كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 72) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

72 - (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ ) في تركها (وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) يعني تُجمَعون للحساب يوم القيامة .

73 - (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (بِالْحَقِّ) أي بالوعد الحقّ ، والوعد الّذي وعدَ بهِ هو زوال الكواكب السيّارة وتمزيقها يوم القيامة ، وذلك قوله تعالى في سورة فاطر {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا } يعني يوم القيامة تزول عن جاذبيّة الشمس لأنّها تتمزّق ، وقال تعالى في سورة الإنفطار {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } يعني تمزّقت وانتثرت أجزاؤها في الفضاء ، وقد شرحتُ هذا البحث في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً . والمعنى : إنّ الأرض الّتي تسكنون فيها تزول وتتبعثر أجزاؤها في الفضاء وكذلك الكواكب الاُخرى وأنتم تُريدون البقاء في الدنيا ولا تحسبون لآخرتكم حساباً كأنّكم مُخلّدون في الدنيا (وَيَوْمَ) القيامة (يَقُولُ) لهذا العمران (كُن) خراباً (فَيَكُونُ) وهو اليوم الذي تتمزّق فيه المجموعة الشمسيّة بأسرها (قَوْلُهُ الْحَقُّ ) أي الصِّدق فما أخبر عنهُ فهو كائنٌ لا مَحالة (وَلَهُ الْمُلْكُ ) فلا يملك في ذلك اليوم غيره لأنّ الناس كلّها تموت وتصعد النفوس في الفضاء (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ ) "الصُور" هو القشرة الباردة الّتي تتكوّن للشمس عند انتهاء حياتها فتضغط الغازات الّتي في جوفها على القشرة الباردة فتنصدع فتخرج الغازات من ذلك الصدع ويكون لها صوت عظيم . وقد ذكرتُ عن الصور في كتابي الكون والقرآن بالتفصيل (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) أي ما غابَ عنكم وما حضرَ عندكم (وَهُوَ الْحَكِيمُ ) في صُنعهِ (الْخَبِيرُ) بِما يكون .

74 - (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ) يعني واذكر لهم قِصّةَ إبراهيم ليفكّروا فيها ويتدبّروا في شأنها كما فكّرَ إبراهيم فاهتدَى إلى الصواب ، إذ قال (لأَبِيهِ آزَرَ ) واسمهُ بالعبريّة "تارَحَ " ومعناهُ آزرَ أباه ، لأنّ أباهُ لم يكن لهُ ولد فلمّا وُلِدَ إبراهيم قالوا تارَحَ أي آزرَ أباهُ (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ) تعبدها من دون الله (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ ) عن الحقّ (مُّبِينٍ) .

75 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أشعرناهُ بخطأ أبيهِ كذلك (نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أصلها مُلك السماواتِ والأرض ، والواو يُشير إلى الكثرة ، تقول للواحد جاءَ ، وللجماعة جاؤوا ، بزيادة الواو ، والتاء للمخاطَب والمالِك ، تقول ملكتُ وملكتَ ، فالتاء الأولى تشير إلى المالِك والثانية تشير إلى المخاطَب ، والمعنى : نُريهِ كثرة مُلكنا للكواكب السيّارة والأرض من جملتها ليفكّر ويعقل (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) بآيات الله وقدرتهِ .

76 - (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللّيل ) أي فلمّا ضمّهُ اللّيل وآواهُ ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                               وهالِكِ أهْلٍ يُجِنُّونَهُ      كآخَرَ في قَفْرَةٍ لَمْ يُجَنْ

وقالت الخنساء :
                                 سَقَى الإِلَهُ ضَرِيحًا جَنَّ أَعْظُمَهُ      وَرُوحَهُ بِغَزِيرِ الْمُزْنِ هَطَّـالِ

(رَأَى كَوْكَبًا ) هو كوكب الزُّهرة ، لأنّهُ أوّل ما يبدو من النجوم مساءً هو كوكب الزهرة (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ ) الكوكب ، أي فلمّا غابَ عن الأنظار ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

                                أَيَخفَى لَنَا إِن كانَ في اللّيل دفنُهُ      فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَلْ

يعني إذا غابَ عنّا اليوم سيظهر في الغد . وقال كعب بن مالك :

                                         فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ      وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ

(قَالَ) إبراهيم (لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ) .

77 - (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ) في السماء (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ ) إبراهيم (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي ) إلى رُشدي (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) عن طريق الصواب .

78 - (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً ) من المشرق (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ ) من القمر ومن الكواكب (فَلَمَّا أَفَلَتْ ) الشمس (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) بالله من أصنام .

79 - (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي شقّقها فجعلها تسعة كواكب بعدما كانت واحدة ، وقد سبق تفسيرها في آية 14 (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الّذينَ يُشركون غيره في عبادتهِ . لأنّ إبراهيم لَمّا نشأ وبلغ الرُّشد رأى قومهُ يعبدون الأصنام فلم يُعجبهُ ذلك لأنّها أحجار لا تنفع ولا تضرّ ، فأخذ يفكّر وينظر إلى السماء لعلّهُ يجد خالقهُ فيعبدهُ ، وإنّما وجّهَ نظرهُ إلى السماء لأنّهم قالوا في السماء إلاهٌ واحد ، وفي الأرض آلهةٌ كثيرة ، فلمّا لم تعجبهُ آلهة الأرض صار ينظر إلى السماء يُراقب أجرامها ، ولَمّا رآها تأفل وتغيب عن الأنظار قال في نفسهِ يجب أن تكون صِفات الخالق ثابتة لا تتغيّر وأن يكون موجوداً على الدوام لا يزول ، ثمّ خطرَ لهُ أن يسأل خالقهُ ليرشدهُ هو إلى نفسهِ ليعرفهُ فيعبدهُ ، فقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) فأرسل اللهُ لهُ جبرائيل فقال مُنادياً : "سُبّوحٌ قُدّوس ربّ الملائكةِ والروح" ، فاهتدى حينئذٍ إبراهيم إلى رُشدهِ وقال ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

80 - (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ) أي خاصموهُ وجادلوه في شأن أصنامهم وخوّفوهُ في ترك عبادتها (قَالَ) إبراهيم (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ ) إلى طريق الحقّ بالإيحاء وبالأدلّة العقليّة والآيات الكونيّة (وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ) إنْ كسّرتُها ، يعني لا أخاف من الأصنام ولا منكم أن تقتلوني أو تسجنوني أو تضربوني (إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا ) من ذلك لمصلحةٍ هو يعلمها (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) فهو أعلمُ منّي ومنكم بعواقب الاُمور فإن شاء قتلي أو سجني على أيديكم فلا مانع من ذلك (أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) يعني أفلا تتّعظون وتتركون عبادة الأصنام ؟

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم