كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 96) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

96 - لَمّا ذكرَ اللهُ سُبحانهُ الحبَّ والنوَى عقّبهُ بذكرِ ما ينمو بهِ الزرع ويقوَى فقال (فَالِقُ الإِصْبَاحِ ) "الإصباح" هو الضوء الْمُنبعث من المصباح ، أي من السراج ، والدليل على ذلك قول امرئ القيس يتضجّر من طول اللّيل :

                            ألا أيُّها اللّيل الطَّوِيلُ ألا انْجَلِي      بِصُبْحٍ وما الإصْباحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ

يعني وما ضياء اليوم فيك بأحسنَ من أمسِ فتبطئ وتطول علينا . وقال الآخر :

                            وَقَالوا : مَا تَشَاءُ؟ فَقُلْتُ : أَلْهُو      إلَى الإِصْبَاحِ آثَرَ ذِى أثِيرِ

يعني : ألهو إلى ضياء المصباح ، وسراج الأرض هو الشمس لأنّها مصدر الضياء والحرارة للأرض والكواكب الاُخرى ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا } ، فيكون قوله تعالى (فَالِقُ الإِصْبَاحِ ) أي فالق الذرّة من الشمس وجاعل منها الإصباح ، أي الضياء ليكون اللّيل نهاراً بسبب ضوء الشمس وينموَ الزرع ويقوَى بحرارة الشمس وأشعّتها (وَجَعَلَ اللّيل سَكَنًا ) للناس ، أي يهدؤون فيهِ وينامون (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ) تحسبون بهما أوقاتكم وشهوركم وسنيّكم لأنّهما يجريان بحساب ونظام (ذَلِكَ) النظام والحساب (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) بما تحتاج إليه العباد .

97 - (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا ) إلى طريقكم ليلاً وقت أسفاركم (فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) أي في ظُلمات اللّيل إذا كنتم في البرِّ أو البحر فتجعلون النجوم علامة للجهة الّتي تسيرون إليها (قَدْ فَصَّلْنَا ) أي بيّنا (الآيَاتِ) الدالّة على الوحدانية فَصلاً فَصلاً (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) فيفكّرون في مخلوقاتنا .

98 - (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) سبق تفسيرها في سورة النساء (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) المستقرّ هو بيت الأرحام استقرّت فيه النُطفة ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى في سورة الحجّ {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء } ، والمستودَع هو الجسم لأنّ الروح تكون فيه وديعة أي أمانة إلى يوم مماتهِ فتخرج منهُ وتنتقل إلى عالم النفوس ، ولا تزال هذه العبارة مُستعملة عند الناس فتسمع من أصابهُ مرض أو شِدّة يقول ربّي خذ أمانتك ، يعني روحهُ ، ومن بنَى بيتاً صغيراً يقول يكفيني هذا البيت حتّى يأخذ الله أمانتهُ ، ومن ذلك قول لبيد :

                               وما المالُ والأهْلُونَ إلا وَدِيعَةٌ      ولابُدَّ يَوماً أنْ تُرَدَّ الودائعُ

فيكون المعنى : أنشأكم من جسمٍ وروح ، لأنّ النُطفة الّتي استقرّت في بيت الأرحام تكوّن منها جسم الإنسان ثمّ دخلت فيهِ الوديعة وهي الروح فصارَ جنيناً (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ ) الّتي تدلّ على قُدرة الله وحكمتهِ (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) أي يفهمون .

99 - (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ) أي من الفضاء يعني من الطبقات الغازيّة (مَاءً) هو المطر ، وقد شرحت في كتابي الكون والقرآن عن تكوين المطر وسقوطه على الأرض (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ) أي بماء المطر (نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ) من الحبوب والنوَى (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ ) أي من الحَبّ (خَضِرًا) أي نباتاً أخضر غضّاً طريّاً (نُّخْرِجُ مِنْهُ ) أي من ذلك النبات (حَبًّا مُّتَرَاكِبًا ) بعضهُ فوق البعض كالسُنبلة والسِمسِم والذُّرة وغير ذلك (وَمِنَ النَّخْلِ ) يعني ونُخرجُ من النخل (مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ ) أي عذوق مُدلاّة ، واحدها قنو ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

                                  سَوامِقَ جَبَّارٍ أَثِيثاً فُرُوعُهُ      وأخرجَ قِنْواناً مِنَ البُسْرِ أَحْمَرَا

(دَانِيَةٌ) بعضها من البعض ، أي عذوقها مُلتفّة حول النخلة (وَجَنَّاتٍ) أي بساتين أنشأناها بالماء (مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) في الثمر . يأتي تفسيرها في الآية 141 من نفس السورة (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) إذا حانَ ، أي إلى نضجهِ إذا نضجَ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :

                                     في قِبابٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ      حَوْلَها الزَّيتُونُ قَدْ يَنَعَا

والمعنى : اُنظروا من ابتداء خروجهِ إذا أثمر إلى انتهائهِ إذا أينع كيفَ تنتقل عليه الأحوال في اللّون والطعم والرائحة والصغر والكبر لتستدلّوا بذلك على أنّ لهُ صانعاً صنعهُ وحكيماً أبدعهُ وكوّنهُ (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ ) أي علامات ودلالات (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) بوجود الخالق فيعبدونهُ ولا يُشركون بهِ شيئاً .

100 - (وَجَعَلُواْ) المشركون (لِلّهِ شُرَكَاءَ ) يعبدونهم بأمر (الْجِنَّ) أي بأمر الشياطين ، والمعنى : الجنّ أمروا المشركين أن يجعلوا للهِ شُركاء فأطاعوا أمرهم (وَخَلَقَهُمْ) الله جميعاً المشركين والجنّ فكيفَ يجعلون لمن خلقهم شركاء (وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ ) أي اختلقوا لله البنين والبنات كَذِباً وافتراءً عليهِ . فالنصارى واليهود ادّعَوا لهُ البنين ، لأنّ النصارى قالوا المسيح إبن الله ، واليهود قالوا عُزير إبن الله ، والمشركون من العرب قالوا الملائكة بنات الله ، وقولهم هذا (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) منهم بالحقائق بل مجرّد ادّعاء (سُبحانهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ البنين والبنات (وَتَعَالَى) أي تعاظمَ (عَمَّا يَصِفُونَ ) لله من بنين وبنات .

101 - (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض ، فهو الّذي أبدعها وكوّنها وأجراها في أفلاكها وأدارَها حول محورِها لينشأ فيها اللّيل والنهار وخلقَ فيها أنواع المخلوقات من حيوان ونبات فجعلها رزقاً للإنسان وأعطاهُ العلم والبيان وأخذَ عليه العهود والأيمان بأن لا يُشرك بعبادة الرحمان فنقضَ العهد وخانَ وعبدَ الملائكة والأوثان فكان عاقبة أمره الخُسران ، وقوله (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ) أي كيف يكون لهُ ولد (وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) أي زوجة (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) من ذكور وإناث فلو صحّ ما يدّعون من الولد لعلمَ بهِ ولأخبرَ بهِ في الكتب السماويّة كالتوراة والزبور والقرآن ولكنّهم يفترون على الله الكذب (وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ) من مخلوقاتهِ (عَلِيمٌ) لا يَخفَى عليه شيء منها .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم