كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
113 - قال بعض المسلمين للنبيّ (ع) : " ألا تستغفر لآبائنا الّذينَ ماتوا في الجاهليّة؟ " فنزل قوله تعالى (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِلنَّبِيِّ وَالّذينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ) يعني ولو كانوا من أقرب الناس إليهم (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ) إشراكهم و (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) . فلَمّا نزلت هذه الآية قالوا : "إذاً كيف استغفرَ إبراهيم لأبيهِ وهو مُشرك؟ " فنزل قوله تعالى :
114 - (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) أي وعدها أبوهُ بها ، وهي قوله [كما] في سورة مريم {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } أي اتركني مدّةً من الزمن كي اُفكّر في ذلك وأرى صِحّة قولك من عدمهِ ، ولَمّا وعدهُ بذلك ظنَّ إبراهيم أنَّ أباهُ سيهتدي إلى طريق الحقّ إذا فكّرَ فيما دعاهُ إليه فقال لهُ {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } ، ثمَّ قال تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) يعني لإبراهيم (أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ ) لأنَّهُ لم يؤمن ولم يترك عبادة الأصنام (تَبَرَّأَ مِنْهُ ) أي تبرّأ من أبيهِ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ ) أي كثير التأوّه على أبيهِ وقومهِ ، والمعنى : كثير التأسّف عليهم إذ لم يتركوا عبادة الأصنام ولم يسمعوا لقولهِ (حَلِيمٌ) في الاُمور لا يعجل .
115 - (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ) عن طريق الحقّ (بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ) إليهِ كإبراهيم وغيره (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) يعني لا يحكم الله بإضلال أحد من المؤمنين حتّى يُبيّن لهُ ما يجب عليه أن يتجنّبهُ فإذا عصَى أمر الله ولم يتجنّب المحرّمات فحينئذٍ يحكم عليه بأنَّهُ ضالّ ، والمعنى : إنَّ إبراهيم لم يكن يعلم بأنَّ الاستغفار للمشركين لا يجوز ولَمّا بيّنا له ذلك تبرّأ من أبيهِ ، وذلك قوله تعالى {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } ، (إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
116 - (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي له مُلك الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (يُحْيِـي) فيهنَّ ما يشاء (وَيُمِيتُ) فيهنَّ من الأحياء ما يشاء (وَمَا لَكُم ) أيُّها الناس (مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمركم وشؤونكم (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصركم على أعدائكم غير الله .
117 - (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) عن تباطئهم في الخروج (الّذينَ اتَّبَعُوهُ ) في الخروج إلى تبوك (فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) أي في الوقت العسِر حيث كان الوقت شديد الحرِّ ولم يكن لهم من زادٍ يكفيهم ولا من دواب لركوبها إلاّ القليل ، ثمَّ أصابهم العطش فسأل النبيّ من الله أن يُنزّل عليهم الغيث فأمطرت السماء عليهم فشربوا وأرووا قِرَبهم (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ) عن الجهاد فهمّوا بالانصراف من غزوتهم من غير إذنٍ فثبّتهم الله بالمطر ومضَوا مع النبيّ (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ) من بعد ذلك (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
118 - (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الّذينَ خُلِّفُواْ ) عن غزوة تبوك ، يعني تاب عليهم وهم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن اُميّة ، وذلك أنَّهم تخلّفوا عن رسول الله ولم يخرجوا معه وكان تخلّفهم عن توانٍ لا عن نفاق ثم ندموا ، فلَمّا قدِمَ النبيّ المدينة جاؤوا إليهِ يعتذرون فلم يُكلّمهم النبيّ وأمرَ المسلمين بأن لا يُكلّموهم ، فهجرهم الناس حتّى الصبيان فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى الجبال وبقوا خمسين يوماً يتضرّعون إلى الله ويتوبون إليهِ فقَبِلَ توبتهم ، وذلك قوله تعالى (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ) أي ضاقت عليهم مع سِعتها (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ) فخرجوا إلى الجبال (وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ) في المستقبل عن تكرار مثل ذلك (إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .
119 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ ) في التخلّف عن النبيّ (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) الّذينَ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فقاتِلوا المشركين في سبيله واخرجوا مع النبيّ في غزواتهِ .
120 - (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ ) عند خروجه إلى تبوك (وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ ) عن الحرِّ ومشقّة السفر (عَن نَّفْسِهِ ) بل يجب أن يواسوهُ ويُساعدوهُ ولا يتخلّفوا عنهُ (ذَلِكَ) النهي عن التخلّف (بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ) أي عطش (وَلاَ نَصَبٌ ) أي تعب (وَلاَ مَخْمَصَةٌ ) أي مجاعة (فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ ) يعني ولا يطؤون أرضاً أو بلداً يغيظ الكفّار وطؤهم لهُ (وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً ) يعني ولا يُصيبون من المشركين أمراً من قتلٍ أو جروحٍ أو مالٍ (إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) .
121 - (وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً ) في سبيل الله (صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ ) بالمسير (وَادِيًا) من الأوديةِ (إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ ) عملٌ صالح (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ ) في الآخرة (أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .
122 - لَمّا كثر عدد المسلمين صار النبيّ يبعث سرايا للجهاد فكان كلّ واحد من المسلمين يقول أنا أذهب مع السرايا للجهاد ، فنزل قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ ) للجهاد (كَآفَّةً) أي جميعاً (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ ) يعني من كلّ قبيلة جماعة يذهبون للقتال (لِّيَتَفَقَّهُواْ) الباقون (فِي الدِّينِ ) يعني ليتعلّم الباقون أحكام الدِين والقرآن ويتبصّروا بهِ (وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ ) من الجهاد ، يعني ليُنذروهم عن المحرّمات ويُبصّروهم بالواجبات (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) المحرّمات ويتجنّبونها .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |