كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
26 - (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ). كلمة " فَانٍ" معناها الزوال والانتهاء والتلاشي . والمعنى كل حيّ على الأرض يزول منها ويبتعد عنها ، وكل جسم من الأجسام الحيّة يتمزق ويتلاشى بالموت ولا يبقى أحد من النفوس على الأرض بل تنتقل إلى الفضاء ويكون مصيرها يوم القيامة إلى النار أو إلى الجنة . لأنّ الأرض تتمزق فتكون نيازك .
27 - (وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) . الوجه معناه الجهة، أي المكان الذي تتجه إليه . والشاهد على ذلك قول أمية بن أبي الصلت :
إذا اكتسبَ المالَ الفتَى من وُجوهِهِ ..... وأحسنَ تدبيراً لهُ حينَ يَجمعُ
وقال الأعشى:
سَيَذْهَبُ أقْوَامٌ كِرَامٌ لوَجْهِهِمْ ..... وتُتركُ قتلى ورَّمُ الكمراتِ
والمعنى يتلاشى كل جسم مادي على الأرض ويبقى كل مخلوق روحاني في جهة السماء . فالملائكة أحياء لا يموتون ، والرسل والأنبياء في الجنة أحياء لا يموتون وكل النفوس لا تموت ولكن بعضها منعّمة في الجنة وبعضها معذّبة . والشاهد على ذلك قوله تعالى في المؤمنين المتقين {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} ، وقال في الكافرين { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا }.
28 - ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
29 - (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي من في الكواكب السيّارة ومن في الأرض ، وسؤالهم (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) من شؤونهم . فضمير "هو" يعود لسؤالهم وليس كما ذهب إليه المفسرون من أنه يعود إلى الله . ومثلها في سورة عبس قوله تعالى {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .
30 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ؟
31 - (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) أي لحسابكم ، وذلك يوم القيامة ، وهذه كلمة تهديد ووعيد للمجرمين (أَيُّهَ الثَّقَلَانِ) يعني الجن والأنس ، وكلمة "ثَقَلان" مثنّى ، ومفردها ثقيل ، وهو كل من كان سيّء الأخلاق مذموماً بين الناس لسوء أفعاله . ومن ذلك قول الشاعر :
إذا حلّ الثقيلُ بأرضِ قومٍ ..... فما للساكنينَ سوَى الرحيلِ
والمعنى ستفرغ ملائكتي من كتابة أعمالكم إلى حسابكم ومجازاتكم وذلك حين موتكم .
32 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
33 - فإذا صار يوم القيامة وتمزّقت الأرض وخرجت النفوس منها وصعدت في الفضاء فحينئذٍ يقعون في قبضة الشمس المتمزّقة وجاذبيتها فيحومون حولها ولا يمكنهم التخلص منها فحينئذٍ يقال لهم (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني يقال لهم هل يمكنكم أن تتخلصوا من هذا المكان المحدود الذي يحدّ السماوات والأرض ؟ ويريد بذلك المجموعة الشمسية حين تتمزق. لأن شمسنا الحالية إذا تمزقت تكون تسع عشرة قطعة ، ثم يبرد وجه تلك القطع على ممر السنين فتكون كواكب سيّارة تدور حول شمس جديدة وقوله تعالى (فَانفُذُوا) أي أُخرجوا إن أمكنكم الخروج من قبضة الشمس ثم يقال لهم (لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) يعني لا يمكنكم الخروج منها إلا بقوتنا وإرادتنا . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة مريم {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } .
34 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
35 - (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا) من الشمس المتمزقة (شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ) يعني شرارات من النار . ومن قولهم "شظّ عنهم بنفسه" (وَنُحَاسٌ) وهو جمع نحس ، وهو ما يخرج من الشمس بعد تمزقها من سوائل ولابة وغازات كالتي تخرج من البراكين . فالنحاس مشتق من النحس ، وهو مذكّر وجمعه نحوس ، والجمع المؤنث نَحِسات . قال الله تعالى في سورة فصّلت {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} . وقال الجعدي يصف فتاة:
تُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا
أي لم يجعل الله في هذا السراج شيئاً نحساً فليس فيه نار تحرق ولا دخان يخنق ولا رائحة كريهة تُزعج، وأراد بذلك مدح فتاة فشبهها بالسراج . وقوله تعالى (فَلَا تَنتَصِرَانِ) يعني لو اتّفقتم الجن والأنس وفكّرتم في حيلة تنجيكم من العذاب وتهربون من قبضتنا فلا يمكنكم ذلك ولا تجدون طريقاً للخلاص . ومثلها في المعنى في سورة الطور قوله تعالى {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} .
36 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
37 - ثمّ أخبر سبحانه عن علائم يوم القيامة فقال (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) السماء هي الطبقات الغازية تتشقق قبل يوم القيامة كما بيّنا ذلك فيما سبق والمعنى تكون السماء مورداً للنفوس تجتمع فيها كما تجتمع مياه الأمطار في الدهان ، فالدهان جمع دهن ، وهي نقرة تكون بين الجبال تجتمع فيها مياه الأمطار .
38 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
39 - (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ) المجرم (عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) .
40 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
41 - (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) لأنّ المجرمين يأتون إلى المحشر عراة ، أما المحسنون فيلبسون ثياباً تستر عوراتهم تأتيهم بها الملائكة حين انتقالهم من دار الدنيا إلى دار الآخرة ، وبهذه العلامة يُعرف المجرم من المُحسن (فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) . الناصية هي مقدمة شعر الرأس ، وجمعها نواصي ، يعني تسحبهم الملائكة من نواصيهم إلى النار ، وبعضهم من أقدامهم يسحبون إلى النار .
42 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
43 - فحينئذٍ يقال لهم (هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) .
44 - (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا) يعني بين نار البراكين (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي وبين حممها وقتاً آخر . فكلمة "آن" هو الوقت . يعني في عالم البرزخ يُعذّبون في نار البراكين ، أما يوم القيامة يُعذّبون بنار الشمس المتقطّعة.
45 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ؟
46 - ثم أخذ سبحانه يصف ما أعدّه للمؤمنين المتقين فقال (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) وتجنب معاصيه (جَنَّتَانِ) إحداهما في عالم البرزخ وهي جنة المأوى ، والثانية يدخلها يوم القيامة وهي جنة الخلد .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |