كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 12) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

12 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ قِسمة الميراث بين الزوجات والأزواج فقال (وَلَكُمْ) أيّها الأزواج (نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ) أي زوجاتكم من الميراث (إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ) لا ذكراً ولا اُنثى ولا إبن الولد ، لأنّ ابن الولد يكون حكمه حكم الولد أي يقوم مقام أبيه في الميراث ، فإن كانوا كثيرين فلهم حصّة أبيهم تُقسَم بينهم ، وتقدير الآية : إن لم يكن لهنّ ولد ولا والد ففي هذه الحالة يكون نصف الإرث لزوجها والنصف الباقي لأخيها ، أمّا إذا كان لها والد واحد وأخ واحد أي كان لها وارثان فلزوجها الثلث من الميراث ولأبيها ثلث ولأخيها ثلث ، وإذا كان لَها أب واُمّ وأخ في قيد الحياة فلزوجها الربع ولكلٍّ من هؤلاء الثلاثة ربع من الميراث ، ولا ينقص من ربع الزوج مهما زاد عدد الإخوة والأخوات

(فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ) من الميراث ونصف لابنها وربع لأبويها (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) قد مرّ تفسيرها (وَلَهُنَّ) أي ولزوجاتكم (الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) من الميراث (إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ) والباقي لأبوَيكم وإخوتكم وأخواتكم يُقسَم بينهم136، واحدةً كانت الزوجة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ليس لهنّ أكثر من ذلك (فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ ) ذكر أو اُنثى أو إبن الولد (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ) من الميراث ، سواء كانت الزوجة واحدة أو أكثر من ذلك (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا ) أيّها الأزواج (أَوْ دَيْنٍ ) يُوفّى عنكم . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حكم من مات وليس له ولد ولا والد بل له جدٌّ وجدّة فقال (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً ) مفردها "كليل" على وزن سلالة وسليل ، وهو العاجز عن العمل لكبر سنّه ، ومن ذلك قول الشاعر :

                                      وعينُ الرِّضا عن كلَّ عَيبٍ كَلِيلَة ٌ      وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا

وقال زياد بن زيد الغدري :
                                           ولم أرِثِ المجدَ التّليدَ كلالةً      ولمْ يأنِ منّي فترةٌ لِقريبِ

والمعنى : لم أرث المجد من أجدادي ولا نالني من أقربائي بل حصَلتُ عليه بسيفي . وقال عامر بن الطفيل :

                                         فما سَوّدَتْنِى عامِرٌ عن كَلالَةٍ      أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُو بِأُمٍّ ولا أَبِ

فالكلالة هنا يريد بِهم جدّ الميّت وجدّته ، والمعنى : إذا مات رجل وصار إرثه إلى كلالتهِ ، أي إلى جدّهِ وجدّتهِ لأنّهُ لا ولد لهُ فيرثه ولا والد (أَو امْرَأَةٌ ) ماتت وهي تورث كلالةً أيضاً (وَلَهُ) أي للميّت (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ) في قيد الحياة (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ) أي من الأخ والاُخت (السُّدُسُ) ولجدّهِ ثلث ولجدّته ثلث ، والمعنى : يُقسَم ما ترك من المال إلى ستّ حِصص فيكون لأخيهِ حِصّة ولاُختهِ حصّة ولجدّه حِصّتان ولجدّتهِ حصّتان ، فالمجموع يكون ستّ حصص ، وإنّما جعل الله تعالى حصّة الجدّ والجدّة أكثر من حصّة الأخ والاُخت لأنّهما عاجزان عن العمل لكبر سنّهما ، أمّا الأخ والاُخت فيمكنهما أن يكتسبا ويحصلا على قوتِهما137 (فَإِن كَانُوَاْ ) الإخوة (أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ ) في العدد (فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ ) الذي أصابَهم من الميراث ، والثلثان الباقيان للجدّ والجدّة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ ) أي غير موصين وصيّة تضرّ بالورثة ، يعني لا يوصي بماله لواحد من الورثة ويحرم الباقين من مالهِ ، أو يوقف ماله لبعض الأئمّة أو المشايخ ويترك أطفاله وأقاربه معوزين فهذا لا يجوز (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ ) يوصيكم بِها فلا تخالفوا أوامره (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بمصالح عباده (حَلِيمٌ) لا يعجل في الاُمور .

13 - (تِلْكَ) الأحكام التي بيّنّاها لكم فيما سبق من أمر اليتامَى والمواريث (حُدُودُ اللّهِ ) حدّها لكم بأن جعل لكلّ إنسان حدّاً في نصيبهِ من الميراث فلا يأخذ أكثر من نصيبهِ (وَمَن يُطِعِ اللّهَ ) في أوامره (وَرَسُولَهُ) في تعاليمهِ وإرشاداته (يُدْخِلْهُ) الله (جَنَّاتٍ) أثيريّة في السماوات العالية (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ) أي من تحت أشجارها (الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ ) الخلود هو (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

14 - (وَمَن يَعْصِ اللّه ) في أوامره (وَرَسُولَهُ) في تعاليمه وإرشاداته (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) بأن يأخذ من الميراث أكثر من نصيبهِ (يُدْخِلْهُ) الله (نَارًا خَالِدًا فِيها ) يوم القيامة (وَلَهُ) في عالم البرزخ (عَذَابٌ مُّهِينٌ ) أي فيه إهانة لهُ .

15 - (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ) يعني المتزوّجات إذا زنت إحداهنّ ، وكلمة "اللّاتي" جمع "الّتي" ، وكذلك "اللّواتي" ، ومن ذلك قول الشاعر :

                                        مِنَ اللَّوَاتي والّتِي واللّاتِي      زَعَمْنَ أنْ قدْ كَبَرَتْ لِدَاتِي

وقد تُحذف التاء من "اللاتي" فيقال "اللائي" ، ومن ذلك قول الشاعر :

                              مِنَ اللائِي لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبَةً      وَلَكِنْ لِيَقْتُلْنَ التَّقِيَّ الْمُغَفَّلا

(فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ ) أي من المسلمين ، والخطاب للقضاة (فَإِن شَهِدُواْ ) الشهود الأربعة بأنّها زنت أو اعترفت هي بلسانها أنّها زنت (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ) ولا تُعطوهنّ غذاءً ولا ماءً (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) بالمدّة المقرّرة (أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) للحياة بعد تلك المدّة فيُطلَق سراحها . فالمتزوّجة إذا زنت وثبت ذلك بأربعة شهود أو باعترافها ، فقبل كل شيء يُطلّقها زوجها وليس لها شيء من مهرها المعجّل ولا المؤجّل ، ثمّ تُسجن في بيت مخصوص لهذه الغاية ويدوم سجنها سبعة أيّام بلياليها ولا تُعطى غذاءً ولا ماءً لكي تموت جوعاً وعطشاً ، فإذا انتهت سبعة أيّام وسبع ليالٍ يُفتح باب البيت فإن وُجِدتْ ميّتة فقد ماتت بذنبها ، وإن وُجدت حيّة يُطلق سراحها ولكن لا تعود إلى زوجها الأوّل لأنّها تدنّست ، وإذا عاودت وزنت فحكمها القتل رجماً بالحجارة . والدليل على أنّ سجنها يكون سبعة أيّام هو الألف والواو من قوله تعالى (أَوْ- يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) فإذا حسبتَ الألف والواو بحساب الجُمل يكون الناتج سبعة ، والدليل الثاني قِصّة أبو لُبابة لَمّا خان وأشار إلى اليهود بالذّبح إن نزلوا على حكم سعد ، فقد لبث سبعة أيّام بلياليها لا يأكل ولا يشرب حتّى تابَ الله عليه . أمّا الغرفة الّتي تُسجَن فيها النساء اللّواتي ارتكبنَ الفاحشة فتُبنى داخل السجن وتكون مُحكمة البناء غرفة داخل غرفة ولا يكون فيها أكثر من نافذة واحدة لدخول الهواء فيها ، وذلك لئلاّ يتمكّن أحد أن يرمي لَها طعاماً أو شراباً ، ويجب أن يُقام عليها حارس لهذه الغاية ، وعلى القاضي أن يزيد في عذاب الزاني المتزوّج ، ويقلّل من عذاب الزاني الأعزب ، ثمّ يجعل فرقاً بين من يزني بامرأة زانية ومن يزني بامرأة عفيفة أو متزوّجة ، فيزيد في عذابه إن زنا بامرأة ذات زوج ، وسنشرح في المستقبل حكم كلّ واحد منهم بالتفصيل إن شاء الله .

------------------------------------

136 :الأبوان بالتساوي ، والإخوة والأخوات للذكَر منهم مِثل حظّ الاُنثيَين .

137 :فإن كان أخ واحد للميّت وليس معه اُخت فله الثلث ولجدّهِ ثلث ولجدّته ثلث ، وكذلك لو كانت اُخت واحدة للميّت وليس معها أخ لكلّ واحد منهم ثلث .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم