كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
89 - (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) اللّغو في اليمين هو أن يحلف الإنسان سهواً أو ناسياً أو سبقَ لسان ، مثَلاً إذا سألك أحد "هل رأيت فلان ؟" فتقول "لا والله ما رأيتُهُ " ، ثمّ تذكر أنّك رأيتهُ قبل ساعة أو أكثر منها ، فهذا هو النسيان فيجب عليك أن تستغفر ربّك لِما حلفتَ ناسياً ، وكذلك إذا حلفتَ سهواً أو سَبْقَ لسان فيجب عليك أن تستغفر ربّك (وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) أي بتعقيدكم الأيمان ، وهو توثيقها وتوكيدها ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت الأنصاري :
وَكَمْ قَدْ عَقَدُوا للهِ ثُمَّ وَفَوْا بِهِ بِمَا ضَاقَ عَنْهُ كُلُّ بَادٍ وَحَاضِرِ
ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة النحل {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } . فاليمين الموثّقة أن تُعاهد على شيء وتحلف عليهِ ، واليمين المؤكّدة أن تقول والله وبالله وتالله (فَكَفَّارَتُهُ) أي كفّارة اليمين الموثّقة أو المؤكّدة إذا حلفتَ بها ثمّ حنثتَ عنها فعليك كفّارة (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) لمن كان مُتوسّط الحال (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) مؤمنة ، وهذا الحكم لمن كان غنيّاً (فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) في بيته شيئاً من المال أو الطعام ليُطعم عشرة مساكين (فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ) يصومها (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) ثمّ حنَثتُم (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ) ولا تحنثوا إلاّ لضرورة مع أداء الكفّارة (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) نِعمهُ .
90 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) "الخمر" يُطلق على كلّ شراب مُسكّر ، و"الميسر" هو القمار بأنواعه (وَالأَنصَابُ) هي أحجار كبيرة كان المشركون يذبحون عليها الأنعام قرباناً للأصنام ، وتقديرهُ لا تأكلوا من الأنعام الّتي تُذبح للأصنام فهيَ رجسٌ (وَالأَزْلاَمُ) هي أقداح كانوا يستقسمون بها الجزور ، وهي لعبة كالقمار ، كلّ ذلك (رِجْسٌ) أي مرض نفسي (مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) سنّها لكم ليصدّكم عن ذكر الله وليوقع العداوة فيما بينكم بسببها (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بتجنّبها ولا تخسرون . فالرجس هو المرض ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَأَمَّا الّذينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } ، يعني فزادهم مرضاً إلى مرضهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } .
91 - ثمّ قرّر مافيهما من المفاسد والمضارّ فقال تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) فشارب الخمر تزيل عقلهُ فيتكلّم بالفُحش وربّما أفضى بهِ إلى المقاتَلة ، والميسر يسبّب أن يُقامر الرجل على أهلهِ ومالهِ فيقعد حزيناً سليباً ينظر إلى ماله في يد غيره فيورث العداوة والبغضاء ، وهذا من مفاسدهما في الدنيا ، ثمّ أشار إلى مفاسدهما في الدِين فقال تعالى (وَيَصُدَّكُمْ) بالاشتغال بهما (عَن ذِكْرِ اللّهِ ) الّذي تحيى بهِ القلوب (وَعَنِ الصَّلاَةِ ) الّتي هيَ عمود الدين (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) عن فِعلهما ؟
92 - (وَأَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) في تعاليمهِ وإرشاداتهِ (وَاحْذَرُواْ) أن تولّوا عنهُ (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ) عنه ولم تسمعوا لقولهِ (فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ) وعلينا الحساب والعقاب الشديد .
93 - لقد حرّم الله تعالى في الآية السابقة ثلاثة أشياء وهي "الخمر" وهو كلّ مُسَكّر ، ثانياً "الميسر" وهو القمار ، ثالثاً "الأنصاب والأزلام" وهو اللّحم الّذي يوزّع باسم الأصنام . فقال بعض الصحابة : "يا رسول الله لقد شربنا الخمر في الماضي وأكلنا من تلك اللّحوم ولعبنا بالميسر ونخاف أن نأثم عليها" ، فنزل قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ ) أي ليس عليهم إثمٌ ولا حرج (فِيمَا طَعِمُواْ ) من الخمر قبل تحريمهِ (إِذَا مَا اتَّقَواْ ) في المستقبل شربهُ ، يعني إذا تجنّبوا شربه في المستقبل (وَّآمَنُواْ) بتحريمهِ ولم يُعارضوا (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) بسبب تركه ، لأنّ الّذي يشربه يعمل الموبقات والّذي يتركه يميل إلى عمل الصالحات ، (ثُمَّ اتَّقَواْ ) لعِب الميسر (وَّآمَنُواْ) بتحريمهِ ولم يعترضوا على ذلك (ثُمَّ اتَّقَواْ ) أكل اللّحوم الّتي تُذبح على الأنصاب للأصنام والّتي تُستقسم بالأزلام فلا يأكلون منها ولا يذبحون القرابين لغير الله كما يفعل المشركون ، بل يذبحون لله وفي سبيلهِ (وَّأَحْسَنُواْ) مع الفقراء بإطعامهم مِمّا يذبحون من الأنعام لوجه الله (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) مع الناس .
94 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ ) أي ليختبركم (بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ ) يعني صيد البرّ دون صيد البحر (تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ) يعني الصغار منها كالفراخ والبيض وما لا قدرة لهُ على الفرار (وَرِمَاحُكُمْ) يعني الكبار منها الّتي تصيدونها برماحكم (لِيَعْلَمَ اللّهُ ) بالاختبار (مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ) يعني حين لم يرهُ أحد فيتجنّب الصيد لقوّةِ إيمانه مِمّن لا يخافه لضعف إيمانه (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ) النهي فاصطاد في أيّام الحجّ أو في الشهر الحرام (فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة إنْ لم يُكفّر عن إثمهِ . ثمّ بيّن نوع الكفّارة فقال :
95 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) يعني وأنتم مُحرمون في أيّام الحجّ وفي الأشهُر الحرُم (وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ ) عليهِ (مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) في الخِلقة ، فإذا قتل نعامة فكفّارتها بُدنة ، وإنْ قتل حمار وحش أو شبيهه فكفّارتهُ بقرة ، وإنْ قتل ظبياً أو أرنباً فكفّارتهُ شاة (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) أي يحكم في الصيد بالجزاء رجلان صالحان من أهل مِلّتكم ودينكم فيرَون هل تساوي هذه الكفّارة قيمة الصيد التي قتلها أو تقوم مقامها في الوزن (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) أي يهديهِ هدياً واصل الكعبة ، فكلمة "بالغ" معناها واصل ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الكهف {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } ، يعني لَمّا وصلا مجمع البحرين نسيا حوتهما ، فالهدي يذهب بهِ إلى المسجد الحرام ويعطيهِ إلى أحد خدَمَة الكعبة (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) عشرة يُطعمهم غداءً أو عشاءً إن لم يتمكّن على الهدي . وإنّما لم يذكر في هذه الآية عدد المساكين لأنّ ذكرهم قد سبق قبل خمس آيات وذلك في كفّارة الحنث في اليمين بالله وهو قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ، وقوله (أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ) يعني أو ما يعادل ذلك الإطعام صياماً ، فيصوم عشرة أيام بدل إطعام عشرة مساكين إن لم يتمكّن من إطعام الطعام (لِّيَذُوقَ) الصيّاد بهذه الكفّارة (وَبَالَ أَمْرِهِ ) أي لتكون هذه الكفّارة عقاباً له على سوء فعلهِ ، "فالوبال" هو كلّ شيء سيّء ، ومن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق :
لقدْ عَلِمَ الفَرَزْدَقُ أنَّ تَيْماً علَى شِرْبٍ إذا نَهِلُوا وَبِيلُ
أي يشربون ماءً كدِراً وَخْماً ، وقال الآخر :
أَذُلّ الحَياةِ وعِزّ الْمَماتِ وكلاً أَراهُ طَعاماً وَبِيلا
أي طعاماً وخماً لا خير فيهما ، وقال أبو دهبل :
فَلا خَيْرَ في حُبٍّ يُخافُ وَبالُهُ ولا في حَبِيبٍ لا يَكونُ لَهُ وَصْلُ
(عَفَا اللّهُ ) عنه (عَمَّا سَلَف ) بكفّارتهِ (وَمَنْ عَادَ ) مرّةً ثانيةً إلى قتل الصيد في الشهر الحرام (فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ ) ولا يعفو عنه (وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) فينتقم مِمّن يخالف أوامره .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |