كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
187 - كانت عادة الصوم عند الناس قبل الإسلام ثلاثاً وعشرين ساعة من كلّ يوم يصومونهُ ، يعني يأكلون بعد غروب الشمس بساعةٍ واحدة ثمّ يصومون ما بقي من اللّيل والنهار كلّه ثمّ يفطرون بعد غروب الشمس بساعة . وكان الجِماع عندهم لا يجوز في أيّام الصوم ولياليه . وهذه عادة اليهود حتّى الآن ، فلمّا نزلت آية الصيام على النبيّ (ع) أخذ المسلمون يصومون كما اعتادوه من الصيام ، ولَمّا كان وقت الإفطار قصيراً وهو ساعة واحدة من الزمن صار بعض المسلمين لا يصِلون إلى إفطارهم ولا يأكلون شيئاً من الطعام ، وذلك بسبب أشغال تعوقهم عن الإفطار في ذلك الوقت ، أو أنّهم ينامون في ذلك الوقت صدفة فإذا انتبهوا من نومهم رأوا أنّ وقت الإفطار قد ذهب منهم فيبقون على صومهم إلى اليوم الثاني فيشقّ ذلك عليهم .
وكان بعض الشباب من المسلمين لا يستطيعون الصبر عن النكاح فإذا صار وقت الإفطار أتَوا نساءهم ، فعَلِمَ الله تعالى بذلك فأراد أن يُخفّف عنهم فأنزل هذهِ الآية (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ) أي كلّ ليلة يكون في صبيحتها الصيام (الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ) أي الجِماع (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) أي هنّ سِترٌ لكم وأنتم سِترٌ لهنّ ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النبأ {وَجَعَلْنَا اللّيل لِبَاسًا } أي سِتراً ، ومن ذلك قول الشاعر :
إذَا ما الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهُ تَثَنّتْ فكانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَاً
أي كانت عليه غطاءً وسِتراً . (عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ) في الجِماع ، المخاتلة والمخاتنة بمعنى واحد وهو المخادعة ، ومن ذلك قول علقمة :
إذا ما اقْتَنَصْنَا لَمْ نُخاتِلْ بِجُنّةٍ ولكنْ نُنادِي مِنْ بَعِيدٍ ألا ارْكَبِ
وذلك أنّ الرجُل كان يخدع زوجته ويجامعها وهي كارهة ذلك في ليالي الصيام (فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) أي فتاب على الّذينَ تابوا منكم (وَعَفَا عَنكُمْ ) أي وعفا عن الّذينَ لم يتوبوا ، لأنّ بعضهم جامعوا نساءهم فندموا وتابوا وبعضهم جامعوا وسكتوا (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) أي لا حرجَ عليكم في جِماعهنّ باللّيل (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ) أي واطلبوا الحلال الذي فرضه الله لكم ، ولا تطلبوا الحرام في غير نسائكم (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ ) طول اللّيل ، يعني في أيّ وقت شئتم من أوقات اللّيل (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) أي حتّى يتبيّن لكم وميض الفجر من سواد اللّيل ، ومن ذلك قول أبي داوُد :
فلمّا أضاءَتْ لنا غُدْوَةٌ ولاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أنارا
(ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللّيل ) . وقد أخطأ المسلمون في إفطارهم في الوقت الحاضر لأنّ أبناء السُنّة يفطرون وقت غروب الشمس ، وأبناء الشيعة يفطرون بعد ذلك باثنتي عشرة دقيقة ، أي يُفطرون قبل حلول اللّيل ، ولكنّ الله تعالى قال (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللّيل ) ولم يقل إلى غروب الشمس ، ولا يكون اللّيل إلاّ عند حلول الظلام وظهور النجوم ، ولا يجوز الإفطار إلاّ بعد غروب الشمس بخمسٍ وعشرين دقيقة على الأقل أو عند ظهور سبع نجوم في السماء
والدليل على ذلك أنهم يُسمُّون صلاة المغرب وصلاة العشاء ، فصلاة المغرب تكون وقت غروب الشمس ، ولكن صلاة العشاء تكون بعد غروب الشمس بساعة ونصف الساعة ، فهل يصحّ أن نسمّى صلاة العشاء بصلاة المغرب أو نصلّيها وقت غروب الشمس ؟ كلاّ لا يصحّ تسميتها بصلاة المغرب ، ولكن يصحّ تسميتها بصلاة اللّيل . وكذلك تسمية اللّيل ، لأنّ اللّيل لا يكون إلاّ وقت حلول الظلام وعند رؤية النجوم ، أمّا بعد غروب الشمس ببضع دقائق فلا يُسمّى ذلك الوقت ليلاً ، بل يسمّى وقت المغرب على الأصحّ .
وقوله (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) "الاعتكاف" هو الإقامة في المسجد أيّاماً متوالية للعبادة ولا يخرج منه إلاّ لقضاء حاجة أو غذاء ثمّ يعود إلى المسجد حتّى تتمّ مُدّة اعتكافهِ ، وهي المدّة الّتي نذرها أو قرّرَ أن يُقيمَ بها في المسجد . فالاعتكاف هو طول الإقامة بالعبادة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في بني إسرائيل لَمّا عبدوا العجل [كما في سورة طـه ] {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } . وكان النبيّ (ع) يعتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان ويعتزل النِساء حتّى يعود إلى داره من المسجد . ويُكره الجِماع أوّل اللّيل في شهر رمضان وذلك حين اجتماع الناس في المساجد للصلاة والدعاء والعبادة ، فعلَى المسلم أن يذهب إلى المسجد للعبادة مع المجتمعين ، ولا حرجَ عليه عند رجوعه من المسجد أن يأتي زوجتهُ ، والمعنى : لا تجامعوا نساءكم في ليالي اعتكافكم في المساجد للعبادة ، (تِلْكَ) الأحكام التي ذُكِرَتْ (حُدُودُ اللّهِ ) أي أحكامه المحدّدة (فَلاَ تَقْرَبُوهَا ) بالمخالفة والتغيير (كَذَلِكَ) أي مثل هذا البيان الذي ذكرناهُ (يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ) أي يبيّن لهم احكام دينهم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) المحارم ، أي لكي يجتنبوا المحرّمات .
188 - (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل ويأخذها بغير حقّ (وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ) أي وترسلوها إلى الحكّام والقضاة رشوةً ، يُقال "أدلى دلوه" أي أرسله إلى البئر (لِتَأْكُلُواْ ) بالتحاكم (فَرِيقًا) أي قِسماً (مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ ) أي ترسلون الأموال إلى الحكّام رشوة ليحكموا لكم ويجعلوا الحقّ معكم وبذلك تغصبون أموال الناس آثمين بذلك (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّ الذي أخذتموه من المال ليس لكم بل هو مال الناس . فالرشوة حرام على من يُعطيها ومن يأخذها ومن يتوسّط بها .
189 - كانت العادة عند اليهود أنّهم يتصدّقون في أوّل كلّ شهر قمري ، فكان أكثرهم يأتي جاره الفقير من السطح ليعطيه طعاماً فيتّفق أنّ زوجة الفقير عريانة أو ابنتَهُ أو اُختَهُ فيراها الذي نقل إليه الطعام فيغتمّ الفقير من ذلك ، وكان بعضهم يتعمّد الذهاب إلى بيت جاره من السطح ليرى زوجة جاره الفقير أو ابنته فيغازلها . فلمّا ظهر الإسلام جاء معاذ بن جبل إلى النبيّ (ع) وقال : "يا رسول الله إنّ اليهود يقولون أنّ الله جعل الأهلّة لنعمل البِرّ عند رؤيتها ، فهل هذا صحيح؟ " فنزلت هذهِ الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ) جمع هلال ، والمعنى : يسألونك عن الأهلّة هل هي مواقيت لعمل البِرّ ، أي لفِعل الطاعات وتوزيع الخيرات على الفقراء (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) يعرفون بِها الحساب وعدد الشهور والسنين وما يحتاجون إليهِ من وقت صومهم وإفطارهم وعدّة نسائهم وحلول ديونِهم وغير ذلك (وَالْحَجِّ) أي وكذلك يعرفون بِها وقت الحجّ (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) أي وليس الذي تفعلونه من إعطائكم الصدقات رأس كلّ شهر هو البرّ بأنّكم تأتون البيوت من ظهورها ، أي من سطوحها فتتسلّطون على نساء الفقراء وتنظرون إليهنّ بشهوة ، فالظهر هو السطح ، والظهرة المرتفع من الأرض (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) المعاصي وتجنّبَ المحرّمات (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) لتقديم الصدقات واتركوا تلك العادات (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بالثواب إن تركتم تلك العادات وآمنتم بالله ورسولهِ وكتابِه .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |