كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
81 - (وَلِسُليمان) سخّرنا (الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) .
أراد داوُد بناء بيت المقدس ولكن لم يتمّ بناؤهُ على يدهِ لكثرة الحروب الّتي كانت في زمانهِ وانشغاله بها ، ولَمّا مات داوُد وقام ابنهُ سُليمان مكان أبيهِ عزمَ على إتمامهِ ، فتقاولَ مع حيرام ملك لبنان على أن يشتري منهُ أخشاباً من شجر الأرز وشجر السرو ويُعطيهِ بدلها حنطةً وزيتاً ، فتكون الأخشاب كمواد إنشائيّة لبناء بيت المقدس ، وكانت المسافة بين لبنان وفلسطين شهراً كاملاً بالسُفُن ، فكانوا يُحمّلون الأخشاب بالسُفُن الشراعيّة وكانت الرياح تسوق السُفُن كما يشاء ربّان السفينة ذهاباً وإياباً ، وبهذه الواسطة كانت السُفُن تصل مكانها بمدّةٍ قصيرة . فهذا معنى مُلخّص للآية. ونظيرها في سورة ص قوله تعالى {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ } يعني حيث أراد وأصاب من المواد الإنشائيّة لبناء بيت المقدس . وآية اُخرى في سورة سبأ وهي قوله تعالى {وَلِسُليمان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } يعني مسافة شهر تغدوها السُفُن بيوم واحد وتروحها بيوم واحد . وقد جاء ذكر السُفُن الّتي تنقل الأخشاب من لبنان إلى فلسطين في مجموعة التوراة في سِفر الملوك الأوّل في الإصحاح الخامس . وكان بناء بيت المقدس بعد خروج بني إسرائيل من مصر بأربعمائة وأربعة وثمانين سنة ، فيكون وقت بنائه قبل المسيح بألف وثلاثين سنة على التقريب .
82 - (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ ) يعني من فسقة الجنّ (مَن يَغُوصُونَ لَهُ ) في البحر ويُخرجون له من اللآلئ والمرجان (وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ) أي غير ذلك كنحت الصُخور وصناعة القدور والأواني النحاسيّة وغيرها . فإنّ الله تعالى سخّرَ لهُ الجنّ والشياطين يعملون لهُ ما يشاء ممّا لم تقدر عليه الناس في الزمن الماضي ، ولم يكن يراهم أحد بل كانوا يجدون تلك المصنوعات حاضرة . وممّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة سبأ {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } ، (وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ) لا يمكنهم الهروب منه والخروج عن طاعته . وجاء في مجموعة التوراة في سِفر الملوك الأوّل في الإصحاح السادس قال:
[ والبيت في بنائهِ بُنِيَ بحجارةٍ صحيحةٍ مُقتلعةٍ ولم يُسمَعْ في البيت عند بنائهِ صوت مِنحت ولا مِعول ولا أداة من حديدٍ ] . وعاش سُليمان بعد بناء المسجد الأقصى ستّاً وثلاثين سنة ومات .
83 - (وَأَيُّوبَ) أي واذكر أيّوب وقصّته لهم ، وقد سبق ذِكر نسبه في سورة الأنعام في آية 84 (إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) حين أصابه البلاء فقال (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فارحمني واكشف عنّي ضُرِي .
84 - (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) دُعاهُ (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) أي أزلنا ما بهِ من الأوجاع والمرض (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ) في الدنيا يعني أعطيناهُ من الأولاد بقدر الّذينَ ماتوا تحت الجدار وهم سبعة أولاد وثلاث بنات (وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ) في الآخرة ، يعني الّذينَ ماتوا مِثلهم في العدد ، فيكون مجموع أولاده في الآخرة أربعة عشر وبناته ستّاً (رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ) أي نِعمةً منّا عليهِ (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) أي وموعظة لهم في الصبر ليصبروا على الشدائد إذا سمعوا بقصّتهِ ولا يكفروا .
وكان لأيّوب سبعة بنين وثلاث بنات ، وكان له من الأنعام سبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف من الإبل وخمسمائة فدان بقر وخمسمائة أتان وله عبيد كثيرون ، فحسدهُ الشيطان على تقواهُ وصلاح سريرتهِ مع الله فقال لولا هذهِ النِعم لم يشكر . فقال الله تعالى للشيطان : لقد سلّطتك على أموالهِ ، فوقع أهل سبأ ونهبوا أنعامه ومواشيهِ وقتلوا غلمانه ، وكان أولاده وبناته مُجتمعين في بيت من بيوتهم يأكلون فهبّت عاصفة قلعت جدار البيت وسقط عليهم فماتوا ، فجاء رسول وأخبرهُ بذلك فسجد لله وقال عُرياناً خرجتُ من بطن اُمّي وعُرياناً أعود ، الربّ أعطى والربّ أخذ ، فشَكَر على ما أصابه ولم يكفر . فقال الشيطان مادامت صحّتهُ جيّدة لا يكفر ولكن سلّطني على صحّته وانظر كيف يكون كفره . فقال الله تعالى : سلّطتك على صحّتهِ إلا قلبهُ وعينيه ولسانه . فجاء الشيطان وأصابه بمرض الجُذام ويسمّى داء الفيل أيضاً ، فبقي زمناً على تلك الحالة ولم يكفر . فجاءت زوجته يوماً فرأته جالساً على الرماد وفي يده خزفة يحكّ بها جسمهُ فقالت له : إلى الآن أنتَ صابر على البلاء ، فقال لها أنقبل الخير من الله ولا نصبر على الشرّ ، ولم يكفر على كلّ ما أصابه من بلاء ، ولَمّا سأل الله أن يكشف عنه الضرّ ويشفيهِ من المرض جاءه جبرائيل وقال لهُ : لقد نبعتْ عين ماء قريبة من مكانك هذا فاذهب إليها واغتسل فيها واشرب من مائها تبرأ من مرضك ، فذهب إلى العين واغتسلَ فيها فبرئ من مرضهِ ، وأعطاه الله من الأموال والأنعام أكثر ممّا كان له من قبل ووُلِدَ لهُ سبع أولاد وثلاث بنات ، فسمّى الأولى يميمة ، والثانية قصيعة ، والثالثة قرن الفوك ، وعاش بعد هذه النكبة مائة وأربعين سنة ، وقد جاءت قِصّتهُ في مجموعة التوراة في سِفر أيّوب .
85 - (وَ) اذكر في الكتاب (إِسْمَاعِيلَ) إبن إبراهيم (وَإِدْرِيسَ) واسمه بالعبريّة إيليّا (وَذَا الْكِفْلِ ) واسمهُ حزقيل بن بوزي وهو من أنبياء بني إسرائيل وقصّتهُ في مجموعة التوراة في سِفر حزقيال ، وإنّما صارت كنيتهُ ذا الكفل لأنّه تكفّل بني إسرائيل عند ملِك بابل بأن لا يُقاتلوه إذا أطلق سراحهم وأن يدفعوا له الجزية ، وقبره في العراق في محافظة بابل بين الحلّة والنجف (كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ) صبروا على الأذى في سبيل الله ، أمّا إسماعيل فإنّه صبرَ ببلدٍ لا زرع فيه ولا ضرع وصبر أيضاً على فراق أبيه وصبرَ أيضاً عندما طلبَ منه أبوهُ أن يذبحهُ قرباناً لله ، وقام ببناء الكعبة . وأمّا إدريس فصبرَ على أذى اليهود وحُكم الملِك آخاب إذ كانوا يعبدون البعل في زمانهِ وضايقتهُ إيزابل زوجة الملِك آخاب وأرادت قتله فهرب إلى الجبال خوفاً من القتل ، وكذلك حزقيل صبرَ على الأذى في جنب الله .
86 - (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ) بعد موتهم ، أي في جنّتنا (إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ) .
87 - (وَذَا النُّونِ ) تقديره واذكر في الكتاب ذا النون ، واسمهُ بالعبريّة يونان بن أمتاي ، وفي العربيّة يونس ، هو من أواخر أنبياء بني إسرائيل (إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا ) لربّهِ حين أمرهُ أن يذهب إلى أهل نينوى فينذرهم عن عبادة الأوثان ويدعوهم إلى عبادة الرحمان ، فخافَ يونان أن يذهب إليهم وهربَ ولم يذهب إلى نينوى بل ذهب إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فركب معهم (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) حين هربَ من أمامنا ولم يمتثل لأمرنا ، أي ظنّ أن لن نُضيّق عليه إذا لم يعمل بما نأمره ، فكلمة "نقدِر" معناها نضيّق ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } ، ومعناه : يبسط لمن يشاء ويضيّق على من يشاء . وقال تعالى في سورة الفجر {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } .
فلمّا سارت السفينة وتوسّطت البحر أرسل الله ريحاً عاصفة فهاج البحر وكادت السفينة تغرق ، فقال بعض من كان في السفينة : "لو لَم يكن فينا رجلٌ ظالم لَما أرسل الله علينا هذه العاصفة فلنقترعْ " ، فألقَوا القُرعة فوقعت على يونان فألقَوهُ في البحر ، فجاءت حوت كبيرة وابتلعتهُ ، فأوحى الله إليها أن لا ترضّيهِ ولا تؤذيهِ ، فلمّا صار في بطنها ندمَ على هروبه (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) أي في بطنها قائلاً (أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) لنفسي ، ربّي نجّني من بطن الحوت وأمضي إلى ما أمرتني بهِ .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |