كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
29 - (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ) أي قل لهؤلاء المشركين المعاندين إنّ القرآن حقّ وهو مُنزَل من ربّكم (فَمَن شَاءَ ) الإيمان (فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء ) الكفرَ (فَلْيَكْفُرْ) فإنّ الله لا ينفعهُ إيمان من آمَنَ ولا يضرّهُ كُفرُ مَن كَفَر (إِنَّا أَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ) أي للكافرين (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) أي دخانها ولهبها ، فشبّهَ إحاطة الدخان بهم كإحاطة السُرادق بالبيت ، والسُرادق هي الحُجُب الّتي تكون حول بيت الشَّعر ولها باب أي فتحة للدخول منها إلى البيت ، ومن ذلك قول جرير:
وسُفْيانُ خَوّاضٌ إلَى حَارَةِ الوَغَى وَلُوجٌ إذا ما هِيبَ بابُ السُّرادقِ
(وَإِن يَسْتَغِيثُوا ) من شِدّة العطش وحرارة النار (يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ ) أي كالزيت المغلي العكر (راشي) ، إذا أرادوا فصل الزيت عن تفلهِ يُغلى الراشي على النار فينفصل زيت السمسم عن تفله بالغليان (يَشْوِي الْوُجُوهَ ) أي يحرق الجهة الّتي يُلامسها من جلودهم وأمعائهم (بِئْسَ الشَّرَابُ ) ذلك الماء (وَسَاءتْ) تلك السُرادِق (مُرْتَفَقًا) أي متّكئاً لهم ، وهو ما يُتّكَأ عليه كالجدار والحجاب وغير ذلك . والشاهد على ذلك قول أبي ذؤيب :
نَامَ الْخَلِيُّ وَبِتُّ اللّيلَ مُرْتَفِقًا كَأَنَّ عَيْنِيَ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
30 - (إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) لهم عند ربّك جنّات (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) .
31 - (أُوْلَئِكَ) المؤمنون الصالحون (لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي سبعٍ في العدد (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) أي يلبسون حُليّاً في تلك الجنان وتلك الحُليّ أثيريّة نشأت في حُلي ذهبيّة ، ولذلك قال تعالى (مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) ، فلو أراد بذلك الأساور الذهبيّة المادّية لقال تعالى يُحلّون فيها أساور ذهبيّة ، فيكون الكلام أوجز ولم يكرّر كلمة "مِن" . وكذلك قوله تعالى (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) يعني ثياب أثيريّة نشأت في ثياب مادّية سُندسيّة ، والسندس نوع من نسيج الإبريسم والحرير وكذلك الإستبرق ويسمّى "ديباج" أيضاً ، وفي ذلك قال المرقّش :
تَرَاهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَشَاعِرَ مَرَّة وَإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا
(مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ) أي على الأسرّة ، "الأريكة" سرير مُزيّن فاخر وجمعه أرائك ، ومن ذلك قولُ الأعشى :
وسَبَتْكَ حِينَ تَبَسَّمَتْ بَينَ الأرِيكَةِ والسِّتارَهْ
(نِعْمَ الثَّوَابُ ) ثوابهم (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقًا) أي مُتّكَئاً لهم .
32 - (وَاضْرِبْ لَهُم ) أي للمشركين (مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ ) وهما من أولاد سبأ بن يشجُب بن يعرب بن قحطان ، وسُكناهما باليمن ، وكان أحدهما مُشرِكاً والآخر موحِّداً مؤمناً (جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) أي بستانين للمُشرك منهما (مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مُحيطاً بهما ،
ومن ذلك قول عنترة يصف بعض النساء :
حَفَّتْ بهنّ مَناصِلٌ وذَوابِلٌ ومَشَتْ بهنَّ ذَوامِلٌ ونَواجِ
يعني أحاط الرجال بهنّ يحرسونهنّ (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا ) أي بين الجنّتين (زَرْعًا) أي مزرعة .
33 - (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ) وافياً ، أي ما يؤكل منها وهو الثمر (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) أي لم تنقص منه شيئاً . (وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ) أي أجرَينا بين الجنّتين نهر ماء .
34 - ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) جمعَهُ من الجنّتين ليبيعهُ ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ ) المؤمن (وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) أي يُفاخِرهُ ويُجادِلهُ (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) أي أعزّ خدماً وأولاداً .
35 - (وَدَخَلَ) المشرك (جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) بإشراكه ومنع حقوق الفقراء من جنّتيهِ (قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ ) أي تتلف (هَذِهِ) الجنّة (أَبَدًا) .
36 - (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) يعني وما أظنّ أنّ قيامةً تقوم ويُحاسَب الناس ويجازَون على أعمالهم فيقولون أنفِقْ على الفقراء والله يعطيك في الجنّة (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ ) في الآخرة (خَيْرًا مِّنْهَا ) أي أحسن من هذه الجنّة (مُنقَلَبًا) يعني عند موتي ورجوعي إلى الآخرة ، كلاّ ما هذه إلاّ أقوال لا صحّة لها .
37 - (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ ) المؤمن (وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ) أي من عناصر أرضيّة بأن امتصّتها الأشجار من الأرض فصارت فاكهة وأثماراً فأكلها أبوك فصارت نطفة في صُلبهِ ثمّ تحوّلت إلى رحم اُمّك ثمّ خلقك بشراً سويّاً ، وهذا معنى قوله تعالى (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) .
38 - (لَّكِنَّا) أي لكنّني أعترف (هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ) .
39 - (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ) شكرتَ الله تعالى على ما أعطاك من النِعم لزادك نِعمةً و (قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) أي لا قوّةَ لي على تحصيل هذه الأثمار إلاّ بإرادة الله ومُساعدتهِ ، وكلمة "لا" من قوله (َلَوْلَا) نافية ، ومعناها لكنّك لم تشكر الله ولم تُخلص له بالعبادة بل أشركتَ معه الأصنام (إِن تُرَنِ ) يعني ألم ترني (أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ) وأشكر الله تعالى على ما أنعم به عليّ ولم أكفر ، وأنفِقُ على الفقراء في سبيل الله ولم أبخلْ .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |