كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
22 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ اختلاف الناس في عددهم فقال (سَيَقُولُونَ) أي بعض الناس (ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ ) آخرون (خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) أي على الظنّ لا عن حقيقة (وَيَقُولُونَ) آخرون (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) وكان عددهم ثمانية غير الكلب183 . ولَمّا جاء وفد نصارى نجران وقع هذا الاختلاف في عددهم ، فقال الله تعالى لرسوله إقطع النزاع في ذلك و (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ) أي بعددهم (مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) من الناس (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ ) أي فلا تجادل الخائضين في عددهم وشأنهم ، فالمِراء هو الجدال بين خصمين ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت يرثي حمزة عمّ النبيّ :
أَبْيَضَ في الذِّرْوَةِ مِنْ هاشِمٍ لم يَمْرِ دُونَ الحَقِّ بِالباطِلِ
أي لم يُجادل دون الحقّ ، وقال جرير :
فيمَ الْمِراءُ وَقَد سَبَقتُ مُـجاشِعاً سَبقاً تَقَطَّعُ دونَهُ الأَبصارُ
وقال الفرزدق يصفُ قِدراً تغلي باللّحم :
كَأَنَّ نَهِيمَ الغَلْيِ فِي حُجُراتِهَا تَمَارِي خُصُومٍ عاقِدِينَ النَّواصِيَا
(إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا ) معناه إلاّ بما أظهرنا لك من أمرهم وشأنهم (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم ) أي لا تسأل عن أهل الكهف وتستفسر عن قَصّتهم (مِّنْهُمْ أَحَدًا ) أي من النصارى أحداً ، نحن أعلمناك بقصّتهم . ولَمّا سألوه أهل مكّة عن قصّة أهل الكهف قبل نزول هذه الآيات قال النبيّ غداً آتيكم بها ، ولم يقل إن شاء الله . فنزل قوله تعالى :
23 - (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ) .
24 - (إِلَّا) أن تقول (أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ ) بالاستغفار (إِذَا نَسِيتَ ) أن تقول إن شاء الله (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي ) إلى ما تطلبونه منّي من قصص الماضين (لِأَقْرَبَ) وقتٍ (مِنْ هَذَا ) أي من نبأ أهل الكهف (رَشَدًا) يعني عسى أن يُرشدني ربّي بأقرب وقتٍ من حديث أهل الكهف وقصّتهم في المستقبَل . لأنّ الوحي في إخبار قصّتهم تعطّل أيّاماً لكونه لم يقل إن شاء الله ، حتّى أخذ المشركون يسخرون منهُ ويقولون لقد جفاكَ ربّكَ يا محمّد وقلاك .
25 - (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) بعد موتهم (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) وهذه المدّة من وقت موتهم إلى حين نزول هذه الآيات ، فقالت النصارى للنبي (ع) من أين جاءت التسعة الزائدة وقد كان تاريخ مماتهم ثلاثمائة سنة بلا زيادة ولا نقصان ؟ فنزل قوله تعالى :
26 - (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) . وبقي الأمر مجهولاً بين النصارى والقرآن فالنصارى تقول ثلاث مائة سنة بلا زيادة ، والقرآن يقول وازدادوا تسعاً ، حتّى هذا الزمن فظهر أمرها وبان سرّها وهو أنّ الفرق بين الأشهر القمريّة والأشهر الشمسية ثلاث سنين لكل مائة سنة ، فتكون الزيادة تسع سنوات بحساب الأشهر الشمسية على القمرية184 ،
وقوله (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي بصّر الناس بأعمال الله وأسمعهم بأفعاله ليعرفوا قدرته فيعظّموه ويقدّسوه (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ) يتولى أمرهم وشؤونهم (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) يوم القيامة (أَحَدًا) والمعنى لا تجعلوا لله شريكاً ولا شفيعاً لكم عند الله يوم القيامة فالحكم في ذلك له وحده لا يشرك في حكمه بين خلقه أحداً من الملائكة ولا من الأنبياء والمرسلين . ومما يؤيد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} .
وقد عُثرَ على الكهف في زمن الأيّوبيّين وجدّدوا بناء المسجد الّذي فوق الكهف ثمّ تُرِكَ وتهدّم بعد مرور السنين واندثر المسجد ، وفي سنة 1963 ميلاديّة قامت دائرة الآثار الأردنيّة بالتنقيب وكشفت عن المسجد والكهف فوجدت ما يدلّ على صِحّةِ ذلك ، وأنّ الكهف هو مقبرة لهم ، ووجدت لوحاً من الحجر مكتوب عليه : بسمِ اللهِ الرحمانِ الرحيم ، هذا ما أمرَ بهِ الأمير هيبة لتجديد واجهات الكهف ... وقد جدّد عمارته على مسجد كهفهم أحمد بن حوّه سنة 227 هج .
27 - (وَاتْلُ) يا محمّد ، أي اقرأ عليهم (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ) أي ممّا كتبهُ الله في اللّوح المحفوظ من قصص الأنبياء وأقوامهم السالفة (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أي لا تُبَدِّلْ آية من القرآن ولا كلمة واحدة ممّا اقترحوا عليك ولا تسمع لقولهم إذْ قالوا {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ } ، فإن فعلتَ فلا تَنجُ من عقابهِ (وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) أي لن تجد لِحداً تلتحد فيه وتختفي بهِ عن أبصارنا إذا بدّلتَ شيئاً من كلمات ربّك .
28 - (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ) أي صبِّرْ نفسك (مَعَ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) أي يذكرون الله بالصلاة مرّة وبالدعاء مرّة وبالتسبيح اُخرى فلا ينسَونهُ بل يذكرونه على الدوام (يُرِيدُونَ) بذلك (وَجْهَهُ) أي يريدون الجنّة الّتي هي في جهتهِ وفي جوارِه في السماوات الأثيريّة ، فالوجه في لسان العرب معناه الجِهة (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) بالنظر إلى غيرهم (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي مريداً مجالسة أهل الشرف والغِنَى ، وكان النبيّ (ع) حريصاً على إيمان رؤساء العرب طمعاً في إيمان أتباعهم وكان يلينُ لهم في الكلام فعوتِبَ بهذه الآية واُمِرَ بالإقبال على فقراء المؤمنين (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) بسبب تكبّرِه على الفقراء وظلمهِ للضُعفاء (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) في عبادة الأصنام والملائكة وغيرهم (وَكَانَ أَمْرُهُ ) في عبادتهم (فُرُطًا) أي ضياعاً ، يعني وكان مالهُ وأتعابه وخدمته في سبيل الأصنام ضياعاً لا يستفيد منها شيئاً بل يُعاقَب عليها .
------------------------------------183 :راجع كتاب (إكتشاف كهف أهل الكهف) للاُستاذ رفيق وفا الدجاني .184 :فإذا نظرنا في تاريخ ولادة المسيح وهجرة النبي محمد(ع) نجد الزمن بينهما خمسمائة وثمانين سنة ، ومن ولادة المسيح إلى وفاته أربعين سنة ، وقد أخبر الله تعالى بأنّ أصحاب الكهف لبثوا بعد موتهم إلى نزول هذه الآيات ثلاثمائة وتسع سنوات . فإذا حذفنا هذا العدد وهو 309 من 580 يكون الباقي 271 فإذا أضفنا إليه مدة عمر المسيح وهو 40 سنة يكون الناتج 311 فإذا حذفنا من العدد 21 وهي المدة التي ناموا فيها بالكهف يكون الباقي 290 سنة بعد وفاة المسيح . وهذا تاريخ دخولهم في الكهف .![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |