كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
148 - ثمّ أخبرَ سُبحانهُ عن قول المشركين من العرب حين دعاهم النبيّ إلى الإيمان ونهاهم عن عبادة الأوثان فقال تعالى (سَيَقُولُ) لك (الّذينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ) يعني لو أمرنا الله أن نترك عبادة الملائكة لتركناها ولو أحلّ لنا لحم السائبة والوصِيلة والبَحِيرة لأكلنا لحمها ولكنّ الله حرّم علينا لحومها فحرّمناها نحنُ ، وإنّ الله أحبَّ الملائكة وقرّبها وأمرنا بتقديسها فعظّمناها وقدّسناها لكي تشفع لنا عند الله (كَذَلِكَ) أي كما كذّبوك كذلك (كَذَّبَ الّذينَ مِن قَبْلِهِم ) كذّبوا أنبياءهم (حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ) أي عذابنا (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ ) في كتاب سماوي يُثبت قولكم (فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ) لنقرأهُ كي يتبيّن كذبكم ، ثمّ أخبر عنهم فقال تعالى (إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ) في عقائدكم (وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) أي تقطعون على الكذب وتصرّون عليهِ . وقد سبق تفسيرها في آية 116 ، وكذلك اليوم أصبحت أكثر فِرق الإسلام تُشرك بالله فتعبد قبور المشايخ والأئمة والأنبياء وتقدّسها وتطوف حولها وتقبّلها وتتبرّك بتربتها وتستعين بالمشايخ عند قيامهم وقعودهم وتنذر لها وتسأل حوائجهم منها ، فهذا هو الإشراك الصريح ثمّ يقولون هؤلاء شُفعاؤنا عند الله ، فردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى في سورة الزُمَر {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .
أقول إنّ الّذينَ تدعونهم من دون الله وتزورون قبورهم لا يسمعون دُعاءكم ولا يعلمون بمجيئكم لأنّهم ذهبوا إلى الجنان في السماوات العُلى تحت العرش ولم يبقَ في القبور منهم إلاّ الأجسام البالية الّتي لا تسمع ولا تُبصر ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } يعني عنده في الجنان في السماوات يُرزقون أي يأكلون من أثمار الجنّة ، أمّا الأجسام فلا فائدة فيها لأنّها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بل تتبعثر وتكون تراباً . فمهما تدعوا وتصرخوا وتستغيثوا فلا يسمعوكم ولا يُجيبوا . وكذلك كانت قريش تسأل حوائجها من الملائكة ، لأنّها كانت تعتقد أنّها بنات الله ، فنزل قوله تعالى في سورة فاطر {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ } لأنّهم في السماء بعيدون عنكم {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } لأنّ الأمر كلّهُ بيد الله وليس بأيديهم شيء من ذلك {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } ويتبرّأون منكم لأنّكم أشركتم بالله ما لم يُنزّل بهِ سلطاناً .
149 - (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) عليكم في صِحّة قولي وخطأ قولكم ، وهيَ الكتُب السماويّة الموجودة اليوم ومن جملتها التوراة وقد منع الله فيها عبادة الملائكة الّتي في السماوات والإنس والجنّ الّذينَ فوق الأرض وجميع المخلوقات من جماد ونبات وحيوان وإنسان حتّى الحيوانات الّتي تحت الماء ، ثمّ جاء القرآن مؤكّداً على ذلك ، وإنّ الأنعام الّتي حرّمتم أكلها لم يُحرّمها الله في التوراة ولا في القرآن بل نهجتم ذلك بأهوائكم وقلّدتم بهِ آباءكم ، وقد ظهرَ في التوراة والقرآن بُطلان قولكم وادّعائكم بأنّ الملائكة تشفع لكم (فَلَوْ شَاءَ ) الله (لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ولكن لا تستحقّون الهداية لأنّكم ظالمون تظلمون المساكين وتغصبون حقوق الضُعفاء .
150 - (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ ) أي إحضَروا وهاتوا شهداءكم ، ومن ذلك قول الخنساء :
ألا أيُها الدِيكُ المنادِي بِسَحْرَةٍ هلمّ كذا اُخبرْك ما قَد بَدا لِيَا
(الّذينَ يَشْهَدُونَ ) بصحّةِ ما تدّعون من (أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا ) الّذي حرّمتموهُ أنتم من الأنعام والحرث (فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ ) يعني فإن حضروا للشهادة فلا تحضر معهم لأنّ لهم نيّةَ سوء معك ، فكلمة "شَهِدوا" بكسر الهاء معناها حَضَروا ، والشاهد على ذلك قول كعب بن زُهير :
وإنَّ سَبِيلَنا لَسَبِيلُ قَوْمٍ شهِدْنَا الأمرَ بَعْدَهُمُ وغابُوا
(وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) في شيء من أهوائهم إذا دعَوكَ إليها (وَالّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) أي لا يؤمنون بوجود الأرواح والبعث والحساب (وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) أي يجعلون لهُ عديلاً وندّاً ، يعني يُشركون بربّهم .
151 - (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (تَعَالَوْاْ أَتْلُ ) أي أقرأ لكم (مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) في الكتاب (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ) من المخلوقين فلا تعبدوا الملائكةَ ولا الأصنام ولا شيئاً آخر بل اعبدوا الله وحدهُ (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ ) "الإملاق" هو الفَقر والعِوَز . لأنّ بعض العرب كانوا في حالة وحشيّة إذا رأى أحدهم شيئاً ثميناً بيد أحدٍ من أولاد العرب قتلهُ وأخذ ما معه من المال ، حتّى أنّ رجلاً منهم رأى شابّاً عليهِ جُبّة ثمينة وقد اختلى بهِ فقتلهُ وأخذ جبّتهُ ولبسها ، وبعد زمن رآهُ أبو المقتول وهو لابس جُبّةَ ابنهِ فقال لهُ من أينَ لك هذه الجُبّة ؟ قال قتلتُ شابّاً كان لابسها وسلبتها منه بعد القتل ، فقال بأيِّ شيءٍ قتلتهُ ؟ قال بسيفي هذا ، قال أرِني إيّاهُ ، فأخذ السيف منه وقتلهُ بهِ . أمّا الّذينَ يقتلون أولادهم مِمّا بهم من فقرٍ فهم يقتلون الأجنّة ، أي يُسقِط الجنين من بطن اُمّهِ لئلاّ تكثر أولادهُ . ولا غرابة من ذلك فاليوم كثيرٌ من الناس يقتلون أولادهم بهذه الطريقة ، وهذا لا يجوز وفاعلهُ آثِم عند الله .
وقوله (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) أي لا داعيَ أن يقتل بعضكم بعضاً لأجل المال ، إسعَوا في الأرض لتحصيل الرزق ونحن نرزقكم أنتم وأولادكم (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ ) أي لا تقربوا الزانيات بالزِنا (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) أي ماكان علناً منها وماكان سِرّاً (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) يعني لا يقتل بعضكم بعضاً بسبب العداوة والبغضاء أو لأجل المال أو لسبب آخر إلاّ قتل القِصاص يقوم به وليّ أمر المسلمين (ذَلِكُمْ) الحكم (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) وتتركون تلك العادات الوحشيّة .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |