كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 165) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

165 - (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ) يعني فلَمّا استمرّوا على ذلك حتّى نسوا ما وُعِظوا به من النهي عن الصيد في أيّام السبت ، حينئذٍ سلّطنا عليهم أعداءهم فقهروهم وقتلوهم وأسروهم و(أَنجَيْنَا الّذينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الّذينَ ظَلَمُواْ ) أنفسهم ، يعني الّذينَ صادوا (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) أي مُخزٍ مُذلٍّ بأيدي أعدائهم ، ومن ذلك قول حسّان :

                  ما يقسِمِ اللهُ أقبَلْ غيرَ مُبْتَئِسٍ      مِنْهُ وأقْعُدْ كَرِيماً ناعِمَ البالِ

فقول الشاعر " غيرَ مُبْتَئِسٍ " يعني غير حزين ولا ذليل ، وقال الحُطيئة :

                 لا يَصْبِرونَ ولا تَزالُ نِساؤُهُمْ      تَشْكُو الهَوانَ إلَى البَئِيسِ الأَبْأَسِ
            رَهْطُ ابنِ جَحْشٍ في الخُطُوبِ أذِلَّةٌ      دُسْمُ الثِّيابِ قَناتُهُمْ لَمْ تُضَرّسِ

وقال حسّان :
                     فَكُلُّ مَعَدٍّ قَدْ جَزَيْنَا بِصُنْعِهِ      فَبُؤْسَى بِبُؤْسَاهَا وَبِالنُّعْمِ أَنْعُمَا

(بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) بين قومهم .

166 - (فَلَمَّا عَتَوْاْ ) فلمّا خالفوا أمرَ ربّهم وازدادوا في عصيانهم (عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ) من الصيد والبيع والشراء في أيّام السبت (قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين حقيرين كالقِرَدَة . وهذه كناية عن إذلالهم وتحقيرهم وليس معناه مُسِخوا قِرَدَة . فكلّ جملة تأتي في القرآن بهذه العبارة هي كناية عن إذلالهم ، وهي (كُونُواْ) ونظيرها قوله تعالى في سورة البقرة {فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثمّ أَحْيَاهُمْ } فكلمة {مُوتُواْ} كناية عن ذلّهم ، {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } يعني أعزّهم . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهي قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . وسبقت قصّة نحميا بن حكليا معها .

167 - (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ) يا محمّد ، يعني وإذ استأذن أعداء اليهود من ربّك في قتالهم فأذن لهم كان القدماء يتفاءلون بالسهام فيكتبون على رقعةٍ "إفعل" ويكتبون على الثانية "لا تفعل" ثمّ يرمونهما بسهم فإذا وقع السهم على الاُولى يقولون أذِنَ لنا ربّنا في ذلك ، وإذا وقع السهم على الثانية قالوا لم يأذن لنا في ذلك . فأخذ نبوخذنصّر سهماً واستأذن الله في قتال بني إسرائيل ورمَى السهم فوقع على الرقعة الاُولى المكتوب فيها " إفعل"، فسار بجيشهِ وحاربهم وانتصر عليهم .

وهذا معنى قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ) أي سألوه الإذن في قتالهم فأذنَ لهم . ثمّ أقسم الله تعالى (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) أي من يعاملهم بأسوأ العذاب (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ) للظالمين (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالمؤمنين .

168 - (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ) أي فرّقناهم ليكونوا ذليلين (أُمَمًا) أي جماعات مختلفة في اللّغات منهم فُرس وعرب وتُرك وأكراد وغير ذلك (مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ) في أعمالهم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ) أي غير صالحين (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ) أي عاملناهم بالخير مرّة وبالشرّ اُخرى (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم وغيّهم .

169 - (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ) يعني فذهب الآباء وقام الأبناء مقامهم (وَرِثُواْ الْكِتَابَ ) عن آبائهم وأجدادهم ، والكتاب هو التوراة ، والمقصود بذلك علماء اليهود (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى ) أي يأخذون المال رشوة في حكمهم للناس فيحكمون باطلاً لأجل المال الذي هو عَرَضٌ زائل في هذه الدنيا ، يقال في المثَل : "الدنيا عَرَضٌ حاضِر يأكلُ منه البَارُّ والفاجِر" ، (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) يعني يأخذون الرشوة ويحكمون باطلاً ثمّ يقولون سيغفر الله لنا هذه المرّة ولا نعود نأخذ رشوة من أحد ، ولكنّهم يكذبون على أنفسهم (وَإِن يَأْتِهِمْ ) في الغد (عَرَضٌ مُّثْلُهُ ) أي مِثل الذي جاءهم بالأمس من المال (يَأْخُذُوهُ) ولا يخشَون عقاب الله (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ ) يعني ألم تأخذ عليهم أنبياؤهم العهود وتشدّد عليهم المواثيق بأن يتّقوا الله في جميع أوامره ويحكموا بين الناس بالحقّ وتلك العهود والمواثيق مكتوبة عندهم في التوراة وهم يقرأونها ، ألم نأخذ عليهم الميثاق (أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ) في الحكم بين الخصمَين ، فلماذا يحكمون باطلاً وهم قد قرأوا الكتاب (وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ ) من أحكام وقوانين شرعية ، وقليل منهم يتّقون الله ولا يأخذون الرشوة (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) ولا يأخذون الرشوة (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) يا أحبار اليهود وتتركون الرشوة وتحكمون بالعدل ؟

170 - (وَالّذينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ ) يعني يتمسّكون بالتوراة وأحكامها فلا يحكمون باطلاً (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ) وآتَوا الزكاة وأصلحوا بين المتخاصِمين (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) بل نُجازيهم على إصلاحهم خير الجزاء .

171 - (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سبق تفسيرها في سورة البقرة في آية 63 و 93 .

172 - (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) العهود والمواثيق (مِن بَنِي آدَمَ 160) الماضين (مِن ظُهُورِهِمْ ) أي من ظهرانيهم يعني من أسلاف اليهود الّذينَ سبق ذكرهم ، واليهود الموجودون هم (ذُرِّيَّتَهُمْ) أي هم من ذرّية الظهور الماضين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) فقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ ) أي قالت اليهود (بَلَى) أنت ربُّنا ، قال الله تعالى أتشهدون أنّي واحد لا شريك لي؟ قالوا (شَهِدْنَا) قال الله تعالى (أَن تَقُولُواْ ) يعني لئلّا تقولوا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) يعني عن التوحيد غافلين فلم نعلم أن لا شريك لك ولم يُفهمْنا أحد ، فإنّا أفهمناكم وعلّمناكم وأشهدناكم على أنفسكم .

------------------------------------

160 :وإنّما قال تعالى (مِن بَنِي آدَمَ ) ، ولم يقل من بني إسرائيل ، لأنّ بعض الناس أسلموا ولحقوا بدِين موسى وهم من غير بني إسرائيل ، ومن جملتهم السحَرَة وكانوا من الأقباط ، ثمّ تزوّج الإسرائيليون نساءً أجنبيّات بعد وفاة موسى فدَعَوْنَ أزواجهنّ إلى عبادة الأصنام والأوثان ، فأوحى الله إلى يوشع بن نون أن يجمع الشعب ويؤنّبهم على أفعالهم هذه ويأخذ العهد منهم والمواثيق بترك عبادة الأصنام .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم