كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 145) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

145 - (وَمَا كَانَ ) الموت قادماً (لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ) فلماذا تخافون من القتال وتنهزمون من الأعداء (كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) يعني كتب الله لكلّ إنسان أجَلاً ووقتاً لحياته ووقتاً لموته لا يتقدّم ولا يتأخّر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي ومن يُقاتل لأجل الغنيمة نؤتهِ من الغنيمة وليس له في الآخرة من أجر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي نُعطِهِ من الغنيمة أيضاً وأجرهُ عند الله في الآخرة ، وذلك قوله تعالى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) على أعمالهم في الآخرة . لأنّ الشكر نوعان نوع باللسان ونوع بالأعمال . ونظير هذه الآية في سورة الشورى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } .

146 - (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ ) أي وكم من نبيٍّ مِمّن كان قبلكم ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                وكأيٍّ دفعُنا عنكم مِنْ مُلِمّةٍ      وكُربةِ مَوتٍ قدْ بَتَتْنا عِقالَها

(قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ) أي قاتلوا الأعداء مع نبيّهم ، والربيّون هم المعلّمون الّذينَ يربّون الأولاد وُيعلّمونهم أمور دينهم ، والكلمة مشتقّة من التربية ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } (فَمَا وَهَنُواْ ) أي فما جبُنوا (لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) من الأذى والجراح والقتل (وَمَا ضَعُفُواْ ) عن الجهاد (وَمَا اسْتَكَانُواْ ) أي وماخضعوا لعدوّهم (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) في ساحة القتال لنُصرةِ دينهِ .

147 - (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ ) عند لقاء العدوّ (إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ) أي وكثرة سيئاتنا (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بالمواظبة على القتال (وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

148 - (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ) كما شاؤوا وطلبوا من الله (وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ) يعني وثواب الآخرة أحسن مِمّا أعطاهم في الدنيا (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) مع الفقراء والمحتاجين .

149 - لَمّا كانت الهزيمة لِلمسلمين يوم اُحُد قال بعض المشركين للمسلمين إرجعوا إلى دينكم ودين آبائكم ولا تقتلوا أنفسكم مع محمّد ، فنزل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذينَ كَفَرُواْ ) في أقوالهم (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) كفّاراً (فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ) بعد أن كنتم رابحين .

150 - (بَل) أطيعوا (اللّهُ مَوْلاَكُمْ ) أي الّذي يتولّى أموركم وشؤونَكم ويرعاكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) لكم .

151 - (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ) في الحرب القادمة (بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ ) أي بسبب أنّهم أشركوا بعبادة الله (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) أي لم ينزّل في الكتب السماويّة شيئاً من ذلك ليكون لهم برهاناً وحجّةً على قولهم واعتقادهم بل أمرَ الله بنبذ الأصنام واجتناب الأنداد ، فلهم اللّعنة على إشراكهم (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الضعفاء .

152 - (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ ) بالنُصرة على أعدائكم (إِذْ تَحُسُّونَهُم ) في بادئ الأمر ، أي تستأصلونهم من أرض اُحُد مُدبِرينَ عنكم . لأنّ المشركين انهزموا في بادئ الأمر والمسلمون خلفهم ، ومن ذلك قول جرير :

                             تَحُسُّهُمُ السُيوفُ كَما تَسامَى      حَريقُ النّارِ في أَجَمِ الحَصِيدِ

وقال أوس :
                                 فما جَبُنُوا أَنَّا نَشُدُّ عليهِمُ      ولكن لَقُوا ناراً تَحُسُّ وتَسْفَعُ

(بِإِذْنِهِ) أي بإذنٍ من الله لكم ، وذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } ، (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ) في أمر عبد الله بن جبير والرُماة من أصحابهِ ولم تنجح هذه الخطّة (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ ) أي وكان الفشل في هذه الخطّة بسبب تنازعكم في الأمر ، لأنّ الرماة تنازعوا مع عبد الله بن جُبير فقالوا نذهب مع إخواننا لنغنم ، فقال لهم ألم يقل لكم رسول الله لا تبرحوا مكانكم ؟ (وَعَصَيْتُم) أمر نبيّكم (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم ) الله (مَّا تُحِبُّونَ ) من النُّصرة على أعدائكم وهزيمتهم والغنيمة من أموالِهم ، ثمّ تغلّبت عليكم أعداؤكم لأنّكم انقسمتم قِسمَين (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ) فيترك مكانه ويذهب وراء الغنيمة (وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) فيثبت مكانه ولا يلتفت إلى الغنيمة وهم عبد الله بن جُبير ومن قُتِلَ معه (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ) إلى المدينة لينجيكم من شرّهم ولتشفى جروحكم ولتسكن نفوسكم ، والمعنى : ثمّ أرجعكم إلى المدينة وألقى الرعب في قلوب المشركين ليرجعوا إلى مكّة وينتهي القتال فيما بينكم وبينهم في ذلك اليوم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ليختبركم هل تصبرون أم تضجرون (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ) في هذه المرّة إذْ ندمتم على ما فرط منكم وذلك بفضلٍ منه عليكم (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) إذْ هداهم إلى دين الإسلام فآمَنوا .

153 - ثمّ ذكر المنهزمين من أصحاب النبيّ يوم اُحُد فقال تعالى (إِذْ تُصْعِّدُونَ ) معناهُ ولقد عفا عنكم يوم اُحُد إذ تذهبون في وادي اُحُد وتصعدون على تلالهِ فِراراً من العدوّ (وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ ) أي ولا تلتفتون على أحَدٍ من قومكم جرحى كانوا أم قتلى (وَالرَّسُولُ) محمّد (يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) أي يناديكم من ورائكم فيقول "ارجعوا إليَ عباد الله ، أنا رسول الله!" (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ ) أي فجازاكم غمّاً على غمّ ، أي غمّاً بالهزيمة بسبب غمّكم للرسول بمخالفته إذ خالفتم أمره وتركتم أماكنكم فحلّ بكم ما حلّ ، ولقد عرّفناكم سبب هذه الكارثة (لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) من الغنيمة (وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ ) من القتل والهزيمة ، يعني لئلاّ تحزنوا فتقولوا لماذا لم ينصرْنا الله في هذه الواقعة كما نصرنا يوم بدر ، فتعلمون أنّ سببها كان من أيديكم ، والمعنى : جازاكم الله بهذه الكوارث لأجل مخالفتكم للرسول أوّلاً ولأجل أن تتمرّنوا على الكوارث والمصائب فلا تحزنوا بعد ذلك إن أصابكم مثلها ثانية (وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) فينصركم إن امتثلتم أمرَ نبيّكم ، ويخذلكم إنْ خالفتم أمره .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم