كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
58 - (أُوْلَئِكَ الّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم ) بالنبوّة والعِلم والمال والأولاد ، يعني هؤلاء الّذينَ سبق ذكرهم (مِّنَ) جُملة (النَّبِيِّينَ) الّذينَ لم يأتِ ذكرهم في هذه السورة . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يُبيّن أنساب هؤلاء الأنبياء إلى مَن ينتمون فقال تعالى (مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ) . وقد بيّنتُ فيما سبق بأنّ البشر الّذينَ هم على أرضنا من أربعةِ آباء أحدهم أبونا آدم ، فلذلك قال تعالى (مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ) ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ من أيّ أولاد آدم هم فقال (وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ) في السفينة ، يعني هم من أولاد نوح ، وإنّما لم يقل من ذرّية نوح : أراد بذلك أولادهُ الثلاثة الّذينَ ركبوا معه ، وليسوا من ذُرّية كنعان الّذي بقي مع الكافرين وغرقَ معهم .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ مَن مِنهم من ذرّية إبراهيم ومَن هو من ذرّيةِ يعقوب فقال تعالى (وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب وهو المكنّى بإسْرائيل ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ مَن منهم مِن أولاد يعقوب فقال (وَإِسْرَائِيلَ) وهم موسى وهارون وزكريّا ويحيى وإدريس وعيسى واُمّه مريم ، وعددهم أحد عشر الّذينَ ذكرهم الله تعالى في هذه السورة . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يصف غيرهم من الهُداة والأنبياء والصالحين باختصار فقال تعالى (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ) إلى طريق الحقّ (وَاجْتَبَيْنَا) أي واخْتَرْنا للنبوّة والرسالة (إِذَا تُتْلَى ) أي تُقرَأ (عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن ) المنزَلة في الكتب السماويّة (خَرُّوا سُجَّدًا ) لله (وَبُكِيًّا) أي يبكون خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب .
59 - (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ) طالح (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ) بتركها (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ) بالمواظبةِ عليها وعصَوا أمرَ ربّهم (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ ) في الآخرة (غَيًّا) أي شرّاً وخيبةً .
60 - (إِلَّا مَن تَابَ ) عن سيّئاتهِ (وَآمَنَ) بالله وحده لم يُشرك بهِ شيئاً (وَعَمِلَ صَالِحًا ) في حياته قبل مماتهِ (فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) بعد موتهم (وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) بنقصٍ من ثوابهم .
61 - (جَنَّاتِ عَدْنٍ ) أي سبع في العدد (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ ) بها (عِبَادَهُ) المؤمنين (بِالْغَيْبِ) أي بما غابَ عنهم رؤيتها فصدّقوا بها (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) أي آتياً لا خُلفَ فيه .
62 - (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا ) أي في الجنان (لَغْوًا) أي فُحشاً ولا كذِباً ولا شَتماً (إِلَّا سَلَامًا ) من الملائكة ومن بعضهم لبعض (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) هذا مثَل يُضرَب عند العرب بقولهم "بُكرةً وعشيّاً " ومعناهُ على الدوام متَى شاؤوا أكلوا من أثمار الجنّة .
63 - (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ) يعني نجعلها إرثاً للمتّقين من عبادنا ، ومعنى الإرث هو المال الّذي ينتقل بالميراث من شخص إلى آخر . وقد قلتُ فيما سبق بأنّ الجنّة وليدة أرضنا وأشجارها وليدة أشجارنا وأمتعتها وليدة أمتعتنا الّتي على الأرض ، لأنّ المادّيات هي قوالب للأثيريّات ، فكلّ شيء مادّي يتلاشَى ، ويبقَى كلّ أثيري فتأخذهُ الملائكة إلى الجنان الأثيريّة ، فالكافرون لهم أموال في الدنيا من بساتين وأملاك وأثاث وغير ذلك ، فما كان للكافرين في دار الدنيا يكون إرثاً للمؤمنين في الجنّة ، يعني الأثيري منها لا المادّي .
64 - لَمّا نزل جبرائيل بالوحي بعد انقطاعهِ خمسة عشر يوماً ، قال له النبيّ (ع) : " أنسِيتنا يا جبرائيل؟ " فأجاب (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) يعني الأرض الّتي هيَ ما بين يديهِ (وَمَا خَلْفَنَا ) أي السماوات الّتي خلّفها وراءهُ عند نزولهِ (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) يعني وكلّ شيء بين الأرض والسماوات فهو مُلكهُ وتحتَ تصرّفه فلا يمكننا أن نفعل شيئاً باختيارنا إلاّ بأمرٍ منهُ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ ) يا محمّد (نَسِيًّا) فإنّ الله لم ينسَكَ ولكن أخّرَ عنك الوحي لأنّك لم تقل إن شاء الله آتيكم بالجواب لَمّا سألوك عن قِصّةِ أصحاب الكهف وقصّة ذي القرنين .
65 - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي ربّ الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (وَمَا بَيْنَهُمَا ) من أقمار وشُهُب ونيازك (فَاعْبُدْهُ) يا محمّد (وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ) أي صبّر نفسك وعوّدها على عبادتهِ (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) يقوم بأعماله ؟ يعني : هل تعلم أحداً من الّذينَ يُسمّونهم آلهة يقوم بأعمال كأعمال الله فيخلق ويرزق ويُحيي ويُميت غير الله وحده ؟
66 - (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ ) الكافر المنكر للبعث والحساب (أَئِذَا مَا مِتُّ ) يعني إذا متّ وصرتُ ترابا وعظاماً (لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) من قبري ، ومعناه هذا أمرٌ لا يكون أبداً . وإنّما أنكروا البعث والحساب لظنّهم أنّ البعث يكون للأجسام فلذلك أنكروه ، فلو علموا أنّ البعث للنفوس وعلموا حقيقتها لكان المحتمَل لم ينكروا البعث والحساب ، وإنّ الله تعالى لم يوضّح لهم عن ذلك ليرى من يؤمن بالغيب ومن يكفر وينكر البعث فيجازيهم على ما يستحقّون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طـ ه {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } .
67 - (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ ) المنكِر للبعث ، يعني ألا يتذكّر خِلقتهُ (أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) يُذكَر ، فيستدلّ بالابتداء على الإعادة ؟
68 - (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) أي نجمع المشركين مع شياطينهم الذين أغوَوهم (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي يدورون حولها ، لأنّهم لا يهتدون إلى طريق الخروج منها والتخلّص من جاذبيتها ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحج {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أُعيدوا فيها} . وجهنم هي الشمس ، والجِثوة هي الجماعة ، يعني نحضرهم جماعاتٍ وأفواجاً .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |