كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
8 - (كَيْفَ) تواظبون على العهد مع من خان (وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ) أي يتسلّطوا عليكم (لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ ) أي عهداً ، وهو أن يقول "آليتُ على نفسي أن أفعل كذا" ، والشاهدُ على ذلك قولُ حسّان:
وَإكْرامُنا أَضْيافَنا وَوَفاؤُنا بِمَا كانَ مِنْ إلٍّ عَلَيْنا وَمَوْثِقِ
وقال الآخر:
وَجَدْنَاهُمْ كَاذِبًا إلُّهُمْ وَذُو الْإِلّ وَالْعَهْدِ لَا يَكْذِبُ
وقال الأعشى يمدح سلامة ذا فائش :
أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الْهُزالَ ولا يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ إلّا
والآلُ القرابة ، (وَلاَ ذِمَّةً ) الذِمَّة هي الوفاء بالدَّين ، والشاهد على ذلك قول طَرَفة :
أَبَرَّ وأَوْفَى ذِمًّةً يَعْقِدُونَها وخَيْراً إذا ساوَى الذُّرَى بالْحَوارِكِ
والمعنى : إنْ يستولِ عليكم المشركون لا يمنعْهم من قتلكم وتعذيبكم عهدٌ ولا وفاءٌ بدَيْنٍ (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ ) بلين الكلام وإظهار المحبّة لكم (وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ) إلاّ العداوة والغدر ونقض العهد (وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) لا أخلاقَ لهم .
9 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ قادة المشركين فقال (اشْتَرَوْاْ) أي استبدلوا (بِآيَاتِ اللّهِ ) أي بتكذيبها (ثَمَنًا قَلِيلاً ) وهو الرئاسة والأموال الّتي حصلوا عليها بسبب الرئاسة ، وهي قليلة بالنسبة للآخرة (فَصَدُّواْ) الناس (عَن سَبِيلِهِ ) أي عن دِين الله وطريقهِ الّذي يُوصل أتباعه إلى الجنّة (إِنَّهُمْ) ظالمون (سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) أي ساءت أعمالهم .
10 - (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ) سبق تفسيرها قبل آيتين (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ) على المؤمنين وعلى ضُعفاء الناس .
11 - (فَإِن تَابُواْ ) هؤلاء الرؤساء والقادة (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) يعني فهُمْ إخوانكم في الدين (وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يعني نُبيّنها على التفصيل في المستقبل ، وقد فصَّلتُها لكم .
12 - (وَإِن نَّكَثُواْ ) هؤلاء القادة (أَيْمَانَهُم) أي عهودهم وما حلفوا عليه (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ ) أي من بعدِ أن عقدوهُ (وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ ) أي عابوهُ وقدحوا فيهِ (فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) أي رؤساء المشركين وقادتهم ، ومنهم الحارث بن هشام وأبو سفيان بن حرب وعكرمة بن اُبيّ وغيرهم من رؤساء قريش (إِنَّهُمْ) مُشركون مُنافقون (لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ) أي لا يحفظون العهد واليمين (لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) عن أذاكم والطعن في دينكم إذا قاتلتموهم .
13 - (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ ) أي نكثوا عهودهم معكم (وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ) من بيتهِ ليقتلوهُ (وَهُم بَدَؤُوكُمْ ) بالقتل (أَوَّلَ مَرَّةٍ ) فكان أوّل من قَتلُوهُ من المسلمين ياسر وزوجتهُ سُميّة وذلك في مكّة قبل أن يهاجر المسلمون إلى المدينة (أَتَخْشَوْنَهُمْ) لأنَّهم رؤساء وقادة (فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) حقّاً .
14 - (قَاتِلُوهُمْ) أي قاتلوا المشركين (يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ) بالضرب والطعن والقتل (وَيُخْزِهِمْ) بالأسر (وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ) في الحرب (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ) .
15 - (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) أي غيظ المؤمنين بقتل الكافرين الّذينَ قتلوا إخوانهم المؤمنين (وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء ) استشهاده من المؤمنين ، فالتوبة هنا كناية عن الشهادة وهي بشارة بدخول الجنّة162 (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بمن تشملهُ الشهادة (حَكِيمٌ) في أفعالهِ إذ أوصاكم بقتال المشركين .
16 - (أَمْ حَسِبْتُمْ ) وهنا تقدير محذوف وهو : أظننتم أن تثابوا بلا عمل أم حسبتم أن تدخلوا الجنّةَ بلا جهاد (أَن تُتْرَكُواْ ) قاعدين في دياركم (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ ) يُثيبهم ويُدخلهم الجنّة (وَ) الّذينَ (لَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) يَلِجُونَ معهم في حِزبهم ومحبّتهم ، والمعنى : الّذينَ لا يتّخذون أخلّاء وأصدقاء وأحبّاء يتداخلون معهم غير رسول الله ومن آمن بهِ فأولائك يُثابون ويدخلون الجنّة . فكلمة (وَلَجَ) معناها دخلَ ، ومن ذلك قوله تعالى {يُولِجُ اللّيل فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللّيل } ، والوليجة هي الجماعة الّتي يتداخل معهم ويواددهم (وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) . ونظير هذه الآية في سورة آل عمران {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }.
17 - ثمّ أمرَ الله المسلمين أن يمنعوا المشركين من القيام بالمسجد الحرام وأداء شعائرهم الدينيَّة فيه ، فقال تعالى (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ) عمارة المساجد تكون باجتماع الناس فيها للعبادة وإقامة الشعائر الدينيَّة كالصلاة والدُعاء والتسبيح وقراءة القرآن (شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) أي شَهِدَتْ عليهم جماعة منهم بأنَّهم كافرون ولكن لم يسمعوا لقولهم ولم يعملوا بأمرهم ، وهم نفرٌ من قريش كانوا قبل النبيّ ومنعوهم من عبادة الأصنام وصرّحوا لهم بأنَّهم كافرون ، وأخيراً شَهِدَ عليهم محمّد وهو قُرَشي من أنفسهم (أُوْلَئِكَ) الكافرون (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) أي ذهبت أدراج الرياح لم يؤجَروا عليها بل يُعاقَبون (وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) يوم القيامة .
------------------------------------162 :فمن قُتِلَ شهيداً يتوب الله عليه ويمحو سيّئاتهِ . والدّليل على ذلك في قِصّة بني إسرائيل الّذينَ عبدوا العجل ، قال الله تعالى على لسان موسى {فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } ، فلَمّا قُتِلوا تابَ الله عليهم .![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |