كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
9 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ يُذكّرهم بتتابع نعمائه عليهم فقال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ) يوم بدر ، يعني تطلبون منه المساعدة (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) دعاءكم بإنزالهِ الملائكة وقال (أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ ) لنُصرتكم (مُرْدِفِينَ) أي متبوعين بآلاف غيرهم .
10 - (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ ) يعني الخبر الّذي أخبرَ به رسوله عن إنزال الملائكة لنُصرتهم (إِلاَّ بُشْرَى ) لكم (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في ملكه يفعلُ ما يشاء (حَكِيمٌ) في أفعاله .
11 - (ِ إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ ) يعني ألقَى في قلوبكم الإطمئنان والأمان حتّى أخذكم النُعاس ليلاً فنام بعضكم ، لأنَّ الخائف لا ينام (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاءً ) يعني المطر (لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ ) من الأوساخ والتغوّط والجنابة (وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) "الرِّجز" هو العذاب ، والشيطان يريد بهِ أبا سفيان ، وذلك لأنَّ المسلمين نزلوا بأرضٍ ذات رمال ، والمشركين نزلوا بأرضٍ صالحة حُرّة ، فلمّا صار اللّيل أرادَ أبو سفيان أن يهجم بجيشهِ على المسلمين غفلةً ويقتلهم ويأسر الباقين لأنهم قليلون ، فأنزل الله المطر فصارت أرض المشركين وحلة ينزلق الماشي عليها فاستثنى أبو سفيان عن رأيهِ ، أمّا أرض المسلمين فرسخت بالمطر وثبتت أقدام الماشين عليها لأنّها رمال ، فهذا معنى قوله تعالى (وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) يعني كيد أبي سفيان وعذابه ، لأنَّ العرب تسمّي الرجل الدّجال المكّار شيطان ، ومن ذلك قول عنترة :
كم يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أرْجُو أُقارِبُهُ عنِّي ويَبْعَثُ شَيْطاناً أحارِبُهُ
(وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) يعني ولتطمئنّ قلوبكم بالنصر بما استجابَ لكم من إنزال الغيث الّذي طلبتموهُ من الله ليكون علامة لكم على النصر فتعتقدون بأنَّ الّذي استجاب لكم بالغيث كذلك يستجيب لكم بالنصر (وَيُثَبِّتَ بِهِ ) أي بالمطر (الأَقْدَامَ) إذا مشيتم على الأرض .
12 - ثمّ وجّه الخطاب للنبيّ فقال تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ ) الّذينَ نزلوا لنُصرة المؤمنين (أَنِّي مَعَكُمْ ) بالمساعدة (فَثَبِّتُواْ الّذينَ آمَنُواْ ) على القتال بالإيحاء إليهم وتشجعيهم وتقوية قلوبهم (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ ) ليخافوا وينهزموا (فَاضْرِبُواْ) أيها المؤمنون (فَوْقَ الأَعْنَاقِ ) يعني اضربوا أعناق الكافرين (وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) أي كلّ مفصل من أطرافهم وأعضائهم يُمكنكم ضربهُ ، ومن ذلك قول مالك :
حَمَيْتُ جَمِيعَها بِالسَّيْفِ صَلْتاً ولم تَرْعَشْ يَدَايَ ولا بَنَانِي
أراد الشاعر ولا مفاصلي . وقال حسّان بن ثابت :
الضَّارِبُونَ الكَبْشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ضَرباً يَطيحُ لهُ بَنانُ الْمَفْصِلِ
13 - (ذَلِكَ) القتل والخزي لهم (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنّهم (شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) أي خالفوا الله ورسوله (وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .
14 - (ذَلِكُمْ) العقاب (فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ) مثلكم (عَذَابَ النَّارِ ) في الآخرة .
15 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الّذينَ كَفَرُواْ ) في ساحة القتال (زَحْفاً) عليكم ، يعني هاجمين عليكم ، ومن ذلك قول عنترة :
وخيْلٍ قد زَحَفْتُ لها بِخَيْلٍ عليها الأُسْدُ تهْتَصِرُ اهْتِصَارَا
(فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ) أي فلا تُعطوهم أقفيتكم ، والمعنى : فلا تنهزموا أمامهم بل اثبتوا كي تنتصروا عليهم .
16 - (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ ) أي يوم القتال (دُبُرَهُ) فقد باءَ بغضبٍ من الله (إِلاَّ) أن يكونَ (مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ ) يعني إلاّ أن تكون له حِرفة أو فنّ في القتال فينحرفَ لغايةٍ في الحرب أو خديعة يخدع بها الكافرين (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ) من أصحابهِ ، يعني أو يريد أن ينحازَ إلى جماعتهِ فيلتحق بهم فلا بأسَ عليه ، فإن لم يكن إدبارهُ لسببٍ من هذه الأسباب (فَقَدْ بَاءَ ) أي رجعَ (بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ) في الآخرة يأوي إليها (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مصيرهُ .
17 - (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) أيها المسلمون (وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ ) يعني أرادَ قتلهم فنصركم عليهم (وَمَا رَمَيْتَ ) يا محمّد (إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ) يعني بإرادتهِ ونصره كان ذلك . فإنَّ النبيّ (ع) أخذَ كفّاً من الرمل والحصَى ورماهُ في وُجوه المشركين وقال شاهت الوجوه ذُلّاً . فألقى الله الرُعبَ في قلوب المشركين فانهزموا أمام المسلمين (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً ) أي ليختبرهم بما عاملهم من إحسان بأن نصرهم على أعدائهم ليرى هل يشكرون الله على هذا الإحسان أم يكفرون (إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لدُعائهم (عَلِيمٌ) بأحوالهم .
18 - (ذَلِكُمْ) النصر لكم من الله (وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ) أي مُبطل كيدهم وفاشي أسرارهم للمؤمنين .
19 - وبعد وقعة اُحُد نزلت هذه الآية (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ ) والمعنى : إن تسألوا عن النصر والظفَر من الله على أعدائكم فقد جاءكم النصر يوم بدر ، لأنّكم أطعتم نبيّكم فانتصرتم . أمّا يوم اُحُد فكان سبب الهزيمة من أنفسكم لأنكم خالفتم أمر نبيّكم فتركتم أماكنكم وذهبتم وراء الغنيمة (وَإِن تَنتَهُواْ ) عن معصية الرسول في المستقبل وتمتثلوا أوامره (فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من العمل بهوى أنفسكم لأنَّ العاقبة تكون الهزيمة كما في يوم اُحُد (وَإِن تَعُودُواْ ) لمثلها فتتركوا أماكنكم (نَعُدْ) لخذلانكم ونخلّي بينكم وبين أعدائكم (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ ) حينئذٍ (فِئَتُكُمْ) أي جماعتكم (شَيْئًا) من النصر (وَلَوْ كَثُرَتْ ) في العَدَد والعُدّة ، لأنَّ اختلاف الآراء والعمل بها يُسبّب الفشل (وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) بالنُصرة ، يعني إنّ الله مع الّذينَ يؤمنون بأنَّ الله ينصرهم فيثبتون لقتال أعدائهم .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |