كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
35 - (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ) واسمها حنّة بنت فاقوذا جدّة عيسى وزوجها عمران بن ماثان (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ) الذي حبلتُ بهِ بأن أجعلهُ (مُحَرَّرًا) أي معتوقاً خالصاً لطاعتك لا أستعمله في منافعي (فَتَقَبَّلْ مِنِّي ) نذري (إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ ) لِما أقوله (الْعَلِيمُ) بِما نويتُ .
36 - (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ) أي وضعت حملها رأتها اُنثى (قَالَتْ) حنّة (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى ) فكيف أجعلها تقوم في الكنيست مع الرجال (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ) وهذا إخبار منه تعالى بأنّه أعلم بوضعها لأنّه هو الذي خلقها وصوّرها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ) في المقارنة (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) لئلاّ يغويها .
37 - (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ) أي فتقبّل نذرها وهيّأ لها الأسباب كما ينبغي وإن كانت اُنثى (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ) أي جعل نشأها نشئاً حسناً لا مرض يرميها ولا عِلّة تبليها ، فلمّا كبرت وصار عمرها إثني عشر عاماً أتت بِها اُمّها إلى أحبار اليهود في بيت المقدس فقالت : "دونكم هذه النذيرة" ، فتنافسوا فيها فقال زكريّا : "أنا أحقّ بِها لأنّ خالتها زوجتي" ، فقالوا: "لا نقبل حتّى نقترع" ، فانطلقوا إلى نهر الأردن وهم تسعة وعشرون رجلاً فألقَوا أقلامهم في الماء على أنّ من ثبت قلمه في مكانه ولم يسرِ مع الماء فهو أولَى بِها ، فثبتَ قلم زكريّا فأخذها عنده وبنَى لَها غرفة في الكنيست بسلّم لا يصعد إليها غيره وبنَى لَها في الغرفة محراباً تتعبّد فيه ، وكان يأتيها بطعامها وشرابِها وجميع لوازمِها (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) أي صار كفيلاً بنفقتها (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) من الفاكهة ، كان بعض الأحبار والوعّاظ الّذينَ في الكنيست يرمون لَها من الفواكه فتأخذها (قَالَ) زكريّا (يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا ) يعني من أين لك هذه الفواكه (قَالَتْ) مريم (هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) يُحنّن قلوب ذوي النفوس الطاهرة فيأتون لي بِهذه الفاكهة (إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي بغير تقتير . إعلم أنّ النصارى لا يعرفون قصّة ولادة مريم ولا إسم أبيها مع أنّها اُمّ نبيّهم وقد جاء بِها القرآن مفصّلاً وهذهِ من معجزات القرآن .
38 - (هُنَالِكَ) أي عند ذلك الذي رآه زكريّا من أمر مريم (دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) أي صالحة (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ) أي تُجيب لِمن تلتفت إليه وتسمع دعاءه .
القصّة :
كانت امرأة زكريّا من نسل هارون وكانت كبيرة في السِنّ واسمها إليصابات وكانت عاقراً فاشتاق زكريّا إلى الولد فدعا ربّهُ ، فبينما كان زكريّا في الهيكل يبخّر البخور ويُصلّي ظهر له جبرائيل واقفاً عن يمينه فلمّا رآه زكريّا خاف منه ، فقال : "لا تخف يا زكريّا لأنّ طلبتك قد سُمِعَتْ وامرأتك ستلد لك ابناً وتسمّيه يوحنّا" ، هذا في اللّغة العِبريّة ، ومعناهُ في العربيّة يحيى
39 - (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ ) نداءً خفيّاً وجبرائيل كلّمه علناً (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ) الذي في بيت المقدس (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ ) أي أنّ الله يبشّرك بولد ستلده لك زوجتك يكون اسمُهُ يحيى فهو يصدّق المسيح الذي هو كلمة من الله .
كان المسيح في السماء يُكنّى كلمة الله وكان في الملائكة من قسم جبرائيل أي من نوع الروح فكما كان جبرائيل يسمّى الروح الأمين كذلك المسيح أيضاً روح ، ولذلك قال الله تعالى في سورة النساء {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } أي نزلت تلك الروح إلى الأرض من عنده ، يعني من السماء فدخلت جسم الجنين الذي تكوّن في رحم مريم فكان المسيح ، ولَمّا ماتَ رجعت تلك الروح إلى السماء 131، وقوله (وَسَيِّدًا) وسيكون سيّداً على قومه (وَحَصُورًا) أي يحصر نفسَهُ عن الشهوات ، وفي ذلك قال الأخطل :
وشارِبٍ مُرْبِحٍ بالكَأسِ نادَمَني لا بالحَصُورِ، ولا فِيها بسَوَّارِ
عذْراءَ لمْ يجْتَلِ الخُطّابُ بهجَتَها حتّى اجْتلاها عِبادِيٌّ بِدِينارِ
وقال الآخر:
وَحَصُورٌ عَنِ الْخَنَا يَأْمُرُ النَّا === سَ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالتَّشْمِيرِ
(وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) في أعمالهم وأقوالهم .
40 - (قَالَ) زكريّا (رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ) أي كيف يكون لي ولد (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) أي بلغتُ سِنّ الشيخوخة (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ ) الملَك (كَذَلِكَ) أي كما قلتُ لك يكون (اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ) لا يعجزهُ شيء .
41 - (قَالَ) زكريّا (رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً ) يعني علامة على ذلك (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ) يعني العلامة على أنّ زوجتكَ قد حبَلتْ أنّك لا تستطيع الكلام (ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا ) يعني بالإيماء والإشارة (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا ) بالحمد والثناء (وَسَبِّحْ) لهُ (بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) يعني على الدوام .
42 - (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ ) أي اختاركِ لعبادتهِ (وَطَهَّرَكِ) من أعمال الشرك (وَاصْطَفَاكِ) لولادة المسيح عيسى (عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) في زمانكِ .
43 - (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ) أي انقطعي إليهِ في الطاعة والعبادة (وَاسْجُدِي) أي انقادي لأوامره ، فكلمة "سجود" تكون مرّةً بمعنى الانقياد والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النحل {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ } ، فكلمة "ما" تُستعمَل لغير العاقل ، والمعنى : تنقاد الدوابّ للغريزة التي غرزها الله فيها . وقوله (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) لأنّ صلاة اليهود فيها ركوع وليس فيها سجود .
------------------------------------131 :ولذلك قال المسيح : "وما صعد أحد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء" إنجيل يوحنّا 3: 13![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |