كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 - (الْحَمْدُ لِلَّهِ ) يعني إحمدوا الله حيث بعث فيكم رسولاً فهداكم إلى طريق الحقّ (الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ) محمّد (الْكِتَابَ) يعني القرآن (وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ ) أي لعبده محمّد (عِوَجَا) أي تكاليف ومشقّات ، والمعنى : لم يجعل فيما أنزلهُ عليه في الكتاب أحكاماً شاقّة لا تطيقون القيام بها . وممّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } . ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وصف عبده محمّد فقال : 2 - (قَيِّمًا) يعني هو قيَمٌ عليكم يُريد نفعكم وحُسن عاقبتكم كالقيّم على الأيتام الّذي يُحافظهم ويُراقبهم ويتولّى شؤونهم ويعمل لمصالحهم . فالقيّم هو الوكيل على الأيتام والأرامل أو على شيء آخر يقوم بحراستهِ ويعمل لأجلهِ ، ومن ذلك قول الشاعر :
يا قَيِّمَ الماءِ فَدَتْكَ نَفْسِي عَجِّلْ جَوازِي وأَقِلَّ حَبْسِي
واذْكُرْ مَقامِي بِالرَّحِيلِ أَمْسِ ورُدَّنِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وقال الأعشى :
قَدْ آبَ جارَتَها الْحَسْناءَ قَيِّمُها رَكْضاً وآبَ إليها الثُّكْلُ والتَّلَفُ
(لِّيُنذِرَ) الكافرين (بَأْسًا) أي عذاباً (شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ ) أي من عند الله (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الّذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ ) في الآخرة (أَجْرًا حَسَنًا ) وهو نعيم الجنّة .
3 - (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ) أي باقين فيه إلى الأبد .
4 - (وَيُنذِرَ) المشركين (الّذينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) وهم النصارى قالوا المسيح إبن الله ، وكذلك العرب قالوا الملائكة بنات الله .
5 - (مَّا لَهُم بِهِ ) أي بهذا القول (مِنْ عِلْمٍ ) حقيقي (وَلَا لِآبَائِهِمْ ) بل يسيرون على التقليد وينعقون مع كلّ ناعق (كَبُرَتْ) أي عظمت عند الله (كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) وهي قولهم (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) ، (إِن يَقُولُونَ ) أي ما يقولون (إِلَّا كَذِبًا ) لا صِحّة لهُ .
6 - (فَلَعَلَّكَ) يا محمّد (بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ) أي مُهلِكٌ نفسك تأسّفاً عليهم ، والشاهد على ذلك قول ذي الرمّة :
ألاَ أَيُّهَذَا البَاخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ لِشَيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيهِ المَقَادِرُ
(عَلَى آثَارِهِمْ ) يعني على تقديسهم للآثار الّتي خلّفتها لهم آباؤهم وعبادتهم لها ، ولأنّهم لم يسمعوا لقولك ولم يتركوا عبادتها . والآثار هي الأصنام أصبحت آثاراً للماضين (إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) يعني لا تحزن عليهم ولا تأسف لجهلهم وأعمالهم هذه فإنّ الله قادر على هدايتهم ولكن يهدي من كان مُهيئاً للهداية بحُسن أخلاقه وبعطفهِ على الفقراء والمساكين .
7 - (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ ) من نبات وحيوان وإنسان (زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ ) أي لنختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) كي نُجازي في الآخرة المحسِن على عملهِ ونعاقب المسِيء على إساءتهِ .
8 - (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا ) أي ما على الأرض (صَعِيدًا جُرُزًا ) يعني نميتهم كلّهم فلا يبقَى عليها نبات ولا حيوان ولا إنسان ، فالصعيد هو الأرض القاحلة الّتي لا نبتَ فيها ، ومن ذلك قول عنترة :
وطَرَحْتُهُمْ فَوْقَ الصَّعِيدِ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ في حَضِيضِ الْمَحْجرِ
9 - (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) .
كان كهف في الأردن قرب قرية تُسمّى قرية الرجيب ، تبعد عن عمّان مسافة ساعة على الأقدام ، وكان قرب الكهف مقبرة ، أمّا "الرقيم" فهو حجر كبير كان قرب الكهف يكتبون عليه تاريخ موتاهم . وأصحاب الكهف الّذينَ جاء ذكرهم في هذه السورة ثمانية رجال موحِّدين لجأوا إلى الكهف هارِبين من ملِك وثني من ملوك الرومان إسمهُ داقيوس181 (في القرن الثالث) كان يأمر الناس بعبادة الأوثان فمن أبى قتلهُ ، وكانت حادثتهم بعد المسيح بمائتين وأربعين سنة على التقريب ، راجع كتاب (إكتشاف كهف أهل الكهف) للاُستاذ رفيق وفا الدجاني.
10 - (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) فأخبروا الملِك عنهم فجاء يطلبهم فوجدهم نائمين داخل الكهف فقال لأصحابهِ إبنوا عليهم باب الكهف واتركوهم ليموتوا جوعاً وعطشاً . فبنَوا عليهم باب الكهف بالحجارة وسدّوهُ سدّاً محكماً وانصرفوا عنهم .
11 - (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ) والمعنى : سُدّتْ باب الكهف عليهم وناموا فلم يسمعوا بعدها صوتاً ولا حديثاً . والمعدود عند العرب ماكان تحت الثلاثين ، وإذا زادت النقود عن الثلاثين يزنونها وزناً ، لأنّ فيها الخفيف والثقيل وكانت دراهمهم من الفضّة ، وقد أشار القرآن إلى ذلك فقال الله تعالى في قصّة يوسف {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، وكانت عشرين درهماً ، وقال تعالى [في سورة البقرة ] في صيام شهر رمضان {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ } ، بينما ذكرها في آية [في سورة البقرة أيضاً ] فقال {شَهْرُ رَمَضَانَ } ، ففي آية قال شهر وفي آية اُخرى قال أيّاماً معدودات ، وذلك لأنّ الشهر القمري قد يكون 29 يوماً فلذلك قال أيّاماً معدودات ، فكان المعدود عند العرب كلّ شيء قليل ، ومن ذلك قول جرير يهجو رجلاً :
فما لكَ من نجدٍ حصاةٌ تعدُّها ومالكَ في غَوْرَيْ تُهامَةَ أبْطَحُ
فالآية تشير إلى أنّهم ناموا في الكهف أقلّ من ثلاثين سنة ، يعني بين العشرين والثلاثين ، وأنا اُرجّح العشرين ، والدليل على ذلك قوله تعالى في قصّة يوسف {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |