كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
154 - (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ) أي بنقضهم ميثاقهم ، وذلك لَمّا ذهب موسى إلى جبل الطور ليأتي بالتوراة وكان معه جماعة من قومه قال لهم إنتظروني هنا في أسفل الجبل وأنا أصعد وآتيكم بالتوراة ، فلَمّا رجع إليهم وفي يده لوحان من حجر مكتوب فيهما التوراة قال هؤلاء الّذينَ كانوا ينتظرونه مَن يُصدّق أنّ هذه التوراة من عند الله . وكانوا قد أعطوه العهود والمواثيق بأن يقبلوها منه ويعملوا بِما فيها من أحكام ، فلمّا قالوا هذا الكلام انشقّ الجبل الذي كانوا تحتهُ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تقع عليهم فتقتلهم جميعاً فلمّا رأوها خافوا وصاحوا آمنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشقّة في مكانها ولم تقع عليهم ، وقد جاء ذكرها في سورة الأعراف أيضاً وذلك قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِم } . ثمّ ذكرَ سُبحانهُ جهلهم وعنادهم في حادثةٍ اُخرى فقال (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ ) أي باب القرية وهي أريحا (سُجَّدًا) أي مُطيعين مُنقادين ، ولكنّهم لم يدخلوها بل عصَوا وعاندوا وقالوا لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . ثمّ ذكر سُبحانهُ عصيانهم في أمرٍ آخر فقال (وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ ) أي لا تتعدّوا الأوامر التي أوصيناكم بِها ونهاكم عنها ، ولكنّهم اعتدَوا وخالَفوا أمر الله فأخذوا يبيعون ويشترون ويصيدون السمك في السبت (وَأخذَنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) على أن يطيعوا الله ولا يعصوهُ وأن يعبدوهُ ولا يُشركوا بهِ أحداً ، ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم وعشتاروث وعصَوا أمر ربّهم ، فهذه أفعالهم وهذه مخازيهم فلا تلتفت يا محمّد إلى قولهم إذْ طلبوا منك المستحيل ولا يهمّكَ شأنهم .
155 - (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ) أي فبسبب نقضهم ميثاقهم ، وكلمة "ما" للكثرة والتنوّع ، والمعنى : لعنّاهم بسبب نقضهم كثرة المواثيق وأنواع العهود54 الّتي أخذَناها عليهم (وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ ) التي جاءت بها أنبياؤهم والمسيح والتي جاء بِها محمّد (وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) يعني بغير ذنبٍ استوجبوا عليه القتل (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي عليها أغلِفة لا تعي كلامك يا محمّد (بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا) أي ختمَ عليها (بِكُفْرِهِمْ ) أي بسبب كفرهم فلا تعي وعظاً (فَلاَ يُؤْمِنُونَ ) بك يا محمّد (إِلاَّ قَلِيلاً ) منهم .
156 - (وَبِكُفْرِهِمْ) ثانيةً بعيسى (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) إذْ رمَوها بالزِنا .
157 - (وَقَوْلِهِمْ) مفتخرين (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ) استهزاءً منهم بكلمة "رسول الله" . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّهم لم يقتلوهُ ولم يصلبوهُ في الحقيقة ولكن جعل الله واحداً شبيهاً لهُ فأخذوهُ وصلبوهُ ، وذلك قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الّذينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) أي الّذينَ اختلفوا في صلب المسيح ، وهم الحواريّون اختلفوا في قتلهِ ، فقال بعضهم صُلِب وبعضهم قال لم يُصلَب بل أفلتَ منهم وبعضهم قال صُلِب ودُفِن ثمّ قام من القبر بعد ثلاثة أيّام ، وذلك لأنّهم رأوا المسيح حيّاً بعد ثلاثة أيّام من وقعة الصلب فكلّموهُ وكلّمهم وأكل طعاماً منهم ، وقوله (لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ) أي في شكٍّ من صلبهِ (مَا لَهُم بِهِ ) أي ما لهم بحقيقة الصلب (مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ) أي يتّبعون فيه الظنّ الذي تخيّلوه (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) لكنّهم صلبوا غيره
158 - (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ) بعد موته ، أي رفع النفس الأثيريّة إلى السماء بعد الحادثة بزمن ، وذلك لَمّا أفلت منهم ذهب إلى ربوةٍ بالشام فبقي فيها يتعبّد لله ولحقتهُ اُمّهُ وبعد زمن مات بأجله فدُفِن جسمهُ في تلك الربوة وصعدت روحهُ إلى السماء ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة المؤمنون {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ، فإنّ الله تعالى آواهما إلى تلك الربوة بعد أن صلبوا شبيههُ (وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا ) في ملكه ينتقم من هؤلاء اليهود الّذينَ أرادوا صلبه (حَكِيمًا) في أفعالهِ لا يغلبه أحد . وقد سبقت قصّة المسيح في سورة آل عمران في آية 45 وما بعدها .
159 - (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) إنّ الضمير في "به" يعود إلى المسيح والضمير في "موته" يعود إلى الكتابي ، ومعناه لا أحدَ من أهل الكتاب يخرج من هذه الدنيا إلا ويؤمن بعيسى قبل موته إذا زال تكليفه وتحقّق الموت ولكن لا ينفعه الإيمان حينئذٍ ، وإنّما ذكر اليهود والنصارى لأنّ جميعهم مبطِلون : اليهود بتكذيبهم والنصارى بالمغالاة في أمره (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ ) المسيح (عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) أي يشهد على اليهود الّذينَ لم يؤمنوا به بأنه رسول الله وعلى الّذينَ أرادوا صلبه وكذلك يشهد على النصارى بأنّهم غالَوا فيه بقولهم أنّه إبن الله وأنّه ثالث ثلاثة.
160 - (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الّذينَ هَادُواْ ) أي اليهود (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ ) من المأكل والمشرب (أُحِلَّتْ لَهُمْ ) من قبل ، والمعنى : بسبب ظلمهم أنفسهم إذْ عبدوا العجل وعصَوا أمر ربّهم بامتناعهم عن الدخول إلى أريحا وقولهم لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتِلا ، حرمناهم طيّبات من المأكل أربعين سنة فلم يأكلوا غير المنّ (وَبِصَدِّهِمْ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله (كَثِيرًا) من الناس ، والمعنى : وسنحرمهم من طيّبات الجنّة أيضاً بسبب صدّهم كثيراً من الناس عن الإيمان بالمسيح وبمحمّد .
161 - (وَأخذَهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ) في التوراة (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) أي بغير استحقاق ، وهو ما كانوا يأخذَونه من الرشا في الأحكام (وَأَعْتَدْنَا) أي هيّأنا (لِلْكَافِرِينَ) بالرُسُل (مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) أي مؤلماً موجعاً .
------------------------------------54 :لا يخلو سفر من أسفار التوراة من تكرار العهد عليهم بالتوحيد والعبادة الخالصة لله وترك الأصنام وعبادةالأوثان . – المراجع .![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |