كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
53 - ثمّ استنكر الله تعالى امتناع المشركين عن الإيمان بالبعث وبعالم النفوس مع كثرة الأدلّة والبراهين على وجود الأرواح فقال (هَلْ يَنظُرُونَ ) أي هل ينتظرون (إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ) يعني إلاّ كشف حقيقة البعث وعالم النفوس فحينئذٍ يؤمنون حيث لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت . فالتأويل هو إظهار الحقيقة وكشف ما التبس علمُه على الإنسان ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة يوسف حاكياً عن الكهنة قولهم {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } ، يعني بكشفِ حقيقة الأحلام بعالمين ، وقال الأعشى :
اُؤَوِّلُ الحُكْمَ علَى وَجْهِهِ ليسَ قَضَائِي بِالهَوَى الجائِرِ
(يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) يعني يوم يأتيهم الموت تنكشف لهم عن الحقيقة فحينئذٍ (يَقُولُ الّذينَ نَسُوهُ ) أي الّذينَ انشغلوا بالدنيا فنسُوا الموت (مِن قَبْلُ ) يعني من قبل موتهم كانوا مشغولين بالدنيا ولَمّا ماتوا ورأوا ملائكة الموت بأبصارهم قالوا (قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) ولكن كذّبناهم وسخرنا منهم والآن عرفنا أنّهم على حقّ (فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا ) عند الله (أَوْ نُرَدُّ ) إلى الدنيا (فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) فقال اللهُ تعالى (قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ) لأنّهم أوقعوها في العذاب (وَضَلَّ عَنْهُم ) أي ضاعَ وذهبَ عنهم (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) أي ما كانوا يكذبون به على أنفسهم من قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله .
54 - ثمّ احتجّ سُبحانهُ على المشركين بمخلوقاتهِ فقال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض ، ثمّ بيّن المدّة الّتي خلق فيها هذه الأجرام فقال (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) من أيّام الآخرة ، وكلّ يوم مقابل ألفِ سنةٍ من سنيّنا ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الحـجّ {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } . (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) لقد بيّنتُ في كتابي الكون والقرآن عن العرش و السماوات مُفصّلاً (يُغْشِي اللّيل النَّهَارَ ) أي يسترهُ ويُغطّيهِ بظلامهِ (يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) أي يدور حولهُ بسرعة ويُلاحِقهُ ، وذلك لأنّ الظلام يعمّ الفضاء ، والنور من الشمس ولولاها لم يكن نهار ، ولذلك قال تعالى يطلبهُ حثيثاً ، أي يَسري اللّيل خلف النهار ويُلاحقهُ أينما سار ، ومن ذلك قول الخنساء :
أعينيّ هلا تَبْكِيانِ علَى صَخْرٍ بِدَمْعٍ حَثيثٍ لا بَكيءٍ ولا نَزْرِ
وقالت أيضاً :
ولَوْ نادَيْتَهُ لأتاكَ يَسعَى حثيثَ الرّكضِ اوْ لأتاكَ يَجرِي
وقال علقمة يصف جوادهُ :
فأتبعَ أدبارَ الشِّياهِ بِصادِقٍ حَثِيثٍ كَغَيْثِ الرَّائِحِ الْمُتَحَلِّبِ
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ) أي جارياتٍ في أفلاكهنّ بتدبيرهِ (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ ) وليسَ لغيره شيءٌ منها ، والمعنى : هو خالق الخلق لم يُشاركهُ أحد في مخلوقاتهِ ولم يُساعده على خلقتها أحد ولم يُشاور في تكوينها أحداً ، بل خلقها بعلمهِ وكوّنها بقدرتهِ وأنشأها بتدبيرهِ (وَ) لهُ (الأَمْرُ) في إبقائها أو نقلها أو تدميرها لا مُعارضَ لهُ يفعلُ ما يشاء (تَبَارَكَ اللّهُ ) أي أكثرَ اللهُ من مخلوقاتهِ في الكون ، ذلك (رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ، فكلمة "تبارك" معناها تكاثرَ ، والبركة هي الكثرة ، وهذه صِفة لأفعالهِ تعالى وليس صِفة لذاتِهِ ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة ق {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا } ، يعني مكثِّراً للزرع .
55 - (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) أي مُتضرّعين جهراً ومُتذلّلين سرّاً (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) بالدُّعاءِ على الناس بالشرّ .
56 - (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ) بالاعتداء على الناس بإتلاف زرعهم أو قطع أشجارهم أو إضرارهم بشيء آخر (بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) بالزرع وكثرة الأشجار والأنهار (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي ادعوهُ في حالة الخوف من عدوٍّ أو من وحش إو غير ذلك ، وفي حالة الطمع بإنزال المطر أو بإدرار الرزق أو طلب الولد أو المال أو غير ذلك ، ولا تدعوا على الناس بإهلاكهم وإضرارهم (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ ) منالُها (مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) الّذينَ يُحسنون إلى الناس وخاصّةً إلى المساكين والضُعفاء ، وبعيدة رحمتهُ من الظالمين .
57 - (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ) الطيّبة اللّينة (بُشْرًا) بالمطر ، أي مُبشّرات بنزول المطر ، جمع بشيرة بُشر ، على وزن حُمرة وجمعها حُمرٌ ، وخضرة وجمعها خُضرٌ (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) أي مُبشّرات قبل نزول رحمتهِ ، ورحمتهُ المطر (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ ) أي حملت الرياح (سَحَابًا ثِقَالاً ) بالماء (سُقْنَاهُ) أي سُقنا السحاب بالرياح (لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ) أي مُجدِب ليس فيهِ زرع ولا نبات (فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ ) يعني فأنزلنا بالرياح الماء ، أي بسببها (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ) أي بالماء (مِن كُلِّ ) أنواع (الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى ) من قبورهم بعد أن تتشقّق الأرض عنهم يوم القيامة كما تنشقّ الأرض لخروج النبات منها بعد نزول المطر ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة ق {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } ، وكذلك الشاهد على انشقاق الأرض في الإنبات قوله تعالى في سورة عبس {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا } ، والمقصود من ذلك خروج الأرواح من القبور وليس الأجساد وذلك لقوله تعالى (نُخْرِجُ الْموْتَى ) وليس "نحيي الموتى" ، والشاهد الآخر قوله تعالى في سورة ي س {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } .
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وأصلها تتذكّرون ، فحُذِفت إحدى التاءين لتسهيل الكلام ، والمعنى : لكي تتّعِظوا ، وقد ضرب الله مثَلاً بهذهِ الآية لمنكري البعث بإنزال المطر على الأرض الميتة المجدِبة كيف أحياها بالمطر فأصبحت خضراء ذات ثمر تُبهج الناظرين وتُفرح الزارعين ، فالّذي لهُ هذه القُدرة بأن أخرج الثمر من الطين أليس هو قادراً أن يُحييَ الموتَى كما أحيَى النبات ؟
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |