كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
26 - (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) أحكام دينكم ودنياكم (وَيَهْدِيَكُمْ) أي ويُرشدكم (سُنَنَ الّذينَ مِن قَبْلِكُمْ ) أي شرائع الّذينَ من قبلكم كشريعة موسى ومن مضى قبله لئلاّ تستنكروا ذلك (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) فيما صدر منكم قبل الإسلام (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بمصالحكم (حَكِيمٌ) فيما شرعهُ لكم .
وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في حكم زواج المملوكات المأخوذات من الأسر ، فقد جاء في سفر التثنية في الإصحاح الحادي والعشرين قال :
[ إذا خرجتَ لمحاربةِ أعدائك ودفعهم الربّ إلاهُكَ إلى يديك وسبيتَ منهم سبياً ، ورأيتَ في السبي امرأة ً جميلةَ الصورة والتصقتَ بِها وأخذتها لك زوجةً ، فحينَ تُدخلُها إلى بيتكَ تحلقُ رأسها وتقلّمُ أظفارها ، وتنزعُ ثيابَ سبيها عنها وتقعد في بيتكَ وتبكي أباها واُمّها شهراً من الزمنِ ثمّ بعد ذلك تدخل عليها وتتزوّج بِها فتكون لك زوجةً ، وإنْ لمْ تُسرّ بها فأطلقْها لنفسها ، لا تبِعْها بيعاً بفضّةٍ ولا تسترقّها من أجل أنّك قد أذللْتَها .]
27 - (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) لِما صدرَ منكم من أمر الأسيرات قبل نزول هذهِ الآية ، (وَيُرِيدُ الّذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ) يعني أن تميلوا إلى نكاح الأسيرات دون عِدّة فيكون ذلك ميلاً عظيماً من الحقّ إلى الباطل . وذلك لَمّا جيء بسبايا أوطاس قال بعض المنافقين : "إنكحوا من شئتم منهنّ" ، فقال المؤمنون : "لا نفعل حتّى نستشير رسول الله"، فلمّا استشاروهُ في نكاحهنّ أمرَ منادياً فنادَى : "ألا لا يُباح نكاح الحُبالَى حتّى يضعنَ حَملهنّ ولا غير الحُبالَى حتّى يستبرئنَ بحيضة" .
28 - (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ) الحكم في نكاح الأسيرات بأن جعل العِدّةَ شهراً واحداً لغير الحامل (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) للإرادة بقِلّةِ صبرِه ، يعني إذا رأى إمرأة جميلة وأحبّها لا يصبر عليها حتّى تنتهي عِدّتها .
29 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) أي لا يأخذْ بعضكم أموال بعض بدون استحقاق ، وذلك كالرشوة والقمار والربا وغير ذلك من اغتصاب أموال الناس (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً ) أي مُبايعة (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) لسببٍ من الأسباب ، لأنّ بعض الناس ينتحر لسبب فقرٍ أصابه أو كربٍ نالهُ أو ضيقٍ ابتلاه أو شدّةٍ وقع فيها ، فإن أصابك كرب أو شِدّة فلا تقتل نفسك بل اسأل من الله أن يفرّج عنك كربك ويزيل همّك واصبر قليلاً فإنّ الله تعالى سيفرّج عنك كربك ويزيل همّك ويشرح صدرك ، فقد قال الله تعالى في سورة الشرح {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } وقيل في المثل : الصبرُ مفتاح الفرج ، وفي ذلك قال الشاعر :
تَصَبّرْ لِلْعَواقِبِ واحْتَسِبْها فأنتَ مِن العواقِبِ في اثنتَينِ
تُرِيحُكَ بالْمُنَى أو بالْمَنَايا فإنّ الموتَ إحدَى الراحتَينِ
(إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فلا يُريد أن يديم عليكم العسر بل يريد أن يمتحنكم بذلك فيرى هل تصبرون أم تكفرون .فالصبرُ يكسبكم خبرة وتجارب في الحياة الدنيوية وعاقبةً حسنة ، وأجراً وثواباً في الآخرة .
30 - (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ) فيأكل أموال الناس (عُدْوَانًا) أي تجاوزاً لحدود الله ، وذلك كالنهب والسلب والسرقة (وَظُلْمًا) وذلك كالرشوة والربا وإنكار الأمانة والانتحار وغير ذلك (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ) يَصلَى بِها يوم القيامة (وَكَانَ ذَلِكَ ) العذاب في النار (عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ) أي هيّناً لا يمنعه منه مانع ولا يدفعه عنه دافع . إعلم أنّ الدنيا مدرسة للإنسان فالحوادث والمصائب تكسب الإنسان خبرة ومعلومات فيزداد عقله تدريجياً فيصبح عالِماً بالاُمور ، وفي ذلك قال الشاعر :
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي
وقال الآخر :
مَواعِظُ الدّهــــــرِ أدّبَتنِي وإنّما يُوعَـظُ الأدِيبُ
لم يمضِ بُؤسٌ ولا نَعيمٌ إلاّ ولِي مِنهما نصيبُ
ولو كُشِفَ الغطاء عن الإنسان لعَلِمَ أن ليس في الدنيا مُصيبة حتّى الموت ، وإليك مثَلاً في ذلك : إنّ أعزّ الأشياء على الإنسان في الدنيا إبنهُ الصغير إذا كان عمره بضع سنوات لأنّه يأنس بهِ ويُلاعبهُ ، فإذا مات هذا الولد فموته أكبر مصيبة على والديهِ ، وفي ذلك قيل : "موت الولد صدعٌ في الكبد لا ينجبر إلى الأبد" . فلو كُشِفَ الغطاء عن بصر والدهِ وعَلِمَ عِلْمَ اليقين لرأى أنّ موتَ ابنهِ الصغير كان نِعمة من الله عليه وليست نِقمة . ولعلّك أنكرت عليّ ايّها القارئ الكريم قولي هذا فتقول : كيف يكون موت الولد نِعمة ؟ أقول لك إنّ الإنسان لا يموت بل ينتقل بموته من عالم مادّي إلى عالم أثيري ، وبعبارة اُخرى من عالم الأجسام إلى عالم النفوس ، وأرواح الأطفال لا تكبر بل تبقى على ما كانت عليه حين انفصالها عن الجسم ، فالإنسان لا يتناسل في عالم الأثير ولا يكون له أولاد إلاّ من مات وهو طفلٌ صغير ، فإذا مات أبوهُ وجد ابنهُ هناك فيفرح به ويبقى الولد عند أبويهِ يأنسان بهِ ويُلاعبانه في عالم النفوس ، فحينئذٍ يعلمان علم اليقين بأنّ موت ابنهما وهو طفل صغير كان نِعمةً من الله عليهما إذ لو لم يمت لَما كان لهما طفل في عالم النفوس يأنسان بهِ ، فحينئذٍ يشكران الله على موت ابنهما في سنّ الطفولة .
وهكذا كلّ المصائب لو صبرنا عليها لوجدناها في العاقبة نِعمة وليست نقمة . فهوّن عليك الاُمور ولا تحزن لِما فاتك ولا تفرح بِما آتاك .
31 - لَمّا نزل قوله تعالى في سورة الزمر {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، قال بعض الصحابة يا رسول الله أيغفر الله الكبائر والصغائر؟ فنزلت هذهِ الآية (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) ، والمعنى : إن تجتنبوا الكبائر نكفّر عنكم الصغائر منها إن تُبتم ، يعني إنْ تبتم عن ذنبٍ صغير نقبلْ توبتكم ونغفرْهُ لكم ، وإنْ تبتم عن ذنبٍ كبير فلا نغفره لكم حتّى يقام عليكم الحدّ إن كان فيه حدّ وترجعوا أموال الناس وحقوقهم إن كنتم اغتصبتم حقوقهم ثمّ تتوبون فحينئذٍ نغفر لكم .
فالسارق يجب عليه أن يُعيد المال الذي سرقه إلى صاحبه ثمّ يتوب ، وعاقّ الوالدين يجب عليه أن يُرضي أبويه ثمّ يتوب ، وقاتل النفس يجب عليه أن يدفع ديتها ثمّ يتوب ، والذي يرمي الْمُحصنة بالفحشاء47 يجب عليه أن يطلب رضاها فيدفع لها الأموال أو يعمل معها معروفاً حتّى ترضى عليه وتغفر له زلّته ثمّ يتوب ، وشاهد الزور يجب عليه أن يعترف بالحقيقة أمام القاضي ثمّ يتوب ، وهكذا يجب على من ارتكب ذنباً من الكبائر أن يؤدّي حقوق الناس التي اغتصبها ثمّ يتوب فتُقبل توبتهُ ويُغفر ذنبهُ وإلاّ فلا .
والكبائر كلّ ذنب يُقام عليه الحدّ ، أو اغتصاب حقّ من حقوق الناس ، وأعظم الكبائر هو الإشراك بالله ، ومن الكبائر قتل النفس المؤمنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف الْمُحصنة بالزِنا وعقوق الوالدين والفرار من الحرب في قتال الكافرين والمشركين والملحدين ، والزِنا بامرأةٍ ذات زوج ، ومنع المرأة من الزواج ، والفتنة بين صديقين مؤمنين حتّى تكون بينهما عداوة ، وإيقاع الْمُحصَنة بالزِنا وغير ذلك من الذنوب (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ) اي مكاناً طيباً حسناً وذلك لِمن تجنّب الكبائر وتاب عن الصغائر .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |