كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 30) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

30 - ثمّ وجّه الخطاب للنبيّ (ع) فقال تعالى (فَرِيقًا) منهم (هَدَى) أي هداهم الله إلى الإسلام فأسلَموا ، وذلك بسبب حُسنِ أخلاقهم وإشفاقهم على الفقراء والمساكين فلذلك هداهم الله (وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ) بسبب ظُلمهم للضعفاء والمساكين واغتصاب حقوقهم ولذلك أضلّهم الله (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ ) يعني إنّهم امتثلوا قول الدجّالين من الناس فيما دعَوهم إليهِ من الإشراك والأعمال الباطلة وأحبّوا الدجّالين من دون الله (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) إلى طريق الحقّ ، ويريد بالشياطين رؤساء الضلال والكهنة .

31 - (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) تصلّون فيه ، والمسجد كلّ مكان يقوم الناس فيه للصلاة والعبادة ، والمعنى : لا تلبسوا الْمُسوح وتسكنوا الصوامع كما تفعل اليهود والنصارى بل تزيّنوا بلباسكم وتطهّروا وتعطّروا وصلّوا فإنّ ذلك مباح لكم (وكُلُواْ) من طيّب الطعام ولا تحرّموا على أنفسكم إلاّ ما حرّمهُ الله عليكم (وَاشْرَبُواْ) من المشروبات الطيّبة إلاّ الْمُسكّرات فإنّها مُحرّمة عليكم (وَلاَ تُسْرِفُواْ ) في الأكل والشرب (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) لأنّ الإسراف في الأكل والشرب يوقعكم في المرض . وإنّما قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ) ولم يقل يا أيّها الّذينَ آمنوا لأنّ قِصّة آدم سبق ذكرها ولأنّ الخطاب لجميع الناس .

32 - كان المشركون إذا دخلوا البيت للصلاة يلبسون الصوف ولا يلبسون الثياب القطنية ، وكانت صلاتهم وقوفاً بلا ركوع ولا سجود ، فلمّا رأوا المسلمين يلبسون الثياب القطنيّة في الصلاة ويركعون ويسجدون عابوهم وسَخِروا منهم ومن صلاتهم ، فنزل قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ ) من الثياب واللّباس (الَّتِيَ أَخْرَجَ ) يعني التي أخرجها من الأرض زرعاً ، وذلك كالقطن والكِتّان والإبريسم النباتي والحرير الاصطناعي (وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) التي رزقكم الله إيّاها ، يعني مَن حرّمها عليكم من الأنبياء فتحرّموها أنتم على أنفسكم ؟ (قُلْ هِي ) مُباحةٌ (لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وإنّهم يجدونها (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي خالصة من الشوائب والتعفّن والتلَف فلا تتعفّن تلك الأثمار ولا تتلَف لأنّها أثيرية روحانيّة وهي خالصة للمؤمنين دون الكافرين (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

33 - (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ) أي الزِنا (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) أي ما اُعلِنَ منها وما خفيَ ، وذلك ماكان عادة عند مشركي العرب يتّخذ أحدهم رفيقة فيزني بِها سرّاً (وَالإِثْمَ) أي الخمر ، لأنّ بعض قبائل العرب يُسمّون الخمر إثماً ، وفي ذلك قال الأخفش :

                                   شَرِبْتُ الإثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي      كَذاكَ الإثْمُ يَذْهَبُ بِالعُقُولِ

وقال الآخر :
                                نَهانا رَسُولُ اللهِ أنْ نَقْرَبَ الخَنَا      وأنْ نَشْرَبَ الإثْمَ الَّذِي يُوجِبُ الوِزْرَا

(وَالْبَغْيَ) وهو التعدّي على الناس (بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي بدون استحقاق ، وهو الّذي يضرب شخصاً لم يضربهُ ويشتمُ إنساناً لم يشتمهُ ، فهذا تعدٍّ بغير استحقاق (وَ) حرّم عليكم (أَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) أي لم ينزّل به دليلاً ولا بُرهاناً ، والمعنى : كلّ شيء تعملونهُ لغير الله لم ينزّل الله بهِ ذِكراً أو بياناً في الكتب السماوية فهو إشراك (وَ) حرّم عليكم (أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ ) أقوالاً (مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) صِحّتها ولم يأتِ ذكرها في الكتب السماويّة وذلك كالسائبة والوصِيلة وغير ذلك .

34 - (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ ) كذّبت رسولها (أَجَلٌ) بالعذاب والهلاك (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ) أي الوقت المقرّر لنزول العذاب عليهم (لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) يعني لا يتمكّن أحد أن يُغيّر الوقت الموعود بهِ فيؤخِّرهُ ساعة واحدة ولا يُقدّمهُ ساعة .

35 - (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا ) أن تسيروا على نهج أبيكم آدم في التوحيد والصلاح وإمّا (يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ) فتتّبعوهم إن كنتم لا تعلمون طريق الحقّ ، وهم (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ) ويُبيّنونَ لكم أحكامي . فكلمة "إمّا" تأتي لاختيار أحد الأمرين ، ومن ذلك قولهُ تعالى في سورة مريم {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ } ، وقولهُ تعالى في سورة الأعراف {قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ } . (فَمَنِ اتَّقَى ) منكم الشِّرك والمحرّمات (وَأَصْلَحَ) أعمالهُ (فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين في عالم البرزخ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدنيا .

36 - (وَالّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) الّتي جاءت بها رُسُلنا (وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا ) أي عن قبولها (أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي مخلّدون دائمون .

37 - (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ) بأن جعل لله البنات أو جعل له شريكاً (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) التي جاء بِها محمّد وغيره من الرُسُل (أُوْلَـئِكَ) المكذّبون والمشركون (يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ) أي يستوفون نصيبهم من الدنيا مِمّا كتب الله لهم من الرزق والعُمر ثمّ يموتون ويدخلون جهنّم ، ثمّ أخبرَ سُبحانهُ عن من مات منهم فقال (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا ) أي رُسُل الموت وهم الملائكة (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي يقبضونهم من أجسامهم ، لأنّ الإنسان الحقيقي هو النفس الروحانيّة الأثيرية (قَالُواْ) أي قالت ملائكة الموت لهؤلاء الكافرين (أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) يعني أين شركاؤكم الّذينَ كنتم تعبدونهم من دون الله فليُخلّصوكم من عذابهِ إن كنتم صادقين في دعواكم (قَالُواْ) أي الكافرون (ضَلُّواْ عَنَّا ) أي ذهبوا عنّا وافتقدناهم فلم ينفعونا بشيء (وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) يعني اعترفوا بذنبهم وخطئهم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم