كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 73) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

73 - جاء وفد ثقيف إلى النبيّ (ع) وقالوا "أجّلنا بضعةَ أشهر حتّى نقبض ما يُهدَى لآلهتنا فإذا قبضنا الهدايا كسّرناها وأسلمنا يعني نترك أصنامنا فلا نحطّمها حتّى نقبض ما يُهدى إلينا في الوقت المقرّر للهدايا ، فإن سألت العرب عن سبب تأجيلها فقل الله أمر بذلك" . فنزلت هذه الآية (وَإِن كَادُواْ ) المشركون (لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) أي قارَبوا أن يوقعوك في الفتنة ويصرفوك عن الأمر الّذي أوحينا بهِ إليك (لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ) فتقول الله أمرَ بذلك (وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ) يعني لو فعلت ما طلبوا منك من التأجيل لاتّخذوكَ صديقاً لهم وحبيباً لأنّك تعطيهم ما أرادوا .

74 - (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ) على طريق الحقّ والرُشد (لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ) يعني لقد قاربتَ أن تميل إلى قولهم وتعطيهم مُهلة أقلّ ممّا طلبوا منك .

75 - (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) يعني لو أعطيتهم ما سألوا لعذّبناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات (ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) يعني ثمّ نرفضك فلا أحد ينصرك ويساعدك .

76 - ذهبَ عبد الله بن اُبيّ رئيس المنافقين إلى بني قُريظة من اليهود الّذينَ يسكنون مدينة يثرب فتشاورَ معهم ضِدّ النبيّ وعملوا مكيدة وقال لهم تحالَفوا مع قريش على حرب محمّد لنخرجهُ من أرضنا بالأسرِ أو القتل . فأخبر الله رسوله بذلك ليأخذ الحذر منهم ونزلت هذه الآية (وَإِن كَادُواْ ) لك المنافقون (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) بكيدهم ، أي ليؤذوك ويُزعجوك ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :

                             وأفنَى رِجالي فبادُوا معاً      فأصبحَ قلبي بِهم مُسْتَفَزّا

وقال الأعشى :
                      وقَدْ يَئِسَ الأعْداءُ أنْ يَسْتَفِزَّنِي      قِيامُ الأُسُودِ وَثْبُهَا وزَئِيرُهَا

(مِنَ الأَرْضِ ) أي من أرض المدينة (لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ) بالحرب والأذى (وَإِذًا) يعني لو فعلوا ذلك (لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ ) أي بعد خروجك من المدينة (إِلاَّ قَلِيلاً ) يعني إلاّ أيّاماً قليلة ثمّ نُهلكهم إمّا بالطاعون وإمّا بالزلزال وإمّا بالقتل .

77 - (سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ) يعني لم نُرسلْ قبلك من رسول فأخرجهُ قومه إلاّ أهلكناهم (وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ) يعني لا تجد لمنهجنا تبديلاً .

78 - (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) أي من وقت دلوك الشمس (إِلَى غَسَقِ اللّيل ) يعني ظلام اللّيل ، فدلوك الشمس هو زوالها وقت الظهر ، والشاهد على ذلك قول الراجز :

                                 هذا مَقامُ قَدَمَي رَباحِ      لِلشَّمْسِ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ

ويُريد بذلك صلاة الظهر ، وغسق اللّيل صلاة العشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني تقرأ القرآن وقت الفجر بعد الصلاة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) أي القراءة للقرآن وقت الفجر (كَانَ مَشْهُودًا ) أي يشهدُ بعض المشركين بصحّتهِ ويحضرون لاستماعهِ ويؤمنون بهِ ، لأنّ الناس نائمة في ذلك الوقت والأصوات هادئة فالمستمِع لهُ يتقبّلهُ وينصت لهُ .

79 - (وَمِنَ اللّيل ) يعني ساعات من اللّيل ، ويُريد أوّلهُ (فَتَهَجَّدْ بِهِ ) أي بقراءة القرآن ، والمتهجّد الّذي ترك الهجود أي ترك النوم ، فالهجود هو النوم ، والشاهد على ذلك قول عنترة :

                              هلْ عِيشَةٌ طابَتْ لَنَا إلا وقدْ      أبْلَى الزمانُ قديمَها وجدِيدَها
                                 أوْ مُقْلَةٌ ذاقَتْ كَرَاهَا لَيْلَةً      إلا وأعْقَبَتِ الخُطُوبُ هُجُودَها

وقال الحُطيئة :
                            ألا طَرَقَتْنَا بعدَ ما هَجَدُوا هِنْدُ      وقَدْ سِرْنَ خَمْساً واتْلَأَبَّ بِنَا نَجْدُ

والمعنى : ساهِرْ ساعات من أوّل اللّيل واقرأ فيها من القرآن (نَافِلَةً لَّكَ ) أي زيادةً على قراءتهِ وقت الفجر (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ ) في الآخرةِ (مَقَامًا مَّحْمُودًا ) تحمدهُ وتشكرهُ على ذلك العطاء . ومِثلها في سورة الضُحى قوله تعالى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } .

80 - (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي) مدينة يثرب (مُدْخَلَ صِدْقٍ ) أي إدخالاً مَرْضِيّاً لا أرى فيه ما أكره (وَأَخْرِجْنِي) من مكّة (مُخْرَجَ صِدْقٍ ) لا أندم بعد ذلك على خروجي منها (وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ) أي اجعل لي سُلطة وقوّة تنصرني بها على الأعداء .

81 - (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ ) أي دِين الحقّ ، وهو دِين الإسلام (وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ) يعني ذهبَ الباطل وتلاشَى ، وهو دين الشِرك (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) أي مُضمحِلاً ذاهباً ، ومن ذلك قول جرير: 

                              إنّ أبا مَنْدُوسَةَ المعَرَّقَا      يومَ تَمنَّانا فكان الْمُزْهَقَا
                       لاقَى مِنَ الموتِ خليجاً مُتْأَقَا      لَمّا رَأَوْنَا والسُّيُوفَ البُرَّقَا

وقد سبق شرح كلمة الإزهاق في سورة التوبة أيضاً عند قوله تعالى {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } .

82 - (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ) للأمراض النفسيّة والأخلاق الذميمة (وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) لأنّهم يدخلون الجنّة باتّباعهم للقرآن والعمل بأحكامهِ (وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ) لأنّهم لا يؤمنون بهِ فيخسروا آخرتهم .

83 - (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ ) بنِعم الدُنيا (أَعْرَضَ) عن ذِكر الله والقيام بالشكر لهُ (وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) أي ابتعدَ عن المساجد ومحلاّت العبادة ولازمَ محلات الاُنس والطرب (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ) من مرض أو فقر أو سجن أو غير ذلك من شدائد الدنيا (كَانَ يَؤُوسًا ) أي يئسَ من رحمة الله

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم