كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
31 - لَمّا نزل قوله تعالى في سورة الزمر {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، قال بعض الصحابة يا رسول الله أيغفر الله الكبائر والصغائر؟ فنزلت هذهِ الآية (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) ، والمعنى : إن تجتنبوا الكبائر نكفّر عنكم الصغائر منها إن تُبتم ، يعني إنْ تبتم عن ذنبٍ صغير نقبلْ توبتكم ونغفرْهُ لكم ، وإنْ تبتم عن ذنبٍ كبير فلا نغفره لكم حتّى يقام عليكم الحدّ إن كان فيه حدّ وترجعوا أموال الناس وحقوقهم إن كنتم اغتصبتم حقوقهم ثمّ تتوبون فحينئذٍ نغفر لكم .
فالسارق يجب عليه أن يُعيد المال الذي سرقه إلى صاحبه ثمّ يتوب ، وعاقّ الوالدين يجب عليه أن يُرضي أبويه ثمّ يتوب ، وقاتل النفس يجب عليه أن يدفع ديتها ثمّ يتوب ، والذي يرمي الْمُحصنة بالفحشاء47 يجب عليه أن يطلب رضاها فيدفع لها الأموال أو يعمل معها معروفاً حتّى ترضى عليه وتغفر له زلّته ثمّ يتوب ، وشاهد الزور يجب عليه أن يعترف بالحقيقة أمام القاضي ثمّ يتوب ، وهكذا يجب على من ارتكب ذنباً من الكبائر أن يؤدّي حقوق الناس التي اغتصبها ثمّ يتوب فتُقبل توبتهُ ويُغفر ذنبهُ وإلاّ فلا .
والكبائر كلّ ذنب يُقام عليه الحدّ ، أو اغتصاب حقّ من حقوق الناس ، وأعظم الكبائر هو الإشراك بالله ، ومن الكبائر قتل النفس المؤمنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف الْمُحصنة بالزِنا وعقوق الوالدين والفرار من الحرب في قتال الكافرين والمشركين والملحدين ، والزِنا بامرأةٍ ذات زوج ، ومنع المرأة من الزواج ، والفتنة بين صديقين مؤمنين حتّى تكون بينهما عداوة ، وإيقاع الْمُحصَنة بالزِنا وغير ذلك من الذنوب (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ) اي مكاناً طيباً حسناً وذلك لِمن تجنّب الكبائر وتاب عن الصغائر .
32 - (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ ) من المال والنساء والأولاد والأنعام ( بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) يعني ما أعطى بعضكم فضلةً على بعض ، أي زيادة على غيره ، فلا تتمنّوا أن تكون تلك الفضلة لكم لأنّ هذا التمنّي نوع من الحسد (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ ) من تعب أيديهم وعرق جبينهم (وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) من أعمال أيديهنّ ، فاشتغلوا أنتم واكتسبوا ولا تتمنّوا وأنتم قعود بلا عمل (وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ ) فيعطيكم ولا تتمنّوا مال غيركم (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ ) من أمور دنياكم (عَلِيمًا) فيرشدكم إلى ما هوَ صلاحٌ لكم . وإلى ذلك أشار عُبيد بن الأبرص بقولهِ :
مَنْ يَسْـألِ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ وســــائِلُ اللهِ لا يَخـيبُ
بِاللهِ يُـدْرَكُ كُـلُّ خَـيْرٍ والقَـوْلُ في بعضِـهِ تَلغـيبُ
واللهُ ليسَ لهُ شَــريكٌ عـلاَّمُ مـا أخْفَـتِ القُلُـوبُ
وجاء في التوراة في الكلمات العشر [لا تشتهِ امرأةَ قريبكَ ولا حقلهُ ولا عبدهُ ولا أمَتهُ ولا ثورهُ ولا حمارهُ ولا كلّ ما لقريبكَ .]
33 - ( وَلِكُلٍّ) من الرجال والنساء (جَعَلْنَا مَوَالِيَ ) مفردها مولَى ، وهو الذي يتولّى أمرك ويقوم بإدارة شؤونك ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } . يعني هو سيّدكم والّذي يقوم برعايتكم ، ومِمّا يؤيّد هذا قول زكريّا كما في سورة مريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي } أي خفتُ من تكون له الولاية على الحُكم من بعدي . والمعنى : ولكلٍّ من الرجال والنساء جعلنا لهم ولايةً ورعايةً على حِصصهم من الميراث (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) من المال .
ثمّ أوصَى سُبحانهُ بالمماليك بأن يُعطوهم حقّهم إذا استعملوهم في تجارة أو صنعة أو حِرفة فقال (وَالّذينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ) من العبيد (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) من المال الذي اكتسبوهُ ، والمعنى : والّذينَ تعاقدتم معهم على تجارة يُتاجرون بِها لكم أو حرفةٍ أو عملٍ أو صنعةٍ يشتغلون بِها ويأتونكم بالمال الّذي يحصلون عليه فآتوهم نصيبهم منه كما تعاقدتم معهم ، فإن كنتم تعاقدتم معهم بالمناصفة فأعطوهم نصف المال وإن تعاقدتم معهم بالمثالثة فأعطوهم ثلث المال ولا تنقصوهم من حقّهم شيئاً (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) أي حاضراً يسمع ويرى فيعاقبكم في الآخرة إن لم تؤتوهم نصيبهم .
فالْمُعاقدة هيَ المعاهدة والمكاتبة ، ونظيرها في سورة النور قوله تعالى{وَالّذينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} . ويكون نصيب المماليك من أجرة عملهم النصف إن لم تعطِهِ رأس المال "صرماية" ولهم الثلث إن أعطيتهُ رأس المال وذلك في التجارة .
34 - جاء في كتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ما يلي :
"رجل من الأنصار أمر زوجته بشيء فعصت أمره فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي (ع) فقال أفرشتهُ كريمتي فلطمها ، فقال النبي : لتقتصّ منه ، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه ، فقال النبيّ : إرجعوا فهذا جبرائيل أتاني وأنزل الله هذه الآية ، فقال النبي : أردنا أمراً وأراد الله أمراً والّذي أراد الله خير ، ورفع القصاص .
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) مفردها قيِّم ، وهو الّذي يقوم بأمر الأيتام وشؤونهم ، والمعنى : الرجال قيّمون على النساء مسلّطون عليهنّ في التدبير والتأديب والتعليم (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) أي إنّما ولاّهم الله أمرهنّ لِما لهم من زيادة الفضل عليهنّ بالعِلم والعقل وحُسن الرأي (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) عليهنّ من المهر والنفقة (فَالصَّالِحَاتُ) منهنّ (قَانِتَاتٌ) لأزواجهنّ ، أي منقطعات عن غير أزواجهنّ ومطيعات لأزواجهنّ (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ ) يعني حافظات لأنفسهنّ وفروجهنّ (بِمَا حَفِظَ اللّهُ ) أي أمرهنّ الله أن يحفظنَ ، وذلك قوله تعالى في سورة النــور {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } ، (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) أن يزداد ، ونشوز المرأة عصيانها أمر زوجها ، ومن ذلك قول كعب بن زُهير :
رفيعِ المحالِ والضّلوعِ نَمتْ بهِ قَوائمُ عُوجٌ ناشِزاتُ الخَصَائلِ
والمعنى : إذا رأيتم من إحداهنّ إعراضاً عن أوامركم وخفتم أن يزداد هذا الإعراض فيؤدّي إلى سوء الحال (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ) إن لم تؤثّر فيهنّ الموعظة ، والمضجع هو فراش المنام وذلك بان تعزل فراشك عن فراشها ولا تجامعها لمدّة شهر أو شهرين أو ثلاثة ، ولا يجوز أن تهجرها أكثر من أربعة أشهر ، فإن رجعت عن غيّها وأطاعت زوجها فذلك المطلوب ، وإن لم تحصل نتيجة من الهجران فعليه أن يوجعها ضرباً ولكن على شرط أن لا يكسر عظماً ولا ينثر لحماً ولا يتلف حاسّةً من حواسّها أو عضواً من أعضائها ، وذلك قوله تعالى (وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ) فيما تأمروهنّ (فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) أي لا تطلبوا عليهنّ عِلَلاً بالباطل ، فالبُغْية هي الطلَب ، ومن ذلك قول الشاعر يصف الموت :
بَغَاك وَمَا تَبْغِيهِ حَتَّى وَجَدْتَهُ كَأَنَّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أَمْسِ مَوْعِدَا
(إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) فخافوهُ ولا تعتدوا عليهنّ إن أطعنكم .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |