كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
118 - نزلت هذه الآية في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالاً من اليهود لِما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار قبل الإسلام (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ) أي لا تتّخذوا صداقة وخِلّة من غير أهل مِلّتكم تُفشون إليهم أسراركم . فالبِطانة هم خاصّة الرجُل ، ومن ذلك قول الشاعر :
أُولَئِكَ خُلْصَانِي نَعَمْ وَبِطَانَتِي وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ
ثمّ بيّن العلّة في المنع من مواصلتهم فقال تعالى (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ) أي لا يُقصّرون فيما يُؤدّي إلى فساد اُموركم وتشويش أفكاركم ، ومن ذلك قول زُهير :
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ === فلم يفعلوا ولم يُلِيمُوا ولم يَأْلُوا
أي ولم يُقصّروا في السعي ، وقال الأعشى :
فَكُلُّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ === نَاءٍ ودَانٍ وَمَخْبُولٌ وَمُخْتَبَلُ
فالمخبول من كان في تشويش من أفكاره واختلاف في آرائه ، والدليل على ذلك قوله "يهذي بصاحبِهِ" . وقال لبيد :
كُبَيْشَة ُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدِكَ عاقِلا وكانَتْ لهُ خَبْلاً على النّأيِ خابِلا
وعاقِل إسم جبل ، وقال جرير :
لَعَمرُكَ ما يَزيدُكَ قُربُ هِندٍ === إِذا ما زُرتَها إِلّا خَبالا
(وَدُّواْ) أي تمنّوا (مَا عَنِتُّمْ ) أي ما أصابكم من عَنَت ، يعني من انكسار ووهن يوم اُحُد ، وفرحوا بذلك (قَدْ بَدَتِ ) اي ظهرت وبانت (الْبَغْضَاءُ) لكم (مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ومعناهُ قد بانت إمارات العداوة لكم على ألسنتهم وفي فحوى أقوالهم وفلتات كلامهم (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ ) من البغضاء لكم (أَكْبَرُ) مِمّا يبدون بألسنتهم (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ) أي قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي يتميّز بِها الموالي من المعادي فاتركوا موالاتهم (إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) وتعرفون عاقبة ذلك .
119 - (هَاأَنتُمْ )134 أيّها المسلمون تُواصِلون (أُوْلاء) اليهود (تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ) أي بالكتُب السماويّة كلّها ولا يؤمنون بكتابكم (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا ) بدينكم وكتابكم (وَإِذَا خَلَوْاْ ) فيما بينهم (عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) أي عضّوا أطراف الأصابع من الغضب والحِقد لِما يرَون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ونُصرة الله لهم (قُلْ ) لهم يا محمّد (مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي عليمٌ بما يضمرونه في قلوبهم من النفاق والغيظ على المسلمين فيخبر بذلك رسوله .
120 - (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ) يعني إن يُصبْكم خيرٌ ورفاهية يحزنوا (وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ ) أي مِحنة (يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ ) على أذاهم (وَتَتَّقُواْ ) موالاتهم وتتركوهم (لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) لا يفوتهُ شيء من أعمالهم .
121 - ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ) معناهُ واذكر يا محمّد إذ خرجتَ من أهلك غدوةً ، يعني صباحاً من المدينة (تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ ) اي تهيّء وتُوطّن للمؤمنين أماكن (لِلْقِتَالِ) وذلك في وقعة اُحُد ، ومن ذلك قول الأعشى :
وما بوّأ الرحمانُ بيتَكَ في العُلا بأجيادِ شرقيِّ الصّفا والْمُحرّمِ
(وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأحوالكم .
122 - ( إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ ) وهما بنو سلمة وبنو حارثة (مِنكُمْ) أيّها المسلمون (أَن تَفْشَلاَ ) في النصر على الأعداء ، وذلك لاختلافهما في الآراء (وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا ) أي ناصرهما ومتولّي أمرهما (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) في جميع أحوالهم وهو ينصرهم على أعدائهم .
123 - (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ ) أيّها المسلمون (بِبَدْرٍ) وهو موقع بين مكّة والمدينة (وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ) بقلّة العدد والسلاح (فَاتَّقُواْ اللّهَ ) في الثبات مع رسوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) يعني إذا ثبتّم على الجهاد ينصركم على أعدائكم فتشكرون فضله عليكم .
124 - قال بعض أصحاب النبيّ : "يا رسول الله لو سألت الله أن ينزّل علينا ملائكة من السماء لنُصرتنا" ، فقال عليه السلام : " أيكفيكم أن يمدّكم بثلاثةآلاف؟ " قالوا : "بلى" . فنزلت هذهِ الآية (إِذْ تَقُولُ ) يا محمّد (لِلْمُؤْمِنِينَ) تَعِدهم تطميناً لقلوبِهم (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ) من السماء ؟
125 - (بَلَى) يعطيكم كما سألتم ويزيدكم (إِن تَصْبِرُواْ ) على الجهاد وعلى ما أمركم الله به فيجعلها خمسة آلاف بدل الثلاثة (وَتَتَّقُواْ) معاصي الله ومخالفة رسوله (وَيَأْتُوكُم) المشركون (مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا ) أي من وقتهم هذا ، أي يأتوكم على الفَور (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) بكسر الواو ، معناهُ مُعلِّمين أي يضعون علائم في وجوه الكافرين بعد موتِهم ليُعرَفوا بين الأرواح أنّ هؤلاء كافِرون ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى في سورة الرحمان {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ } ، وقال تعالى في سورة القلم {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }
وإنّ الملائكة التي أرسلها الله تعالى لنصرة النبيّ لم يقاتِلوا بالسيف ولا بالرمح ولم يَرَهم أحد من الناس ولكنّهم كانوا يشجِّعون المسلمين على القتال ويقوّون قلوبَهم ، ويخوِّفون المشركين ويوهنون عزمهم وذلك بالإيحاء ، وبذلك انتصر المسلمون وانهزم المشركون ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |