كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 254) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

254 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) من الأطعمة والأثمار في سبيل الله للفقراء والمحتاجين (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ) هو يوم موتكم (لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ) فتشترون حسنات (وَلاَ خُلَّةٌ ) فيعطيكم خليلكم من حسناتهِ (وَلاَ شَفَاعَةٌ ) إلاّ بإذنهِ (وَالْكَافِرُونَ) لِنِعَم الله (هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم وليس الله ظالمهم .

255 - لَمّا ذكرَ الله سبحانهُ فيما سبق اختلاف اليهود والنصارى في أديانهم وعباداتهم وإشراكهم بالله ، بيّن في هذه الآية بأنّ العبادة لا تجوز لغيره ولا يستحقّ العبادة إلاّ هو لأنّهُ خالقهم ورازقهم وهو القائم بتدبير الكون وتدبير مخلوقاتهِ فقال تعالى (اللّهُ) ربّكم (لاَ إِلَـهَ ) في الكون (إِلاَّ هُوَ ) وحده (الْحَيُّ) الّذي لا يموت (الْقَيُّومُ) بشؤون الكون وتدبيره ، يعني القائم بتدبير الكون وشؤون الخلق (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ) "السِّنة" هي النعاس قبل النوم ، والمعنى : لا يأتيهِ النعاس ويهدأ كما يأتي النفوس ولا نوم كما تنام الناس . فالسِّنة هي الحالة الّتي تعتري الإنسان قبل النوم فيسكن ويهدأ ولكنّهُ غير نائم ، ومن ذلك قول عديّ بن الرقّاع :

                               وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرنَّقَتْ      في عَيْنهِ سِنَةٌ وليسَ بِنائِمِ

(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيرٍ يطير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من دابّةٍ تسير (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ) يوم القيامة (إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) يعني إلاّ للموحِد الّذي يأذن الله للأنبياء في شفاعتهِ ، أمّا الّذي لا يأذن لهم بشفاعته فلا يشفعون لهُ ولو كان أخاهم ، فإنّ نوحاً لا يمكنه أن يشفع لابنهِ ولا إبراهيم لأبيهِ (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) أي يعلم الله ما في حاضرهم من نعيم يتنعّمون به في الجنان (وَمَا خَلْفَهُمْ ) أي ويعلمُ ما تركوه خلفهم من شرايع وأديان ، هم الشفعاء أي الأنبياء والرُسُل والأولياء والشهداء (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ) أي من علوم الغيب (إِلاَّ بِمَا شَاء ) أن يُعلّمهم من علوم الغيب . ومِثلها في سورة الجن قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } .

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) يعني سِعة الكُرسي على قدر الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض وسِعة انتشارهنّ في الفضاء ، والكرسي هو الطبقات الأثيريّة السبع الّتي تسكنها الملائكة ، وهي الجنان الّتي نذهب إليها يوم القيامة ، والعرش فوقها ، ولذلك قال الله تعالى في سورة المؤمنون {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } لأنّ العرش فوق السماوات السبع الأثيريّات ، وهنّ المكنّى عنهنّ بالكرسي ، وقد شرحتُ عن الكرسي و العرش و الجنان في كتابي الكون والقرآن وفي كتابي الإنسان بعد الموت فطالعْهما إن شئتَ زيادة إيضاح (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) أي لا يثقلهُ حفظ السماوات والأرض ، يعني الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض لأنّها محفوظات بقوّة جاذبيّة الشمس فلا يذهبنَ في الفضاء ولا يبتعدنَ عن مواقعهنّ . فكلمة " لا يؤودهُ " معناها لا يُثقِلهُ ، ومن ذلك قول الشاعر :

                           يُعْطِي الْمِئِينَ وَلَا يَؤُودُهُ حَمْلُهَا      مَحْضُ الضَّرَائِبِ مَاجِدُ الْأَخْلَاقِ

(وَهُوَ الْعَلِيُّ ) فوق خلقه (الْعَظِيمُ) في صِفاتهِ الّذي تُعظّمهُ ملائكتهُ وتقدّسهُ .

256 - دعا النبيّ (ع) بعض قريش إلى الإسلام فقالوا إنّ أبا لهب وأبا جهل يمنعوننا من الإيمان بك ونخاف أن يؤذونا ويأخذوا أموالنا إن اتّبعناك . وذلك معنى قوله تعالى في سورة القصص {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } ، فنزلت هذه الآية ردّاً على قولهم (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) أي لا حقّ ولا سُلطةَ لأحدٍ أن يُجبركم على الإقامةِ في دينكم (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) يعني بعدما تبيّن لكم الرُشدُ في دين الإسلام والغواية في دِينكم دِين الكفر والإشراك . فالرُشد نقيض الغيّ ، ومن ذلك قول الشاعر :

                             فمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحمَدِ الناسُ أمْـرَهُ       ومَنْ يَغْوِ لا يَعْدَمْ علَى الغَيِّ لائِمَا

(فَمَنْ يَكْفُرْ ) منكم (بِالطَّاغُوتِ) أي يكفر بالرجُل الطاغي المتكبّر ، وجمعه طواغيت وطواغي ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت الأنصاري يُجيب هُبيرة بن أبي وهب المخزومي :

                                 أنتم أحابِيشُ جُمِّعْتُمْ بلا نسَبٍ      أَئِمَّةُ الكُفْرِ غرّتْكُمْ طَوَاغِيهَا

يريد بذلك أبا جهل ، يعني يكفر به ولا يمتثل أمره (وَيُؤْمِن بِاللّهِ ) وحدهُ فلا يجعل لهُ شريكاً في العبادة (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ) أي فقد طلبَ التمسّك بالعروة الوثيقة الّتي لا تنفصم ، أي لا تنقطع . جمع عُروة عُرى ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :

                           يَشُدُّ العُرى مِنها عَلى ظَهرِ جَونَةٍ      عَسيرِ القِيادِ ما تَكادُ تَصَرَّفُ

هذا مثَل لمن ينجو من هَلَكة ، يعني كالغريق في البحر ورأى سفينة مُقبلة عليه وفيها عُرى مُدلّاة من السفينة فتمسّك بإحداهُنّ وكانت قويّة متينة لا تنفصم فنجَى بها من الغرق . فكذلك من تمسّك بدين الإسلام ينجو من جهنّم ويصير إلى الجنّة ، وذلك قوله تعالى (لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بنواياكم أيّها الكافرون .

257 - (اللّهُ وَلِيُّ الّذينَ آمَنُواْ ) يعني هو يتولّى رعايتهم (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) يعني يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العِلم ومن ظلمات الضلال إلى نور الحقّ ، وذلك بهدايتهم إلى دين الإسلام (وَالّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن (أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) يعني يتولّى أمرهم رؤساؤهم الطاغون على الله المتكبّرون على رسوله (يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) يعني يخرجونهم من نور العلم والهداية الّتي جاءَ بها محمّد إلى ظلمات الجهل والضلال بدعواهم إلى دِينهم (أُوْلَـئِكَ) الرؤساء والمرؤوسين (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي مخلّدون إلى الأبد .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم