كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
38 - ولَمّا أراد النبي (ع) أن يذهب إلى غزوة تبوك وأمرَ أصحابهُ بالتأهّب للخروج تثاقل بعض المسلمين وشقَّ عليهم ذلك لبُعدها ولشدّة الحرّ إذ كان الوقتُ صيفاً ، فنزلت هذه الآيات (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ ) إلى الجهاد (فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) أي تثاقلتم ومِلتم إلى الإقامةِ في الأرض الّتي أنتم عليها (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ) يعني آثرتم الحياة الفانية على الآخرة الباقية (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .
39 - (إِلاَّ تَنفِرُواْ ) يعني لئن لم تخرجوا إل الجهاد (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) بالفقر والذلِّ والمرض ثمَّ القتل أو الموت (وَيَسْتَبْدِلْ) بعد ذلك (قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) مطيعين (وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا ) بقعودكم عن القتال بل تضرّون أنفسكم بما يفوتكم من الغنيمة في الدنيا والثواب في الآخرة (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يعني على استبدالكم بغيركم قدير .
40 - (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ) يعني إنْ لم تنصروا النبيّ بالجهاد فقد نصرهُ الله في بادئ الأمر وسينصرهُ إلى الآخر (إِذْ أَخْرَجَهُ الّذينَ كَفَرُواْ ) من داره بمكّة وهما (ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) النبيّ وأبي بكر (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ ) محمّد (لِصَاحِبِهِ) أبي بكر (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) بالمحافظة والنُصرة (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ ) أي الإطمئنان (عَلَيْهِ) يعني على رسولهِ (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ ) من الملائكة (لَّمْ تَرَوْهَا ) لأنَّها روحانيّة (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ) يعني جعل كلمتهم خاسرة لم تنجح خطَّتهم (وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) يعني هي الكائنة الناجحة (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينتقم من أهل الشِرك (حَكِيمٌ) في تدبيرِه .
لَمّا دخل النبيّ الغار ومعه أبو بكر أرسل الله العنكبوت فنسجت بيتاً على باب الغار وجاءت حمامة وباضت عند باب الغار ، فلمّا جاء سُراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال لو دخلهُ أحدٌ لانكسرَ البيض وتفسَّخَ بيت العنكبوت فانصرف . وقال النبيّ : "اللَّهم أعمِ أبصارهم عنّا" ، فعَمِيَتْ أبصارهم عن دخول الغار وصاروا يضربون يميناً وشمالاً حول الغار .
41 - (انْفِرُواْ) إلى الحرب وقتال المشركين ، ومعنى إنفروا : هيجوا ، ثوروا ، قوموا ، يقال "نفرَتْ الدجاجة" ، أي قامت من مكانها وتركت كُرْكَها {أي سباتها} وقولهُ (خِفَافًا وَثِقَالاً ) أي خفافاً عن الحديد أو مُثقلين بالحديد ، وهو ما كان يُستعمل للحرب كالدروع والخُوذ والتروس وغير ذلك ، والمعنى : لا يمنعْكم قِلَّة السلاح عن الخروج للقتال فإنَّ الله ينصركم ولو قاتلتم بالحجارة دون السلاح (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ ) الجهاد (خَيْرٌ لَّكُمْ ) عند الله من القعود عن الجهاد (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر في الآخرة .
42 - ثمّ أخبرَ الله تعالى عن سبب تثاقلهم وقعودهم عن الجهاد فقال (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا ) "العَرَض" هو المال ، والمعنى : لو كان ما دعوتَهم إليهِ غنيمة قريبة تنالها أيديهم (وَسَفَرًا قَاصِدًا ) أي صالحاً فيهِ مطامع وأرباح مادّية (لاَّتَّبَعُوكَ) فيما دعوتهم إليه طمعاً في المال (وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) أي بَعُدَتْ عليهم المنطقة الّتي تقصدونها وطول المسافة يشقُّ عليهم ، ومن ذلك قولُ امرئ القيس :
ماذا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ ظُعُنٍ إلا صِبَاكَ وقِلَّةُ العَقْلِ
وقال لبيد يصفُ إبِلاً :
رَحَلْنَ لشُقَّةٍ وَنَصَبْنَ نَصْباً لِوَغْراتِ الهواجِر والسَّمُومِ
وهي غزوة تَبوك اُمِروا فيها بالخروج من المدينة إلى الشام (وَسَيَحْلِفُونَ) لكم (بِاللّهِ) قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) إلى القتال . ثمّ أخبرَ الله تعالى عنهم بأنّهم كاذبون في يمينهم فقال (يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ) في جهنّم بسبب اليمين الكاذبة والعذر الباطل وما اعتادوهُ من النفاق (وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) في عذرهم
،
قال بعض المفسّرين أنَّ آية (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً ) منسوخة بآية {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى } يعني ليس عليهم حرج في التأخير عن القتال .
أقول لا تناسخ بالأحكام في الآيتين وإنّما أرادَ بالأولى جميع من يستطيع القتال ، وخصَّ بالثانية الضعفاء والمرضى ، فقد أباح لهم القعود عن القتال .
43 - (عَفَا اللّهُ عَنكَ ) يا محمّد (لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) في الانصراف ، يعني لهؤلاء المنافقين الّذينَ استأذنوهُ في القعود عن القتال بأعذار كاذبة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الّذينَ صَدَقُواْ ) منهم (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) منهم أيضاً .
44 - (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ) في التخلّف والقعود عن الجهاد (الّذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) مِنْ (أَن يُجَاهِدُواْ ) معك (بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) .
45 - (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ) في القعود المنافقون (الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) بكثرة الشك (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ ) أي في شكّهم (يَتَرَدَّدُونَ) أي يتقلّبون . فالريب معناهُ الشكّ ، ومن ذلك قول عنترة :
يرَونَ احتِمالي عِفّةً فيُريبُهم توفّرُ حِلمِي أنّني لستُ أغْضَبُ
46 - (وَلَوْ أَرَادُواْ ) أي المنافقون (الْخُرُوجَ) مع النبيّ للقتال (لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ) أي لهيّأوا له أسباب الحرب ولكنهم لم يتهيّأوا له (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ ) مع المؤمنين إلى القتال لِما عَلِمَ في قلوبهم من نفاقٍ وخيانة (فَثَبَّطَهُمْ) أي وقَّفهم عن الخروج ، والمعنى : جعل في نفوسهم الكسل وفي قلوبهم الخوف فتوقفوا عن الخروج (وَقِيلَ) لهم (اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ) في بيوتكم مع النساء والصبيان .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |