كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 99) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

99 - (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ) أي من الفضاء يعني من الطبقات الغازيّة (مَاءً) هو المطر ، وقد شرحت في كتابي الكون والقرآن عن تكوين المطر وسقوطه على الأرض (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ) أي بماء المطر (نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ) من الحبوب والنوَى (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ ) أي من الحَبّ (خَضِرًا) أي نباتاً أخضر غضّاً طريّاً (نُّخْرِجُ مِنْهُ ) أي من ذلك النبات (حَبًّا مُّتَرَاكِبًا ) بعضهُ فوق البعض كالسُنبلة والسِمسِم والذُّرة وغير ذلك (وَمِنَ النَّخْلِ ) يعني ونُخرجُ من النخل (مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ ) أي عذوق مُدلاّة ، واحدها قنو ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

                                  سَوامِقَ جَبَّارٍ أَثِيثاً فُرُوعُهُ      وأخرجَ قِنْواناً مِنَ البُسْرِ أَحْمَرَا

(دَانِيَةٌ) بعضها من البعض ، أي عذوقها مُلتفّة حول النخلة (وَجَنَّاتٍ) أي بساتين أنشأناها بالماء (مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) في الثمر . يأتي تفسيرها في الآية 141 من نفس السورة (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) إذا حانَ ، أي إلى نضجهِ إذا نضجَ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :

                                     في قِبابٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ      حَوْلَها الزَّيتُونُ قَدْ يَنَعَا

والمعنى : اُنظروا من ابتداء خروجهِ إذا أثمر إلى انتهائهِ إذا أينع كيفَ تنتقل عليه الأحوال في اللّون والطعم والرائحة والصغر والكبر لتستدلّوا بذلك على أنّ لهُ صانعاً صنعهُ وحكيماً أبدعهُ وكوّنهُ (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ ) أي علامات ودلالات (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) بوجود الخالق فيعبدونهُ ولا يُشركون بهِ شيئاً .

100 - (وَجَعَلُواْ) المشركون (لِلّهِ شُرَكَاءَ ) يعبدونهم بأمر (الْجِنَّ) أي بأمر الشياطين ، والمعنى : الجنّ أمروا المشركين أن يجعلوا للهِ شُركاء فأطاعوا أمرهم (وَخَلَقَهُمْ) الله جميعاً المشركين والجنّ فكيفَ يجعلون لمن خلقهم شركاء (وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ ) أي اختلقوا لله البنين والبنات كَذِباً وافتراءً عليهِ . فالنصارى واليهود ادّعَوا لهُ البنين ، لأنّ النصارى قالوا المسيح إبن الله ، واليهود قالوا عُزير إبن الله ، والمشركون من العرب قالوا الملائكة بنات الله ، وقولهم هذا (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) منهم بالحقائق بل مجرّد ادّعاء (سُبحانهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ البنين والبنات (وَتَعَالَى) أي تعاظمَ (عَمَّا يَصِفُونَ ) لله من بنين وبنات .

101 - (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض ، فهو الّذي أبدعها وكوّنها وأجراها في أفلاكها وأدارَها حول محورِها لينشأ فيها اللّيل والنهار وخلقَ فيها أنواع المخلوقات من حيوان ونبات فجعلها رزقاً للإنسان وأعطاهُ العلم والبيان وأخذَ عليه العهود والأيمان بأن لا يُشرك بعبادة الرحمان فنقضَ العهد وخانَ وعبدَ الملائكة والأوثان فكان عاقبة أمره الخُسران ، وقوله (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ) أي كيف يكون لهُ ولد (وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) أي زوجة (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) من ذكور وإناث فلو صحّ ما يدّعون من الولد لعلمَ بهِ ولأخبرَ بهِ في الكتب السماويّة كالتوراة والزبور والقرآن ولكنّهم يفترون على الله الكذب (وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ) من مخلوقاتهِ (عَلِيمٌ) لا يَخفَى عليه شيء منها .

102 - (ذَلِكُمُ) الّذي خلق لكم هذه الأشياء وأبدعها هو (اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ) وحدهُ (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) من جماد ونبات وحيوان وإنسان (فَاعْبُدُوهُ) ولا تعبدوا غيره (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) أي حفيظ .

103 - (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) البصر عين النفس وجمعه أبصار ، والمعنى : لا تراه النفوس بأبصارها ولا الأجسام بعيونِها (وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) أي يراها ويدرك خيانتها ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة غافر {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ، والمعنى : أنّ الله تعالى يرَى مخلوقاته وهي لا تراه ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ ) بعبادهِ (الْخَبِيرُ) في خلقهِ .

وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الله تعالى يراهُ المؤمنون يوم القيامة واستشهدوا بقوله تعالى في سورة القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. } أقول ليس المقصود من كلمة {نَاظِرَةٌ} هو النظر إلى وجه الله تعالى بل المقصود منها الانتظار ، والمعنى : إلى جزاء أعمالها مُنتظرة ، وكذلك قوله تعالى في سورة الزمر {فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } ، أي ينتظرون جزاء أعمالهم ، وهذا في بادئ الأمر من يوم القيامة ، ثمّ يدخل المؤمنون الجنّة ويتنعّمون بنعيمها فحينئذٍ ينطبق فيهم قولهُ تعالى في سورة الغاشية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ . لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } ، فكلمة "ينظرون" معناها ينتظرون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف حاكياً عن إبليس {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي أمهِلني .

فلو تراه العيون لرآه موسى بن عمران لَمّا أغراه قومهُ فقال ربِّ أرني أنظرْ إليك قال الله تعالى لن تراني ، ولو تراه الأبصار لرآه حبيبهُ محمّد لَمّا عُرِجَ به إلى السماء ، فمن قال بذلك فهو آثم .

104 - (قَدْ جَاءكُم ) أيّها الناس (بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ) "البصائر" جمع بصيرة أي علامة وبيّنة يتّضح لمن فكّرَ بها الحقّ من الباطل والصحيح من الخطأ والهُدى من الضلال (فَمَنْ أَبْصَرَ ) طريق الحقّ وسار عليهِ (فَلِنَفْسِهِ) نفعهُ (وَمَنْ عَمِيَ ) عن طريق الحقّ وحادَ عنهُ (فَعَلَيْهَا) أي فعلَى نفسهِ وبالهُ وعقابه ، قل يا محمّد لهم فما أنا بملوم بعد هذا الإنذار (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) إذا جاءكم العذاب فلا يُمكنني حينئذٍ تخليصكم منهُ ولا أحفظكم عنهُ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم