّموا على أنفسهم لحمها وركوبها (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ) الله عليكم أكل لحمها (أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ) النعجة والعنزة ، يعني أيّهما حرّم عليكم أكل لحم الذكور منها أم الإناث أم الأجنّة الّتي في بطن الإناث (نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم بأنّ الله حرّمهما ، يعني أخبروني بخبر حقيقي عن كتاب سماوي بأنّ الله حرّم هذه الأنعام في ذلك الكتاب إن كنتم صادقين في دعواكم

144 - (وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ ) ذكر واحد واُنثى واحدة (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ) منها عليكم (أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ ) الناقة والبقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء ) أي حضور (إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا ) التحريم ، كلاّ لم يوصِكم الله بهذا ولم يُحرّمهُ عليكم ولكنّكم تفترون على الله الكذب (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ ) عن طريق الحقّ (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) منهُ لكتاب سماوي بل بهوَى نفسه (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) إلى الصواب .

145 - (قُل) يا محمّد لهؤلاء المشركين (لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ ) شيئاً (مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) أي على آكلٍ يأكلهُ من الأنعام (إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا ) أي سائلاً ، وإنّما خصّ السائل بالذِكر لأنّ ما يختلط باللّحم منهُ مِمّا لا يمكن إزالتهُ مُباح (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) فهذه الثلاثة مُحرّمة تحريماً مؤكّداً (فَإِنَّهُ) أي هذه المحرّمات الثلاثة (رِجْسٌ) أي مرضٌ فاجتَنِبوها (أَوْ فِسْقًا ) "الفِسق" معناه الخروج عن الطاعة ، تقول العرب "فسقت التمرة" إذا خرجت من قشرها ، و"فسقت النواة" إذا خرجت من التمرة ، (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ) يعني أو ذُبِحَ شيءٌ من الأنعام لغير الله قرباناً كان أو نذراً فهو حرام لا يجوز أكلهُ ، والنذر لغير الله لا يجوز سواء من اللّحم كان أو من الأطعمة أو من السُكّريّات أو من الفواكه أو غير ذلك ، ومعنى "الإهلال بالشيء هو إظهار الصوت بالفرح والبهجة ، والمعنى : لا تذبحوا الأنعام قرباناً لغير الله ولا تفرحوا وتبتهجوا بذبيحةٍ لغير الله فإنّ ذلك خروج عن طاعة الله (فَمَنِ اضْطُرَّ ) إلى أكل شيءٍ من هذه المحرّمات (غَيْرَ بَاغٍ ) اللّذّةَ (وَلاَ عَادٍ) أي ولا مُعتدٍ حُدود الله بل ألجأتهُ المجاعة إلى أكل شيءٍ من هذه المحرّمات (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ ) للمضطرّينَ (رَّحِيمٌ) بالجائعين .

146 - (وَعَلَى الّذينَ هَادُواْ ) أي اليهود (حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) من البهائم ، أي كلّ ذي ظفر غير مشقوق وتجترّ ، وهي الجمل والأرنب والوبر ، وكذلك الخنزير مُحرّم عليهم (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ) من الشحم ، وهو اللّحم السمين (أَوِ الْحَوَايَا ) أي ما حملتهُ الحوايا من الشحم فهو غير مُحرّم ، والحوايا هيَ المباعر (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) فهو غير مُحرّم (ذَلِكَ) التحريم (جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ) أي بسبب بغيهم وعصيانهم أمرَ ربّهم (وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ) فيما أخبرناكم بهِ عن بغيهم وعصيانهم وتعنّتهم على موسى نبيّهم فلا يهمّكَ تكذيبهم .


وإليك ما جاء في التوراة من تحريم بعض البهائم على اليهود ، وكذلك تحريم الشحوم ، فقد جاءَ في سِفر التثنية في الإصحاح الرابع عشر قال : [هذهِ لا تأكلوها مِمّا يجترُّ ومِمّا يشقُّ الظلفَ المنقسِمَ الجملُ والأرنبُ والوبرُ لأنّها تجترُّ لكنّها لا تشقُّ ظلفاً فهيَ نجسةٌ لكم ، والخنزيرُ لأنّهُ يشقُّ الظلفَ لكنّهُ لا يجترُّ فهو نجسٌ لكم ، فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا . ] وأمّا الّذي جاء في تحريم الشحوم عليهم فهو في سِفر لاويين في الإصحاح السابع قال [وكلّمَ الربُّ موسى قائلاً كلّم بني إسرائيل قائلاً كلَّ شحمِ ثورٍ أو كبشٍ أو ماعزٍ لا تأكلوا ، وأمّا شحم الميتة وشحم المفترِسةِ فيستعملُ لكلِّ عملٍ أو صناعةٍ لكن أكلاً لا تأكلوهُ .]

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم