كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
40 - (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا) أي عن قبولها (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء) ليدخلوا الجنّة ، والسماء يريد بِها الطبقات الغازية ، والجنّة فوقها وقد ذكرتها مفصّلاً في كتابي الإنسان بعد الموت و في كتابي الكون والقرآن .
وقوله (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ) أي يدخُل (الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) أي حتّى يدخل حبل السفينة في ثقب الإبرة ، وهذا مثل يُضرَب في المستحيلات ، والمعنى لا يدخلون الجنّة أبداً ، فالجمل هو حبل السفينة وجمعه جمالات ، وسمّ الخياط هو ثقب الإبرة، والشاهد على ذلك قول الفرزدق :
فَنَفَّسْتُ عَـنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَـا وَقُلْتُ لَهُ لا تَخْشَ شَـيْئًا وَرَائِيـَا
يُريد بسمّيهِ ثقبَي أنفهِ ، فالسمّ معناهُ الثقب ، والخياط هي الإبرة (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل هذا نجزي المجرمين أيضاً . فالأرواح تصعد إلى السماء : فالمؤمنون تفتح لهم أبواب السماء ويدخلون الجنّة والكافرون يبقون في الفضاء معذّبين حول الشمس .
41 - (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ ) أي لهم فِراش من جمرها وحصبائها (وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ) جمع غاشية ، وهي العذاب من دخانها ولهبها والسوائل الّتي تغلي تغشاهم فلا يرَون شيئاً غيرها ، ومن ذلك قولهُ تعالى في سورة العنكبوت {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } أي يغمرهم العذاب ويُغطّيهم ، وقال جرير :
لَقَدْ لاحَ وَسْمٌ مِنْ غَوَاشٍ كَأنَّها الثْ ==== ثُرَيَّا تَجَلَّتْ مِنْ غُيُومٍ نُجُومُهَا
يقول الشاعر لقد لاحت لي علامة واضحة كالثريّا من بين السحاب تبدو نجومها ، وهذه العلامة بدت من بين غيوم سوداء مُظلمة مُتراكمة لا يكاد الإنسان يرَى شيئاً في تلك الظُلمة ، فالغواشي أرادَ بها الشاعر الغيوم السوداء الْمُظلمة . والبيت كلّهُ تعبير عن أمرٍ كان مُبهماً عليهِ ثمّ اتّضحَ لهُ .
(وَكَذَلِكَ) أي كما جازينا هؤلاء بالعذاب كذلك (نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يأتون بعدهم .
42 - لَمّا بيّنَ سُبحانهُ ما أعدّهُ للمشركين في الآيات السابقة عقّبهُ ببيان ما أعدّهُ للمؤمنين فقال تعالى (وَالّذينَ آمَنُواْ ) باللهِ ورسولهِ (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) في الدنيا (لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا ) منهم (إِلاَّ وُسْعَهَا ) يعني إلاّ قدر طاقتها وتمكّنها (أُوْلَـئِكَ) المؤمنون (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
43 - (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) أي من حِقدٍ (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا ) إلى طريق الحقّ فوصلنا (لِهَـذَا) النعيم الّذي نحنُ فيهِ الآن (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ ) إلى طريق الحقّ (لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) إليهِ بفضلهِ وألطافهِ علينا (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) أي بدِين الحقّ وقول الحقّ حيث وجدنا ما وعدونا بهِ من الجنّةِ ونعيمها فكان كلامهم صِدقاً لا خلاف فيهِ (وَنُودُواْ) من الله (أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ) الّتي وعدناكم بها في الدنيا (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) من أعمال صالحة . وإنّما قال تعالى (أُورِثْتُمُوهَا) لأنّ مال الكافرين يكون إرثاً للمؤمنين ، وهو الأثيري منهُ لا المادّي . قال النبيّ (ع) : "من مات فقد قامت قيامتهُ ."
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما جرى من سؤال وجواب بين المؤمنين والكافرين فقال :
44 - (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ ) وذلك قبل دخولهم فيها قائلين لهم (أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا ) من الثواب (حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ ) من العقاب (حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ ) وجدنا كما أخبرتنا بهِ رُسُلُهُ (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ) أي بين المؤمنين والكافرين ، وهو نبيّهم ، قائلاً (أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
45 - (الّذينَ يَصُدُّونَ ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) يعني عن دينهِ وطريقهِ ويمنعونهم من اتِّباع رسولهِ (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) يعني غايتهم اعوجاج الحقيقة وإرجاعهم إلى عقائدهم الباطلة (وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ) أي مُنكرون للبعث والحساب .
46 - (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) يعني بين أهل الجنّة وأهل النار حجاب ، وهو سور يسمّى سور الأعراف ، وذلك قوله تعالى في سورة الحديد {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ } ، وكلّ مُرتَفَع من الأرض يُسمّى أعراف لأنّهُ يُعرّفك الطريق ،
ومن ذلك قول الشمّاخ :
وَظَلَّتْ بِأَعْرافٍ تُعالِي كَأَنّهَا رِماحٌ نَحَاهَا وِجهةَ الرُّمْحِ راكِزِ
وقال الآخر :
كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ كَالعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الأَعْرافِ
وقال جرير :
أَلا حَيِّيا الأَعرافَ مِن مَنبِتِ الغَضا وَحَيثُ حَبا حَوْلَ الصَريفِ الأَجارِعُ
(وَعَلَى الأَعْرَافِ ) أي وعلى ذلك السور المسمّى بسور الأعراف (رِجَالٌ) هُداة ، وهم الأنبياء والرُسُل (يَعْرِفُونَ كُلاًّ ) من المؤمنين والكافرين (بِسِيمَاهُمْ) أي بعلامات تبدو على وُجوههم (وَنَادَوْاْ) الرجالُ الّذينَ هم على الأعراف ، نادَوا (أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) الّذينَ لا يزالون في المحشر ، فقالوا لهم (أَنْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) وهذهِ بشارة لهم بأنّهم سلموا من جهنّم وسيدخلون الجنّة عن قريب . ثمّ أخبرَ سُبحانهُ بأنّ هذا السلام يكون لهم قبل دخول الجنّة فقال (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) في دخولها لِما رأوا من علائم الخير والبشارة لهم من الملائكة والسلام من الأنبياء .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |