كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
48 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنَّ شيطاناً من الإنس زيَّنَ لهؤلاء اليهود أفعالهم القبيحة ونقضهم للعهد وقال لهم إنْ تعرّضَ لكم محمّد بسوءٍ فأنا اُساعدكم وأنصركم فلا تخافوهُ ، ولَمّا وقع القتال بين اليهود والمسلمين نكصَ على عقبيهِ ، أي خان العهد معهم وتراجع عن قوله وما وعدهم به من مُساعدة وقال إني أرى ما لا ترونَ ، وذلك قوله تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ) أي لبني النضير (الشَّيْطَانُ) هو عبدُ الله بن اُبي رئيس المنافقين (أَعْمَالَهُمْ) الباطلة ونقضهم للعهد الّذي عاهدوا النبيّ بهِ (وَقَالَ) لهم (لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ) لأنكم أقوياء وأثرياء وكثيرو العدد والعُدّة فلا يتمكّن محمّد من أن يُقاتلكم (وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ) لأنّي مُقيمٌ في مدينة يثرب وأنتم خارجها فمتى أراد محمّد أن يقاتلكم فأنا اُرسل أصحابي لنجدتكم وهم ثلاثمائة رجُل (فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ ) واشتبك القتال بين اليهود والمسلمين وطلبت اليهود منه النجدة (نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي لم يفِ بما وعدهم من المساعدة والنجدة ، ومن ذلك قول الأعشى مُعتذراً :
أعَلْقَمُ قَدْ صَيَّرَتْنِي الاُمورُ إليكَ وما كانَ لِي مَنْكَصُ
(وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى ) في محمّد وأصحابهِ (مَا لاَ تَرَوْنَ ) من الشجاعة والبسالة والنصر من الله (إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن عصاهُ . فكان هذا القول عُذراً منه لهم ولكنَّهُ مُنافقٌ خدّاع .
وممّا يؤيّد هذا قول الله تعالى في سورة الحشر في قِصَّة بني النضير {أَلَمْ تَر إِلَى الّذينَ نَافَقُوا } يعني عبد الله بن اُبيّ وجماعتهُ {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ } في النفاق {الّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يعني يهود بني النضير {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } يعني نخرج لمساعدتكم {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ } أي في ترك مُساعدتكم {أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } يعني لئن قاتلكم محمّد لننصرنّكم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.
49 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذم المنافقين واليهود فقال (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) وهو مرضٌ نفسي ، يعني بهم اليهود (غَرَّ هَـؤُلاء ) المسلمين (دِينُهُمْ) أي غرَّهم دينهم حتّى أنَّهم يُريدون أن يُقاتِلوا بني النضير . وذلك أنَّ رجُلاً من بني النضير قال لجماعة من المسلمين : "أغرّكم أن أصبتم نفراً من قُريش يوم بدر لا عِلمَ لهم بالقتال؟" فردَّ الله عليهم فقال تعالى : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينصر المؤمنين وإن قلَّ عددهم فلا يغلبه أحد (حَكِيمٌ) في أفعالهِ .
50 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حال من مات من المنافقين واليهود الكافرين فقال (وَلَوْ تَرَى ) حالهم يا محمّد (إِذْ يَتَوَفَّى الّذينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ ) يعني حين كانت الملائكة تقبض نفوسهم من أجسامهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) أي الُمحرق لكلِّ مادّة .
51 - ثمّ خاطب الأحياء منهم فقال تعالى (ذَلِكَ) العذاب المحرِق الّذي ذاقهُ مَن مات منكم مُعَدٌّ لكم أيضاً (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) من ظُلمٍ وكفرٍ ونفاق (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .
52 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذم اليهود بسبب تكذيبهم بالقرآن فقال (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) يعني دأبهم في التكذيب لآيات الله كدأبِ آل فرعون ، و"الدأب" هوَ العادة المستمرّة (وَالّذينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ ) فكذلك اليهود المعاصرون لك كفروا بآيات الله وجحدوها (فَأَخَذَهُمُ اللّهُ ) بالعذاب وأغرقهم في البحر الأحمر (بِذُنُوبِهِمْ) أي بسبب ذنوبهم الّتي استحقُّوا عليها العذاب (إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ ) في المؤاخذة (شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن يكفر بآياتهِ .
53 - (ذَلِكَ) العذاب لهم (بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) من صلاحٍ إلى فساد ، وكذلك بنو النضير لم يكن الله ليُخرجهم من ديارهم ويذلّهم لو لم يكفروا بآيات الله الّتي نزلت على محمّد ثمّ نقضهم لِما عاهدوهُ فخانوا العهد وحالفوا قريشاً على قِتالهِ (وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لِما حالفوا بهِ قُريشاً (عَلِيمٌ) بنواياهم الباطلة .
54 - دأبهم في نقض العهود (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) مع موسى فكلَّما عاهدوهُ بأن يُرسلوا معه بني إسرائيل إذا زال العذاب عنهم نقضوهُ ولم يُطلقوا بني إسرائيل من استعبادهم (وَالّذينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ ) الّتي جاءت بها رُسُلُهُ (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ ) في البحر (وَكُلٌّ) مِمَّن كَذّب الرُسُل (كَانُواْ ظَالِمِينَ ) .
55 - ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ) على الأرض (عِندَ اللّهِ ) اليهود (الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بك ولا بالقرآن بسبب حسَدهم وعنادهم .
56 - (الّذينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ) أي من اليهود على الصُّلح ونبذ القتال وأن لا يُعينوا على قتاله أحداً من المشركين ، وهم بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قُريظة (ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ ) معك يا محمّد (فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ) عاقبة نقض العهد وما يقع بعدهُ من خراب وتدمير وقتل .
57 - ثمّ خاطب الله رسوله فقال تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ) يعني إن ظفرتَ بهم وأدركتهم في الحرب (فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ) يعني فنكّل بهم واضربهم مِنْ خلفهم إذا انهزموا أمامك (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي لعلّهم يتعِظون ولا يخونون بعد ذلك .
58 - (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ) تبدو آثارها عليهم (فَانبِذْ إِلَيْهِمْ ) العهد (عَلَى سَوَاء ) منك ومنهم ، يعني أعلمهم بأنّك تركتَ العهد الّذي بينك وبينهم لأنّهم يُريدون نقضهُ ، ولا تبدأهم بالقتال قبل أن تُعلمهم بترك العهد والشروط الّتي بينك وبينهم لئلّا ينسبوك إلى الخيانة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) سواءً يهوداً كانوا أو مسلمين .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |