كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
80 - (وَقَالُواْ ) علماء اليهود (لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ) يعني لا يكون عذابنا في جهنّم إلاّ أياماً قلائل ، وهي سبعة أيام ، على عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل ، لأنّ موسى وعدهم ثلاثين يوماً ، ولَمّا لم يعد انتظروه ثلاثة أيام اُخرى ثمّ صنعوا العجل وعبدوه سبعة أيام ورجع موسى عند انتهاء الأربعين ، وقالوا أيضاً أنّ عمر الدُنيا سبعة آلاف سنة وقد جعل الله لكلّ ألفٍ منها يوماً من تلك الأيام السبعة للتعذيب (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء اليهود (أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا ) بأن لا يعذّبكم إلاّ سبعة أيام ، فإن كان ما تزعمون (فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ) يعني إنّ الله تعالى إذا عاهد أحداً لا يخلف ما وعد بهِ ولكنّه لم يعاهدكم بذلك بل دعوى تدّعونَها وأمانيّ تُبدونَها (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) من الحقائق من شيء بل هي ظنون وأماني .
81 - (بَلَى) تمسّهم النار ويُعذّبون فيها كلٌّ على مقدار خطيئتهِ ، وليس الأمر على ما زعموا بأنّ العذاب سبعة أيّام (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) يعني ذنباً (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ ) يعني واظبَ عليها ولم يتبْ إلى الله منها (فَأُوْلَـئِكَ) المواظبون على الخطايا (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي باقون دائمون .
فالسيّئة من الصغائر وليست من كبائر الذنوب ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } يعني إن تجتنبوا الكبائر من الذنوب نغفر لكم الصغائر إنْ تُبتم . فقوله تعالى (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) يعني من كسب ذنباً من العلماء ، لأنّ الآية وإن كانت خاصّة بعلماء اليهود ولكن تشمل علماء النصارى وعلماء المسلمين أيضاً ، والمعنى : إنّ العلماء إذا أذنبوا ذنباً وإن كان صغيراً فإنّهم يستحقّون عليهِ العذاب ، لأنّ حُكم العالِم غير حُكم الجاهل ، فالذنب من العالِم أعظم من إشراك الجاهل ، لأنّ الجاهل يلقي نفسه في النار دون غيره ، ولكنّ العالِم يلقي نفسه ومن يقتدي بهِ . والذنب العظيم الّذي يكون من العالِم ليس التماهل والتهاون في الطاعات ولا التعرّض لبعض المحرّمات الّتي تخصّهُ ، ولكنّ الذنب العظيم الّذي يصدر عنه هو البِدعة الّتي يقوم بها فيعمل بها قومه ومن يقتدي بهِ . فهذا معنى قوله تعالى (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ ) لأنّ قومه يستمرّون على تلك البِدعة الّتي ابتدعها ويعملون بها على الدوام ، وهو لا يتمكّن أن يزيلها بعد موته ويُبيّن لهم خطأهُ في تلك البِدعة ، وأكبر بِدعةٍ ظهرت في الإسلام بعد وفاة النبيّ هي تشييد قبور الأئمّة والمشايخ وتقديسها حيث صارت تُعبَد من دون الله . أو يُفتي العالِم فتوىً أو حُكماً لا يُرضي الله ، أو يرى قومهُ وأهل مذهبهِ قد حادوا عن الحقّ فلا يُرشِدهم إلى الصواب بل يطابق معهم أو يسكت عن الحقّ فلا يتكلّم بهِ لئلاّ يمقتوهُ ، أو لئلاّ يمنعوا عنه الحقوق فلا يعطوهُ من الدراهم والدنانير كالخمس والزكاة ومردّ مظالم وغير ذلك ، أو يخلعوهُ من المناصب ، فإنّهُ مسؤول عند الله في الآخرة ، فحينئذٍ يقول الله تعالى للملائكة قِفوهم إنّهم مسؤولون ، ويقول الله تعالى لذلك العالِم بالدين والصادّ عن الحقّ أيّها العبد الظالم الصادّ عن الحقّ المغترّ برضا المخلوقين عن رضا الخالق لقد أعطيتُك عِلماً وحُكماً لترشِدَ قومك إلى طريق الحقّ وقد وجدتَ قومك ضالّين عن الطريق فلماذا سكتَّ عن الحقّ ولم ترشدهم إليهِ ، أشتريتَ الدُنيا بالآخرة وأبدلتَ رضا المخلوق بسخط الخالق ؟ ثمّ يأمر بهِ إلى النار ، وذلك قوله تعالى (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، وقال الشاعر في علماء السوء :
يَحِيدُونَ عنْ آياتِهِ لِرِوايَةٍ رواها أبو شَعْيُون عنْ كعبِ أحبارِ
وفي الدينِ قدْ قاسُوا وعاثُوا وخبّطُوا بِآرائِهِمْ تَخبيطَ عشواءَ مِعْثارِ
82 - (وَالّذينَ آمَنُواْ ) بالله وبرسوله محمّد (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
83 - (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الّذينَ هم من أسلافكم أيّها اليهود وذلك في زمن موسى نبيّكم ، يعني أخذنا عليهم العهد والميثاق وقلنا لهم (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) ولكنّ كثيراً منهم نقضوا العهد بعد وفاة موسى ، وعبدوا البعلَ بعد وفاة سُليمان وأشركوا وعقّوا الوالدين وقطعوا صِلة الرحم وغصبوا حقّ المساكين واعتدَوا على الضعفاء وتركوا الصلاة ومنعوا الزكاة (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ) أنتم أيّها المعاصِرون عن الحقّ وعن طاعة الله كما تولّت أسلافكم (إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ ) لم يتركوا طاعة الله (وَأَنتُم) اليوم (مِّعْرِضُونَ) عن القرآن وعن رسولي محمّد . والميثاق الّذي أخذه عليهم موسى مسطور في مجموعة التوراة في سِفر التثنية في الإصحاح الخامس ولكنّهم نقضوا المواثيق ونكثوا العهود وظلموا الضعفاء والمساكين وأشركوا بالله .
وإليك بعض ما جاء في مجموعة التوراة في سِفر النبيّ إرميا في الإصحاح السابع عن كفرهم ونفاقهم ، إذْ بعث الله إليهم النبيّ إرميا وقال لهُ قِفْ في باب بيت المقدس وقل لهم ["ها إنّكم متَّكِلون على الكذب الّذي لا ينفعُ ، أتسرقونَ وتقتلونَ وتزنونَ وتقفونَ أمامي في هذا البيتِ الّذي دُعِيَ باسمي عليهِ وتقولون أنقِذْنا ، حتّى متى تعملون َكلّ هذه الرجاساتِ ، هل صارَ هذا البيتُ الّذي دُعيَ باسمي مغارةَ لصوصٍ في أعينكم ؟ ... والآن من أجل عملكم هذه الأعمالَ يقول الربّ وقد كلّمتكم مُبكّراً ومكلّماً فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا ، أصنعُ بالبيت الّذي دُعيَ باسمي عليهِ الّذي أنتم مُتّكلون عليه وبالموضِع الّذي أعطيتكم وآباءكم إيّاهُ كما صنعتُ بشيلوه ، وأطرحكم من أمامي كما طرحتُ كلّ إخوتكم نسل إفرائيمَ ، وأنتَ فلا تصلِّ لأجلِ هذا الشعبِ ولا ترفع لأجلهم دُعاءً ولا صلاةً ولا تلحّ عليّ لأنّي لا أسمعكَ ، أما ترى ماذا يعملون في مُدن يهوذا وفي شوارع أورشليم ، الأبناءُ يلتقِطونَ حطباً والآباءُ يوقدون النّارَ والنساءُ يعجنّ العجينَ لِيصنعنَ كعكاً لِملكةِ السماواتِ ["الشعرى اليمانيّة" ، يُكنّونَها بذلك ] ، ولسكبِ سكائبَ لآلهةٍ اُخرى لكي يغيظوني ، أفَإيّايَ يغيظون يقول الربّ ، أليس أنفسهم لأجل خزي وجوهِهم ، لذلك هكذا قال السيّدُ الربُّ ، ها غضبي وغيظي ينسكبانِ على هذا الموضِع على الناسِ وعلى البهائِم وعلى شجرِ الحقلِ وعلى ثمر الأرض فيتّقدانِ ولا ينطفِيان .
هكذا قال ربُّ الجنودِ إلاهُ إسرائيل ضمّوا مُحرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحماً ، لأنّي لم أُكلّم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصرَ من جهةِ مُحرقةٍ وذبيحةٍ ، بل إنّما أوصيتهم بهذا الأمر قائلاً إسمعوا صوتي فأكونَ لكم إلاهاً وأنتم تكونون لي شعباً وسيروا في كلّ الطريق الّذي أوصيكم بهِ ليحسنَ إليكم ، فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنَهم بل ساروا في مشوراتِ وعنادِ قلوبهم الشريرة وأعطَوا القفا لا الوجهَ ، فمن اليوم الّذي خرجَ فيهِ آباؤكم من أرضِ مصرَ إلى هذا اليوم أرسلتُ إليكم كلّ عبيدي الأنبياء مُبكّراً كلّ يومٍ ومُرسلاً ، فلم يسمعوا لي ولم يميلوا آذانهم بل صلّبوا رِقابهم ، أساءوا أكثر من آبائهم . فتكلّمهم بكلّ هذه الكلماتِ ولا يسمعون لكَ وتدعوهم ولا يجيبونك ، فتقول لهم هذهِ هيَ الاُمّةُ الّتي لم تسمع لصوت الربّ إلاهها ولم تقبل تأديباً ، بادَ الحقُّ وقُطِعَ عن أفواههم .
جُزّي شعركِ واطرحيهِ وارفعي على الهضابِ مُرثاةً لأنّ الربّ قد رفضَ ورذلَ جيلَ رِجزه ، لأنّ بني يهوذا قد عملوا الشرّ في عينيّ يقول الربّ ، وضعوا مُكرهاتهم في البيت الّذي دُعِيَ باسمي لينجّسوهُ ، وبنَوا مُرتفعات توفةَ الّتي في وادي ابن هنومَ ليحرقوا فيها بنيهم وبناتهم بالنارِ الّذي لم آمر بهِ ولا صعدَ على قلبي ، لذلك هاهيَ أيّامٌ تأتي يقول الربّ ولا يُسمّى بعدُ توفةُ ولا وادي ابن هنّومَ بل وادي القتل ويُدفَنونَ في توفة حتّى لا يكون موضعٌ ، وتصيرُ جثثُ هذا الشعبِ أكلاً لطيور السماءِ ولوحوش الأرضِ ولا مُزعجٌ ، وأُبطّلُ من مُدنِ يهوذا ومن أورشليم صوتَ الطربِ وصوت الفرحِ صوت العريس وصوت العروس لأنّ الأرض تصيرُ خراباً . " ]
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |