كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 7) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

7 - قال بعض المشركين من قُريش : يا محمّد لن نؤمن لك حتّى تُنزّل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في قرطاس ، فنزلت هذهِ الآية (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا ) مكتوباً (فِي قِرْطَاسٍ ) كما اقترحوا عليك يا محمّد (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) ورأوهُ بأعينهم لم يُصدّقوك بل (لَقَالَ الّذينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ، و"القرطاس" هو ورق الكتابة وجمعه قراطيس ، ومن ذلك قول جرير :

                                     كأنَّ ديارَ الحيَّ منْ قِدَمِ البِلَى      قَرَاطيسُ رُهبانٍ أحالَتْ سطُورُهَا

8 - (وَقَالُواْ) أي كفّار قريش (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) من السماء فيخبرنا بأنّ محمّداً نبيٌّ وهو صادق في دعوتهِ . فردّ الله عليهم قولهم وقال (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ) بإهلاكهم ، والمعنى : لو أنزلنا ملَكاً من السماء كما اقترحوا لقالوا عند رؤيتهِ هذا سِحرٌ مُبين ، كما قال فرعون وقومه لَمّا رأوا العصا صارت حيّة ، فكذلك قُريش إذا لم يؤمنوا عند رؤية الملَك وجب عليهم الهلاك والدمار وينتهي الأمر بهم إلى النار (ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) أي لا يُمهَلون .

9 - (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا ) أي لو جعلنا الرسول إليهم ملَكاً (لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ) لأنّ الملائكة أثيريّون لا تراهم الناس ولا تسمع أصواتهم إلا بالإيحاء فينبغي أن نجعل للملَك جسماً مادّياً لكي تراهُ الناس (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) يعني فإذا جعلناهُ رجلاً بأن جعلنا لهُ جسماً مادّياً التَبسَ الأمرُ عليهم كما هم مُلتبسون الآن. ومن ذلك قول الخنساء :

                                             أشَدَّ علَى صُروفِ الدَّهْرِ أيْداً      وأفصلَ في الخطُوبِ بِغيرِ لَبسِ

أي بغير التباس .  وقال حسّان بن ثابت :

                                           أَمُّوا بِغَزْوِهِمِ الرَّسُوَل وأَلْبَسُوا      أَهْلَ القُرَى وَبَوَادِيَ الأَعْرَابِ

والدليل على أنّ الله تعالى قصد بذلك الإلتباس لا اللّباس قولهُ تعالى ( لَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ) ، ولم يقل "للبسنا عليهِ" ، لتكون الكناية للملَك بل كانت الكناية للمشركين بقوله تعالى (عَلَيْهِم) .

10 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد لَمّا وعدتهم رُسُلهم بالعذاب إن لم يؤمنوا ، فلا يهمّك استهزاؤهم (فَحَاقَ بِالّذينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) يعني أحاط بهم العذاب الّذي كانوا يستهزؤون بوقوعهِ ويسخرون منهُ .

11 - (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ) أي سافروا فيها إلى خرائب هؤلاء الّذينَ كذّبوا الرُسُل وآثارهم (ثُمَّ انظُرُواْ ) وفكّروا (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) هؤلاء (الْمُكَذِّبِينَ) ، ألم تكن عاقبة تكذيبهم الدمار وخراب الديار ؟

12 - (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) يعني أوجبَ على نفسهِ الرحمة للتائبين النادمين ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) أي يجمع نفوسكم في عالم الأرواح ، لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ثمّ يُحاسبكم ويجازيكم، فمجمع النفوس يكون بعد الموت في عالم البرزخ (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في الجمع والحشر، فإذا مات الإنسان اجتمعَ بأقاربهِ الأموات ، إنّ الكافرين والمنكرين وُجود النفوس (الّذينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ) حيث أبدلوا الجنَة بالنار والعزّ بالعار (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بالحساب حتّى يموتوا .

13 - (وَلَهُ) أي لله تعالى (مَا سَكَنَ فِي ) جهة (اللّيل) من مخلوقات (وَ) ما سكنَ في جهة (النَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأفعالهم .

14 - (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ) أحبّهُ وأعبدهُ ، والله (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي مُشقّق الأرض في الزمن القديم وجاعلها كواكب سيّارة كثيرة بعد ما كانت أرضاً واحدة ، قال الله تعالى في سورة الأنبياء {أَوَلَمْ يَرَ الّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } ، يعني كانت قطعة واحدة فشقّقناها وجعلناها قِطَعاً كثيرة . وخلق فيهنّ أنواع المخلوقات بعدما كانت ناراً مُلتهبة (وَهُوَ يُطْعِمُ ) هذه المخلوقات كلّها بما هيّأ لها من أسباب معيشتها (وَلاَ يُطْعَمُ ) يعني ولا أحد من هذه المخلوقات يُطعِمهُ شيئاً لأنّهُ لا يحتاج إلى طعام (قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) من أهل مكّة ، يعني أوّل من استسلم لأمر الله وانقادَ لطاعتهِ (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ) يا محمّد .

15 - (قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) فيما أمرني بهِ من الاستسلام وما نهاني عنهُ من الإشراك (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) هو يوم القيامة .

16 - (مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ ) العذاب (يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة بغفران ذنوبهِ (فَقَدْ رَحِمَهُ ) الله وعفا عنهُ (وَذَلِكَ) الغفران هو (الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) لمن رحمهُ الله وعفا عنهُ .

17 - (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ ) كمرض أو فقر أو مكروه (فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ) وحده (وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ) كسعةٍ من الرزق أو صِحّةٍ في الجسم أو شيء آخر من خيرات الدنيا (فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) .

18 - (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ ) قهرِ (عِبَادِهِ) يعني قدرة الله على الإنتقام من الظالمين للضعفاء والمساكين فوق قدرتهم على الظُلم ، فليعلموا ذلك ولا يظلموا الضعفاء فإنّ الله أقوى منهم فينتقم منهم (وَهُوَ الْحَكِيمُ ) في أفعالهِ (الْخَبِيرُ) بظُلم عبادهِ .

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم