كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
35 - (وَإِنْ خِفْتُمْ ) أيها القُضاة (شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ) أي بين الزوج والزوجة ، يعني إن علمتم بينهما شقاقاً وخفتم أن يزداد الشقاق فيسوء الحال بينهما (فَابْعَثُواْ) إليهما (حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ ) أي من أهل الزوج (وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ) أي من أهل الزوجة فيقيمان معهما في الدار بضعة أيّام ليطّلعا على أعمال الزوج والزوجة ويحكما بعد ذلك على الْمُعتدي منهما فيؤنّبوهُ وينصحوهُ كي يُصلح أعمالهُ مع زوجته ويترك عاداتِهِ السيّئة ليصطلح الحال ويرتاح البال (إِن يُرِيدَا) الحكَمان (إِصْلاَحًا) بين الزوجين بأن ينصحوهما ويُرشدوهما إلى حسن المعاشرة وترك الشّقاق والمشاجرة (يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا ) أي بين الزوجين بالصُلح (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا ) بالظواهر (خَبِيرًا) بالبواطن .
36 - ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ ) وحدهُ (وَلاَ تُشْرِكُواْ ) في العبادةِ (بِهِ شَيْئًا ) من المخلوقين والمخلوقات فلا تعبدوا الملائكة ولا الأنبياء ولا الأئمّة ولا المشايخ ولا قبورهم ، بل اجعلوا أعمالكم خالصة لوجه الله (وَ) أحسِنوا (بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) بالقول والعمل (وَبِذِي الْقُرْبَى ) أي الأقرباء منكم (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ) أي جارك القريب منك في الجوار (وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) اي جارك الغريب الّذي نزلَ قرب بيتك وجاورك ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
فَابْكِي أخاكِ لأيْتامٍ وأرْمَلَة ٍ وابْكِي أخاكِ إذا جاوَرْتِ أجْنَابَا
وقال الأعشى :
وَجارَةَ جَنبِ البَيتِ لا تَبْغِ سِرَّها فَإِنَّكَ لا تَخْفَى عَلَى اللهِ خافِيَا
وقال علقمة يخاطب الحارث :
فَلا تَحْرِمَنِّي نائِلاً عنْ جَنابَةٍ فإِنّي امْرُؤٌ وَسْطَ القِبابِ غَرِيبُ
(وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ) يعني رفيقك في سفرك والعامل في مصنعك والحارث في زرعك والفلاّح في بستانك والراعي في مواشيك وغيرهم مِمّن يعمل عندك (وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي المسافر ، يعني الغريب المنقطع يجب عليك أن تحسن إليه وتكرمه ، وكذلك الضيف فإنه مسافر عن أهله فيجب عليك أن تُكرمهُ وتُحسن إليه ، ومدّة الضيافة ثلاثة أيام وبعدها يأكل صدقة (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) من المماليك والخدم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً ) أي متكبّراً على العمّال والخدم وغيرهم (فَخُورًا) على الناس بِما أوتي من المال .
37 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ البُخلاء فقال (الّذينَ يَبْخَلُونَ ) بأموالهم على الفقراء والمحتاجين (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) ليقتدوا بِهم (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) يعني إذا جاءهم سائل يسألهم شيئاً من مالهم اعتذروا له وقالوا ليس عندنا شيء لنعطيك ، أولائك لهم عذابٌ في الآخرة (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ) بنعمةِ الله (عَذَابًا مُّهِينًا ) أي عذاباً ذا إهانة .
38 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ المنافقين الْمُرائين فقال (وَالّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ ) أي مُراآةَ الناس (وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ) الّذي يُثاب فيه الْمُحسن ويُعذّب فيهِ الْمُسيء فيكون الشيطان قرينهُ بعد الموت (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا ) أي بئسَ القرين قرين السُّوء . والقرين هو الّذي يكون معك على الدوام ، والشاهد على ذلك قول عديّ بن زيد :
عَنِ المَرءِ لا تَسأَلْ وأبْصِرْ قَرينَهُ فَكُلُّ قَرينٍ بِالْمُقارِنِ يَقتَدي
39 - (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ ) من ضرر (لَوْ آمَنُواْ ) يعني لا ضررَ عليهم لو آمَنوا وإنّما الضرر على ما هم عليهِ من الكفر والإشراك ، ولو أنّهم آمَنوا (بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ138 وَأَنفَقُواْ ) في سبيل الله (مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ ) لكان خيراً لهم (وَكَانَ اللّهُ بِهِم ) أي ببُخلهم (عَلِيمًا) فلذلك لا يهديهم الله إلى طريق الحقّ لأنّهم بخلاء والله يكره كلّ بخيل .
40 - (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ ) أحداً قطّ (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) أي زِنة ذرّة ، وهي جزء من أجزاء الهباء (وَإِن تَكُ ) مثقال ذرّة (حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) لصاحبها ، أي يزيدها لهُ فيعطيه أجرهُ في الدنيا والآخرة (وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ ) أي من عنده لصاحب الحسنة (أَجْرًا عَظِيمًا ) في الآخرة .
41 - (فَكَيْفَ) يكون حال البخلاء والكافرين في ذلك اليوم (إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) يشهد عليها بِما صدرَ منها من كفر وإشراك وتكذيب للرُسُل ، والشهيد نبيّها (وَجِئْنَا بِكَ ) يا محمّد (عَلَى هَـؤُلاء ) الكافرين من أمّتك (شَهِيدًا) تشهد عليهم يوم القيامة .
42 - (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الّذينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ ) فيختفون في كهوفها ومغاراتها وقبورها كما كانوا مختفين قبل تمزّقها ، فالتسوية هيَ التحام أجزاء الأرض بعضها ببعض فتعود كما كانت ، ومن ذلك قول الخنساء :
قالوا ابنُ اُمّكِ ثاوٍ بِالضّرِيحِ وَقَدْ سَوَّوْا عَلَيهِ بِألْواحٍ وَأحْجارِ
(وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ) إذا سألوهم عنهُ ، وذلك لأنّ الأرض تتمزّق يوم القيامة فتنتشر النفوس في الفضاء ولا يبقى لهم مكان يختفون فيه عن الأنظار ، فإذا صار وقت الحساب تمنّوا أن تعود الأرض كما كانت فيختفون فيها عن الملائكة .
43 - جلس اثنان من المسلمين في المسجد يتحدّثان ليلاً وكان أحدهما نَعِساً ، فجاء رجل آخر وأخذَ يُصلّي قريباً منهما فقرأ في صلاته {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، فقال الجالس لرفيقه النعِسْ هل تحفظ هذه السورة؟ فقال نعم ، وأخذَ يقرأ : يا أيّها الكافرون أعبدُ ما تعبدون . فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى ) من النعاس139 ، والمعنى : لا تجلسوا في المسجد قرب المصلّين وأنتم سُكارى من شِدّة النعاس ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
وَفِتيانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِسُحرَة ٍ فقامُوا جَمِيعاً بَيْنَ عاثٍ وَنَشْوَانِ
والنشوان هو السكران ، يعني بعَثَهم وهم سكارى من النعاس (حَتَّىَ) معناها كي (تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) أي كي تعلموا ما تقرؤون . فقد روي عن عائشة عن النبيّ (ع) أنّه قال : "إذا نعس أحدكم وهو يصلّي فلينصرف لعلّه يدعو على نفسه وهو لا يدري ." فالنعسان كالسكران ، وقد يكون الإنسان سكرانا من الهموم أو العذاب ، فقد قال الله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ، ويُقال للغافل أنتَ سكران ، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الحجر {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } يعني في غفلتهم يتردّدون (وَلاَ) تجلسوا في المساجد (جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ) فلا بأس من ذلك ، يعني إن كان للمسجد بابان وأراد أحدكم أن يعبر الطريق فيدخل من هذه الباب ويخرج من تلك وهو مجنب فلا إثم عليه ، أمّا الجلوس في المسجد فلا يجوز لِمن كان مُجنباً (حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ ) بالماء عن حدث الجنابة فحينئذٍ لا بأس عليكم من الجلوس في المساجد .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ الحكم في ذلك عند فقدان الماء وحكم المريض الذي يضرّه الماء فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى ) بمرض يضرّ معه الماء (أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) أي مسافرين ولم تجدوا ماءً في الطريق (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ ) الغائط هو المكان المنخفض من الأرض ، وهوكناية عن قضاء الحاجة ، لأنّ الإنسان إذا أراد أن يرمي ما في بطنهِ من قذارة يجلس في مكان منخفض إذا كان في الصحراء ليحتجب عن الأنظار ، والشاهد على ذلك قول حسّان :
أباحَ لَها بِطْرِيقُ فارِسَ غائِطاً لَهُ مِنْ ذُرى الجَوْلانِ بَقْلٌ وَزاهِرُ
و"جَولان" إسم جبل ، وقال الحُطيئة يصف حمار وحش :
أوْ فوق أخنسَ ناشطٍ بشقيقة ٍ لَهَقٍ بِغَائِطِ قَفْرَة ٍ مَحْبُورِ
(أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ) المراد به الجِماع بدون إنزال ، يعني من جامع زوجته ولم يخرج منه مني وجب عليه الغُسل أيضاً (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء ) لتغتسلوا وتتطهّروا (فَتَيَمَّمُواْ) أي فاقصِدوا واختاروا ، والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّهَا وَأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْ فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
وقال الأعشى :
تَيَمّمْتُ قَيْساً وَكَمْ دُونَهُ مِنَ الأرْضِ مِنْ مَهْمَه ٍ ذِي شَزَنْ
(صَعِيدًا طَيِّبًا ) أي طاهراً من الأقذار ، والصعيد وجه الأرض ، يعني المكان المرتفع منها (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) من ترابهِ ، وذلك بأن تبسط كفّيك وتضرب التراب مرّةً وتمسح بِها وجهك وضربة ثانية تمسح بِها يديك (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا ) بالترخيص لكم والتيسير (غَفُورًا) عن الخطأ والتقصير . وعند حضور الماء يبطل التيمّم إلاّ المريض الذي يضرّه الماء ، وإذا كنت جُنُباً وجلست [ أي استيقظت من نومك ] متأخّراً وقد ضايقك الوقت لصلاة الصبح وكان الوقت شتاءً فلا تغتسل بالماء البارد فتعرّض نفسك للمرض فتوضّأ وصلِّ قبل فوات الوقت ثمّ سخّن الماء واغتسل عن الجنابة ، وإذا كان في وجهك جرح يضرّه الماء فتيمّم وصلِّ وإذا كان الجرح في إحدى يديك أو رجليك فتوضّأ وامسح فوق الضماد الذي على الجرح وصلِّ .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |