قال الله تعالى في سورة المائدة : (يا
أهلَ الكتابِ قد جاءَكم رسولُنا ) محمّد (يُبيّنُ لكم كثيراً مِمّا
كنتم تُخفونَ مِن) أحكام ( الكتابِ
ويَعفو عنْ كثيرٍ) 17 (قدْ جاءَكم مِنَ اللهِ
نورٌ وكتابٌ مُبينٌ) 18 (يَهدي بِهِ اللهُ مَن
اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السّلامِ ويُخرجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النّورِ
بِإذنِهِ ويَهديهم إلى صِراطٍ مستقيمٍ .)
فالرسول هو محمّد ، والكتاب هو القرآن* ، وقوله (يُبيّنُ لكم كثيراً مِمّا
كنتم تُخفونَ مِن الكتابِ) يعني من أحكام التوراة . والقرآن يهدي إلى
صراطٍ مستقيم ، يعني يهدي إلى دين الحقّ .
* ولكنّهم
لم يؤمنوا بالرسول ولا بالقرآن بل كذّبوه كما كذّبوا أنبياءهم من قبل وآذوه
وناصَروا المشركين من أهل مكّة على قتاله كما آذَوا أنبياءهم من قبل وقاتلوهم .
فالآن توبوا إلى ربّكم وآمِنوا بجميع رسل الله ولا تكفروا بِهم لكي تربحوا في
الآخرة ولا تخسَروا كما خسرَ أجدادُكم الّذينَ كذّبوا رُسُلَ الله ، وقد عرفتم كيف
انتقمَ الله منْهم على أيدي أعدائهم في الدنيا ، ولَهم في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ .
وإليك بعض ما أخفاه اليهود من
أحكام التوراة وغيّروا حكمه بأهوائهم
، ومن ذلك غُسل الجنابة وشرب الخمر وأخذ الربا وغير ذلك .
وإليك
ما جاء في مجموعة التوراة في سفر لاويّين في الإصحاح الخامس
عشر ما يلي :
"وإذا
حدث من رجلٍ اضطجاع ُ زرعٍ يرحض كلّ جسده بِماءٍ ويكون نجساً إلى المساء ، والمرأة
الّتي يضطجع معَها رجلٌ اضطجاعَ زرعٍ يستحمّان بِماءٍ ويكونان نجسينِ إلى المساء
."
وقد أخفاه اليهود ولم يغتسلوا من حدث الجنابة وقالوا هذا خاصٌّ بالكهنة .
[ شرب الخمر ]
وشربوا الخمر وقالوا هو حلال لنا ، وقد حرّمه الله تعالى في توراتِهم . وإليك ما
جاء في تحريم الخمر، وذلك في سفر الأمثال في
الإصحاح الثالث والعشرين ، قال :
"لِمَن
الويلُ لِمَن الشقاوة لِمَن المخاصَمات لِمَن الكربُ لِمَن الجروحُ بلا سببٍ لِمَن
ازمهرار العينين ، لِلّذينَ يدمنونَ الخمر الّذينَ يدخلون في طلب الشراب الممزوج ،
لا تنظرْ إلى الخمر إذا احمرّت حين تُظهرُ حبابَها في الكأس وساغت مرَقرِقةً . في
الآخر تلسع كالحيّة وتلدغ كالأفعوان . عيناك تنظران الأجنبيّات وقلبك ينطق بأمورٍ
ملتوية ٍ. وتكون كمضطجعٍ على رأس ساريةٍ . تقول ضربوني ولم أتوجّع ، لقد لكأوني
ولم أعرف . متى أستيقظ . أعود أطلبُها بعد ."
وجاء في سفر
إشعيا في
الإصحاح الخامس ما يلي :
"ويلٌ
للمبكّرين صباحاً يتبعون المسكّر، للمتأخّرينَ في العتمة تلهبُهم الخمر، وصار
العود والرباب والدفّ والناي والخمر ولائمَهم وإلى فعل الربّ لا ينظرون وعمل يديه
لا يرون . لذلك سُبِيَ شعبي لعدم المعرفة وتصير شرفاؤه رجال جوعٍ وعامّته يابسين
من العطش لذلك وسّعت الهاويةُ نفسَها وفغرت فاها ."
[ أخذ الرِّبا ]
أمّا في أخذِهم الرّبا : جاء ذكرُه في سفر لاويّين في
الإصحاح الخامس والعشرين قال :
"وإذا
افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعضدْه غريباً أو مستوطناً فيعيش معك ، لا تأخذْ منه
رباً ولا مرابَحةً بل اخشَ إلاهَك فيعيش أخوك معك ، فضّتك لا تعطِه بالرِّبا
وطعامَكَ لا تُعطِهِ بالمرابَحة ."
[ أخذ الرِّبا والرّشوة] :
وجاء في سفر
حزقيال في
الإصحاح الثاني والعشرين، قال :
"إنسانٌ
أذلّ فيكِ أختَه بنت أبيه ، فيكِ أخذوا الرشوةَ لسفك الدّم ، أخذتِ الرّبا
والمرابحة ، وسلبتِ أقرباءكِ بالظُّلم ونسيتِني يقول السيّد الربّ ."
ولكنّهم يأخذونَ الرشوة والرّبا ولا يُبالون .
يا أهل الكتاب إنّ كتابكم مزّقه نبوخذنصّر ملك بابل ، وتوراتكم الحاليّة
لعبت بِها يدا عزرا بن سرايا وغيّرت الأحكام الّتي أنزلَها الله على رسوله موسى بن
عمران ، وبدّلت القوانين التشريعيّة ، وبذلك تغيّرت واجباتُكم الدّينيّة وبطلت
أعمالكم التشريعيّة ، فأصبح دينكم مُمزّقاً كما تمزّقت توراتكم الأصليّة ، وقد
دعاكم اللهُ تعالى إلى اعتناق دين الإسلام فأجيبوا داعيَ الله وآمِنوا برسولِهِ
محمّد بن عبد الله ، ولا تكونوا مِنَ المعانِدين المكذِّبين لرسل الله فتخسرون
الآخرة كما خسِرَ أجدادكم الّذين كذّبوا أنبياء الله وآذَوهم ، وقد أعذرَ مَن أنذر
.
قال الله تعالى في القرآن، سورة المائدة : 17 (يا أهلَ الكتابِ قدْ
جاءَكم رسولُنا يُبيِّنُ لَكم كثيراً مِمّا كُنتُم تُخفونَ مِنَ الكتابِ ويعفو عنْ
كثيرٍ .)
يا أهل الكتاب آمِنوا بكتب الله كلِّها لِكي تُصيبُوا الحقيقة ولا تتمسّكوا
بكتابٍ واحدٍ لعِبَت به أيدي البشر فغيّرتْ أحكامه وشوّهت مناهجه فتركتم غُسل
الجنابة وهو واجبٌ عليكم ، وشربتم الخمرَ وهو محرّمٌ عليكم ، وتعاملتم بالرّبا وهو
محرّمٌ في كلّ الأديان ، فلا تتمسّكوا بِهذا الدِّين وقد دعاكم الله إلى دين
الإسلام : الدين السمِح الّذي ليس فيه تشديد كما شدّد عليكم في التوراة ، وإنّما
شدّد عليكم عقاباً لكم لأنّكم عصيتم أمره وخالفتم موسى رسوله فشدّد عليكم في
الأحكام . فالآن اسمعوا قولي واتّبعوا نصيحتي وآمِنوا بجميع رسل الله وكلّ الكتب
السماويّة لكي يرضى الله عنكم وتنجحوا في الدّ #1606;يا والآخرة ، واتركوا
العناد والكبرياء ، فالعناد عاقبتُه الندامة والخسران كما خسِر أسلافُكم الّذين
كذّبوا رسل الله وآذوهم ، فكذلك أنتم تخسرون إنْ لم تؤمِنوا برسول الله محمّد بن
عبد الله ، قال الله تعالى في سورة آل عمران 85 :
(ومَنْ
يَبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فَلنْ يُقبَلَ مِنهُ وهو في الآخِرَةِ مِن الخاسِرين .)
وقد
أمْهلكم الله هذه المدّة لكي تفكِّروا في أمره وتنظروا في قرآنه فتُؤمِنُوا بِهِ ،
قال الله تعالى في سورة الأعراف
:
(وأنْ
عسى أنْ يَكونَ قَد اقْتَرَبَ أجلُهم فَبِأيِّ حديثٍ بَعدَهُ يُؤمِنونَ .)
أي
بعد القرآن ، والمعنى لا كتاب سماوي بعد القرآن لكي يؤمنوا به ، فلا عذر لكم بعد
اليوم ولا يُقبَل إيمان من يؤمن بعد هذا البيان بزمن ، قال الله تعالى في سورة
الأنعام :
(يومَ
يأتي بعضُ آياتِ ربِّكَ لا ينفعُ نفساً إيْمانُها لمْ تكنْ آمَنَتْ مِنْ قبلُ أو
كَسَبَتْ في إيمانِها خيراً ، قل انْتَظِرُوا إنّا مُنتَظِرونَ .)
لقد
جاء في سفر
إشعيا في
الإصحاح الثاني في الآية الثانية :
"
ويكون قي آخر الأيّام أنّ جبلَ بيت الربّ يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق
التلال وتجري إليه كلّ الأمم 3 وتسير شعوبٌ كثيرة ويقولون هلمّ
نصعد إلى جبل الربّ إلى بيت إله يعقوب فيعلِّمنا من طرقه ونسلك في
سُبلِهِ 4 فيقضي بين الأمم وينصف لشعوبٍ كثيرين فيطبعون سيوفَهم
سككاً ورماحَهم مناجل . لا ترفع أمّةٌ على أمّةٍ سيفاً ولا يتعلّمونَ الحرب فيما
بعد ."
فَهذه النبوءة لا تخصّ السيّد المسيح ولا النبيّ محمّد ، وإنّما[هي نبوءة] تخصّ
المهدي المنتظر أو المعزّي كما مذكورٌ في الإنجيل ؛ والدليل على ذلك قوله
"فيطبعون سيوفَهم سككاً ورماحَهم مناجل . ولا ترفع أمّةٌ على أمّةٍ سيفاً
ولا يتعلّمونَ الحرب فيما بعد ." فإنّ السلام يكون في زمن المهدي
المنتظر ، بينما الحروب مستمرّة في زمن المسيح ومحمّد ولا زالت مستمرّة إلى
يومنا هذا .
وجاء في سفر
ملاخي في
آية 5 : "ها أنَذا أرسل إليكم إيليّا النبيّ قبل مجيء يوم
الربّ العظيم والمخوف 6 فيردّ قلب الآباء على الأبناء وقلب
الأبناء على آبائهم لئلاّ آتي وأضرب الأرض بِلعنٍ ."
فهذه النبوءة تخصّ المهدي أيضاً ، لأنّ النبيّ إيليّا مات في فلسطين قبل
حوالي ثلاثة آلاف سنة وارتفعت روحه إلى السماء إلى الجنان في جوار ربّه كما ترتفع
أرواح الأنبياء والصّالحينَ بعد موتِهم ، ولكن المقصود هنا هو شخص آخر يشبه النبيّ
إيليّا في أخلاقه وعلمه وتقواه وهو المهدي الّذي يظهر قبل يوم القيامة
وهو"يوم الربّ العظيم والمخوف " . وإنّ كلمة "إيليّا"
بالعبريّة تعني "علي" بالعربيّة ، وإنّ المهدي اسمه جزء منه
"علي" . ويدعوهم المهدي إلى أن يبرّ الأبناء آباءهم وأن يتحنّن الآباء
على أبنائهم .
وجاء في سفر
إشعيا أيضاً
في الإصحاح الثاني والأربعين :
"هو ذا عبدي الّذي أعضده الّذي سُرّت به نفسي وضعتُ روحي عليه فيُخرج الحقّ
للأمم 2 لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع
صوته 3 قصبةً مرضوضةً لا يقصف وفتيلةً خامدةً لا يُطفئ . إلى
الأمان يُخرج الحقَّ 4 لا يكلّ ولا ينكسرُ حتّى يضع الحقّ في
الأرض وتنتظر الجزائر شريعتهُ ."
وهذه النبوءة تنطبق مع رسولنا محمّد (ع) وتصف خلُقه العظيم
، وقوله "وضعتُ روحي عليه" فقد نزل عليه بالقرآن جبرائيل الروح الأمين ،
وفعلاً جاهد بدون كلل حتّى أظهر الدين ، وفعلاً آمن به أهل الجزائر .
تشديد الأحكام على
الصّهاينة وتخفيفُها على الإسلام
ومن جملة الأحكام الّتي شدّدها الله على اليهود تحريم بعض
اللحوم والشحوم عقاباً لَهم على أفعالِهم السيّئة وضمائرهم الحقودة ونواياهم
الخبيثة. قال الله تعالى في سورة الأنعام :
(وعلى
الّذينَ هادُوا حرّمْنا كلَّ ذي ظُفرٍ ومِنَ البقرِ والغنمِ حرّمْنا عليهم
شحومَهما أو الحوايا أو ما اخْتلطَ بِعظمٍ ذلك جَزَيناهُم بِبغيِهم وإنّا
لَصادِقونَ .)
فقوله تعالى (جَزَيناهُم
بِبَغيِهم)
يعني بظلمِهم وتعدِّيهم على الضعفاء .
وقال تعالى في سورة النساء في آية 195
(فبِظلمٍ
مِنَ الّذينَ هادُوا حَرّمْنا عليهم طيّباتٍ أحِلّتْ لَهم وبِصدّهم عن سبيلِ اللهِ
كثيراً 160وأخذِهم الرِّبا وقد نُهُوا عنهُ وأكلِهم أموالَ النّاسِ
بِالباطلِ وأعْتدْنا لِلكافرينَ مِنْهم عذاباً أليماً .)
[ تحريم بعض الأنعام والحيوانات عليهم ]
وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في سفر التثنية في
الإصحاح الرابع عشر ، قال :
"لا
تأكل رجساً ما ، هذه هي البهائم الّتي تأكلونَها ، البقر والضأن والمعز ، والأيل
والظبي واليحمور والرِّئم والثيتل والمهاة ، وكلّ بهيمةٍ من البهائم تشقّ ظلفاً
وتقسمه ظلفين وتجترّ فإيّاها تأكلون ، إلاّ هذه فلا تأكلوها مِمّا يجترُّ ومِمّا
يشقّ الظلفَ المنقسم ، الجمل والأرنب والوبر لأنّها تجترّ لكنّها لا تشقّ ظلفاً
فهي نجسةٌ لكم . والخنزير لأنّه يشقّ الظلف لكنّه لا يجترّ فهو نجسٌ لكم . فمن
لحمِها لا تأكلوا وجثّتَها لا تلمسوا .
وهذا لا تأكلونه من كلّ ما في المياه ، كلّ ما له زعانف وحرشف تأكلونه ، لكن كلّ
ما ليس له زعانف وحرشف لا تأكلوه . إنّه نجِسٌ لكم .
كلّ طيرٍ طاهرٍ تأكلون ، وهذا ما لا تأكلون منه ، النسر والأنوق والعقاب والحدأة
والباشق والشاهين على أجناسه ، وكلّ غرابٍ على أجناسه ، والنعامة والظليم والسأف
والباز على أجناسه ، والبوم والكركي والبجع ، والقوق والرخم والغوّاص واللقلق
والببغاء على أجناسه ، والهدهد والخفّاش وكلّ دبيب الطير نجسٌ لكم لا يؤكل ."
وجاء في سفر
لاويّين في
الإصحاح الحادي عشر ، قال :
"وهذا
منه تأكلون الجراد على أجناسه والدّبا على أجناسه والحرجوان على أجناسه والجندب
على أجناسه ، لكن سائر دبيب الطير الّذي له أربع أرجلٍ فهو مكروه لكم ، من هذه
تتنجّسون ، كلّ من مسّ جثّتَها يكون نجساً إلى المساء ، وكلّ من حمل من جثّتِها
يغسل ثيابه ويكون نجساً إلى المساء ، وجميع البَهائم الّتي لَها ظلفٌ ولكن لا
تشقّه شقّاً أو لا تجترّ نجسةٌ لكم ، كلّ من مسّها يكون نجساً ، وكلّ ما يمشي على
كفوفه من الحيوانات الماشية على أربعٍ فهو نجسٌ لكم ، كلّ من مسّ جثّتَها يكون
نجساً إلى المساء ، ومن حمل جثّتَها يكون نجساً إلى المساء ، ومن حمل جثّتَها يغسل
ثيابه ويكون نجساً إلى المساء ، إنّها نجسةٌ لكم .
وهذا هو النجس لكم من الدبيب الّذي يدبّ على الأرض ، ابنُ عرسٍ والفار والضبّ على
أجناسه ، والحرذون والورل والوزغة والعظاية والحرباء ، هذه هي النجسة لكم من كلّ
الدبيب ، كلّ من مسّها بعد موتِها يكون نجساً إلى المساء ، وكلّ ما وقع عليه واحدٌ
منها بعد موتِها يكون نجساً ، من كلّ متاع خشبٍ أوثوبٍ أو جلدٍ أو بلاسٍ ، كلّ
متاع يعمل به عملٌ يُلقى في الماء ويكون نجساً إلى المساء ، وكلّ ما وقع عليه
واحدٌ منْها بعد موتِها يكون نجساً إلى المساء ثمّ يطهر ، وكلّ متاع خزف وقع فيه
يُكسر وما فيه يتنجّس ما يأتي عليه من طعام يكون نجساً ، وكلّ ما وقع عليه واحدٌ
من جثّتِها يكون نجساً ، التنّور والموقد يهدمان إنّها نجسةٌ ، إلاّ العين والبئر
مجتمعي الماء تكونان طاهرتين ، لكن ما مسّ من جثّتِها يكون نجساً ، وإذا وقعت
واحدةٌ من جثّتِها على شيءٍ من بزر زرع يُزرع فهو طاهر ، لكن إذا جعل ماءٌ على
بزرٍ فوقع عليه واحدةٌ من جثّتِها فإنّه نجسٌ لكم ، وإذا مات واحد من البهائم
الّتي هي طعامٌ لكم فمن مسّ جثّته يكون نجساً إلى المساء ، ومن حمل جثّته يغسل
ثيابه ويكون نجساً إلى المساء ."
فانْظرْ أيّها القارئ كيف شدّد الله على اليهود في الأحكام حتّى أنّ الإناء الّذي
تقع عليه من تلك الحشرات يُكسر والتنّور يُهدم والموقد يُهدم ، أليس هذا انتقام
لسوء أعمالِهم وخبث ضمائرهم ، وقد قال الله تعالى في القرآن :
(ذلكَ
جَزَيناهُم بِبغيِهم وإنّا لَصادقونَ .)
[ تخفيف الأحكام على المسلمين ]
وقد
خفّف الله الأحكام على المسلمين ولم يحرِّم عليهم مِمّا يُؤكل لحم سوى الخنزير
والميتة والدم ، وذلك لأنّ فيها أمراضاً ولذلك حرّمَها على المسلمين ، وذلك
قوله تعالى في سورة المائدة :
(حُرِّمَتْ
عليكمُ الميتةُ والدّمُ ولحمُ الخنزيرِ وما أُهلّ بِهِ لِغيرِ اللهِ والمنخنقةُ
والموقوذةُ والمتردّيةُ والنّطيحةُ وما أكلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكّيتم وما ذُبحَ
على النّصُبِ وأنْ تستقسِموا بالأزلام ذلكم فسقٌ )
إنّ المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السبع كلّها من جملة الميتة
. أمّا قوله تعالى :(وما ذُبِحَ على النّصُبِ)
يعني ما ذُبح لغير الله فهو حرام ، أي ما ذُبح للأصنام أو للمشايخ أو للأئمّة
فأكله حرام .
وإليك ما جاء في التوراة من التشديد في حكم الحائظ والنفساء وغير ذلك :
[ حكم النفساء ]
فقد جاء في سفر لاويّين ، في الإصحاح
الثاني عشر قال : "وكلّم الربّ موسى قائلاً كلّم بني إسرائيل قائلاً إذا حبلت
امرأةٌ وولدت ذكراً تكون نجسةً سبعة أيّام كما في أيّام طمثِها تكون نجسةً وفي
اليوم الثامن يُختن الولد لحم غرلته ، ثمّ تقيم ثلاثةً وثلاثين يوماً في دم
تطهيرها ، كلّ شيءٍ مقدّسٍ لا تمسّ وإلى المقدّس لا تجيء حتّى تكملَ أيّام تطهيرها
. وإن ولدت أنثى تكون نجسةً أسبوعين كما في طمثِها ، ثمّ تقيم ستّةً وستّين يوماً
في دم تطهيرها ."
فيكون مدّة نفاس الّتي ولدت ابناً أربعين يوماً ، أمّا الّتي ولدت بنتاً
يكون مدّة نفاسِها ثمانين يوماً ثمّ تغتسل وتطهر . ولعلّ هذه الفوارق حكم بِها
عزرا في توراته .
جاء في سفر
لاويّين في
الإصحاح الخامس عشر ما يلي :
"وإذا
كانت امرأةٌ لَها سيلٌ وكان سيلُها في لحمِها فسبعة أيّام تكون في طمثِها وكلّ من
مسّها يكون نجساً إلى المساء ، وكلّ ما تضطجع عليه في طمثِها يكون نجساً وكلّ ما
تجلس عليه يكون نجساً ، وكلّ من مسّ فراشَها يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً
إلى المساء ، وكلّ من مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحمّ بماءٍ ويكون نجساً
إلى المساء ، وإن كان على الفراش أو المتاع الّذي هي جالسة عليه عندما يمسّه يكون
نجساً إلى المساء ، وإن اضطجع معَها رجلٌ فكان طمثُها عليه يكون نجساً سبعة أيّام
وكلّ فراش يضطجع عليه يكون نجساً ."
فتكون مدّة انقطاع أزواجِهنّ عنهنّ أربعة عشر يوماً في كلّ شهر ، ثمّ الثياب
والأمتعة إذا تلطّخت بالدم لا تطهر بغسلِها بالماء فقط بل يجب قرضُها بالمقراض
وإزالتُها من الثياب ثمّ ترقيعُها . أليس هذه الأحكام من التشديد عليهم وذلك بسوء
أعمالِهم . ولم يشدِّد الله تعالى على المسلمين كما شدّد على اليهود ، فقد قال
الله تعالى في سورة البقرة ( ويسألونَكَ عن المحيضِ قُل هو أذىً
فاعْتزِلوا النساءَ في المحيض ولا تقرَبوهنّ حتّى يطهُرْنَ فإذا تطهّرْنَ فأْتوهنّ
من حيثُ أمرَكم اللهُ إنّ اللهَ يُحِبُّ التّوّابينَ ويُحِبُّ المُتطهّرِينَ .)
يا أهل الكتاب، في كتابكم تشديد ، وفي كتابنا تيسير وتمهيد ، وقد دعاكم الله تعالى
إلى اتِّباع القرآن المجيد ، فأجيبوا داعيَ الله : الرسول الرشيد ، وآمِنوا به
تنجوا من الوعيد ، واتركوا كتاباً لعبت به أيدي العبيد فغيّرت أحكامه بِما تهوى
أنفسُهم وتريد .
أمّا حكم الشّحم المحرَّم عليهم
فقد جاء في سفر لاويّين في الإصحاح السابع
قال :
"وكلّم
الربّ موسى قائلاً، كلِّمْ بني إسرائيل قائلاً ، كلّ شحمِ ثورٍ أو كبشٍ أو ماعزٍ
لا تأكلوا ، وأمّا شحم الميتة وشحم المفترسة فيستعمل لكلّ عملٍ لكن أكلاً لا تأكلوه
، إنّ كلّ من أكل شحماً من البهائم الّتي يقرّب منها وقوداً للربّ تقطع من شعبِها
النّفس الّتي تأكل ، وكلّ دمٍ لا تأكلوا في جميع مساكنكم من الطير والبهائم ، كلّ
نفسٍ تأكل شيئاً من الدم تقطع تلك النفس من شعبِها ."
ذلك التحريم والتشديد عليهم هو بسبب سوء أفعالِهم وظلمِهم وحقدهم . وقد قال
الله تعالى في سورة الأنعام :
(وعلى
الّذين هادُوا حرّمنا كلّ ذي ظُفرٍ ومن البقر والغنم ِ حرّمْنا عليهم شحومَهما
إلاّ ما حَملَتْ ظهورُهما أو الحوايا أو ما اخْتلطَ بِعظمٍ ، ذلك جَزَيناهُم
بِبغيِهم وإنّا لَصادِقونَ .)
قال الله تعالى في سورة البقرة : (وإذا قيلَ لَهم آمِنوا بِما أنزلَ اللهُ
قالوا نُؤمنُ بِما أنزِلَ علينا ويَكفُرونَ بِما وراءَهُ وهو الحقّ مُصدِّقاً لِما
معَهم قُلْ فَلِمَ تَقتُلونَ أنبياءَ اللهِ مِن قَبلُ إنْ كنتم مؤمِنينَ ؟)
وإليك ما جاء في توراتِهم مِنْ قتل الأنبياء ، فقد جاء في سفر إرميا في الإصحاح
السادس والعشرين ما يلي :
"وقد
كان رجلٌ أيضاً يتنبّأ باسم الربّ وهو أوريّا بن شمعيا من
قرية يعاريْم فتنبّأ على هذه المدينة وعلى هذه الأرض بكلّ كلام إرميا .
ولَمّا
سمع الملك يهوياقيم وكلّ أبطاله وكلّ الرؤساء كلامه طلب الملك أن يقتله ، فلَمّا
سمع أوريّا خاف وهرب إلى مصر ، فأرسل الملك يهوياقيم أناساً إلى مصر ألناثان بن
عكبور ورجالاً معه إلى مصر ، فأخرجوا أوريّا من مصر وأتَوا بِه إلى الملك يهوياقيم
فضربه بالسيف وطرح جثّته في قبور بني الشعب ، ولكن يد أخيقام بن شافان كانت مع
إرميا حتّى لا يدفع ليد الشعب ليقتلوه ."
ومن جملة الأنبياء الّذين قتلوهم النبيّ إشعيا ،
قتله منسيُّ بن حزقيا ملك يهوذا قتله نشراً بالمنشار .
وأرادوا
قتل النبيّ إيليّا فهرب منهم
وإليك
قصّته من سفر الملوك الأوّل في الإصحاح التاسع عشر :
"وأخبر
آخاب إيزابل بكلّ ما عمل إيليّا وكيف قتل أنبياء البعل [أنبياء البعل ـ يعني خدم
الصنم المسمّى بعل في القرآن ، واليهود يسمّونه البعليم ، وهم خدمه والدّاعين إلى
عبادته ، قتلهم النبيّ إيليّا بالسيف] ، فأرسلت إيزابل رسولاً إلى إيليّا تقول
هكذا تفعل الآلهة وهكذا تزيد إن لم أجعل نفسك كنفس واحدٍ منهم في نحو هذا الوقت
غداً . فلَمّا رأى ذلك قام إيليّا ومضى لأجل نفسه ... فجاء إلى جبل الله حوريب
ودخل المغارة وبات فيها وكان كلام الربّ إليه يقول مالك هاهنا يا إيليّا ، فقال قد
غرت غيرةً للربّ إلهِ الجنود لأنّ بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا
أنبياءك بالسيف فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها ."
وأرادوا
قتل المسيح فَنجّاه الله من أيديهم ، فذهب إلى ربوةٍ بالشام
في جبل قاسيون ، وهناك [الآن] مسجد صغير وفيه ساقية ماء ، وبقي هناك يعبد الله
ولحقته أمّه، وبعد زمن مات ودفن جسمه في تلك الربوة وصعدت نفسه إلى السماء .
والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة المؤمنون :
(وجَعلْنا
ابْنَ مريَمَ وأمّه آيةً وآوَيناهما إلى رَبوةٍ ذاتِ قرارٍ ومَعينٍ .)
وإليك ما جاء في قتلِهم الأنبياء والوعّاظ الآمرين بالقسط . وذلك في سفر صموئيل
الأوّل في الإصحاح الثاني والعشرين ما يلي :
"فقال
الملك لِدُواغ دُرْ أنت وقَعْ بالكهنة ، فدار دُواغ الأدوميّ ووقع هو
بالكهنة وقتل في ذلك اليوم خمسةً وثمانين رجلاً
لابسي أفود كِتّانٍ ، وضرب نوب مدينة الكهنة بِحدّ السيف ."
لقد جاء في سفر إرميا في الإصحاح السابع
قال الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل على لسان النبيّ إرميا :
"ها
إنّكم متَّكِلون على كلام الكذب الّذي لا ينفع ، أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون
كذباً وتبخِّرون للبعل وتسيرون وراء آلِهَةٍ أخرى لم تعرفوها ، ثمّ تأتون وتقفون
أمامي في هذا البيت الّذي دُعِيَ باسمي عليه وتقولون أنقذْنا ، حتّى متى تعملون
كلّ هذه الرجاسات ، هل صار هذا البيت الّذي دُعي باسمي عليه مغارةَ لصوصٍ في
أعينكم . أما ترى يا إرميا ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع أورشليم ، الأبناء
يلتقطون حطباً والآباء يوقدون النّار والنساء يعجنّ العجين لِيصنعنَ كعكاً لِملكةِ
السماوات [ يريد بذلك الشعرى اليمانيّة ، هكذا كانوا يلقِّبونَها] ، ولسكب سكائب
لآلهةٍ أخرى لكي يغيظوني ، أفإيّاي يغيظون يقول الربّ ، أليس أنفسهم لأجل خزي
وجوهِهم ، لذلك هكذا قال السيّد الربّ ، ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على
الناس وعلى البهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الأرض فيتّقدان ولا ينطفيان ."
وجاء في سفر
إرميا في
الإصحاح العشرين قال :
"وسمع
فشحور بن إمير الكاهن ، وهو ناظرٌ أوّل في بيت الربّ سمع إرميا يتنبّأ بهذه
الكلمات فضرب فشحور إرميا النبيَّ وسجنه في المقطرة الّتي في باب بنيامين
الأعلى الّذي عند بيت الربّ ، وكان في الغد أنّ فشحور أخرج إرميا من المقطرة
، فقال له إرميا لم يدعُ الربّ اسمك فشحور بل مَجور مسّايب ، لإنّه هكذا قال الربّ
، ها أنَذا أجعلك خوفاً لنفسك ولكلّ محبّيك فيسقطون بسيف أعدائهم وعيناك تنظران
وأدفع كلّ ثروة هذه المدينة وكلّ تعبِها وكلّ مثمّناتِها وكلّ خزائن يَهوذا
أدفعُها إلى أعدائهم فيغنمونَها ويأخذونَها ويُحضرونَها إلى بابل وهناك تموت
وهناك تُدفَن أنت وكلّ محبّيك الّذينَ تنبّأت لَهم بالكذب ."
وجاء في سفر
حزقيال (
ذو الكفل) في الفصل الثاني عشر عن لسانه ما يلي :
"فقل
لَهم هكذا قال السيّد الربّ إنّ هذا الوقر على الرئيس في أورشليم وعلى جميع آل
إسرائيل الّذينَ هم في جملتِهم ، قل أنا آية لكم إنّه كما صنعت كذلك يُصنع
بِهم يذهبون إلى الجلاء والسبي ، والرئيس الّذي في وسطِهم يُحمل على الكتف
في الغسق ، يخرجون وينقبون الحائط ليخرجوا ، وهو يغطّي وجهَه لئلاّ يرى الأرض
بعينيه، وأبسط شركي عليه فيؤخذ في أحبولتي وآتي به إلى بابل إلى أرض
الكلدانيّين ولا يراها ويموت هناك ، وجميع الّذين حولَه أعوانه وكلّ جيوشه أذريهم
لكلّ ريحٍ وأستلّ السيف وراءهم ."
وقد وقعت عليهم كلّ التنبّؤات الّتي تنبّأ لَهم بِها النبيّ إرميا وحزقيال ، فقد
جاءهم ملك بابل بجيشٍ جرّار وحاصرهم داخل بلدتِهم سنتينِ حتّى أنْهكهم الجوع فنقب
ملكهم صدقيا السور هو وجماعة معه ليلاً ليخرجوا من المدينة فرآهم جيش نبوخذنصّر
فقبضوا عليهم فقتل بعضَهم وأخذ الباقين أسرى إلى بابل في العراق .
قال الله تعالى في سورة النساء 155 -157 (فَبِما
نقضِهم ميثاقَهم وكفرِهم بآياتِ اللهِ وقتلِهم الأنبياءَ بغيرِ حقٍّ وقولِهم
قلوبُنا غُلفٌ بل طبعَ اللهُ عليها بكفرِهم فلا يُؤمنونَ إلاّ قليلاً . وبكفرِهم
وقولِهم على مريَمَ بُهتاناً عظيماً . وقولِهم إنّا قتَلنا المسيحَ عيسى بنَ
مريَمَ رسولَ اللهِ)
وقال تعالى في سورة الصف 6-8 : (وإذْ قالَ عيسى بنُ مريَمَ
يا بني إسرائيلَ إنّي رسولُ اللهِ إليكم مُصدِّقاً لِما بينَ يديَّ من التوراةِ
ومبشِّراً بِرسولٍ يأتي مِن بعدي اسْمُهُ أحمدُ فلَمّا جاءَهم بِالبيِّناتِ قالوا
هذا سِحرٌ مبينٌ . ومَنْ أظلمُ مِمّن افتَرى على اللهِ الكذِبَ وهو يُدعى إلى
الإسلامِ واللهُ لا يَهدي القومَ الظالِمينَ . يُريدونَ لِيُطفئوا نورَ اللهِ
بِأفواهِهم واللهُ مُتِمّ نورِهِ ولوكرِهَ الكافرونَ .)
وقال تعالى في سورة المائدة 78-79 (لُعِنَ الّذينَ كفَروا
مِنْ بني إسرائيلَ على لِسانِ داودَ وعيسى بنِ مريَمَ ذلك بِما عَصَوا وكانُوا
يعتدونَ . كانوا لا يَتناهَونَ عنْ منكَرٍ فَعلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعلونَ .)
أيّها الإنسان المسيحيّ المؤمن برسالة السيّد المسيح، كيف تساعد اليَهود بالمال أو
بالسلاح أو بشيءٍ آخر ، وقد تعلم كيف آذَوا المسيح وكذّبوه وقالوا ساحرٌ كذّاب ،
وكيف تساعدهم وقد لعنَهم المسيح في إنجيلِه وداود في مزاميره ولعنَهم الله في
قرآنه ، وذلك لأنّهم أشرار مَنْ في الأرض أجمعين : منافقين حقودين خدّاعين يزرعون
العداوة بين الناس بالفتن ويهلكون الحرث والنسل ويفسدون في الأرض والله لا يحبّ
الفساد .
وإليك
ما جاء في إنجيل لوقا باختصار بخصوص
تكذيبِهم للسيّد المسيح وأذاهم له والتربّص لقتله ، فقد جاء في
الإصحاح
الثاني والعشرين (إنجيل لوقا ) :
"وقرب
عيد الفطير الّذي يقال له الفصح ، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه ،
لأنّهم خافوا الشعب . فدخلَ الشيطان في يَهوذا الّذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة
الإثني عشر ، فمضى وتكلّمَ مع رؤساء الكهنة وقوّاد الجند كيف يسلِّمه إليهم ،
ففرحوا وعاهدوه أن يُعطوه فضّةً ، فواعدَهم ، وكان يطلب فرصةً ليسلّمه إليهم خلواً
من جمعٍ .
وبينما هو يتكلّم إذا والّذي يُدعى يّهوذا أحد الإثني عشر يتقدّمُهم فدنا من يسوع
ليقبّله ، فقال له يسوع يا يَهوذا أبقبلةٍ تُسلِّم ابنَ الإنسان ؟ ثمّ قال يسوع
لرؤساء الكهنة وقوّاد جند الهيكل والشيوخ المقبِلينَ عليه ، كأنّه على لصٍّ خرجتم
بسيوفٍ وعصيٍّ ؟ إذ كنت معكم كلّ يومٍ في الهيكل لم تمدّوا عليّ الأيدي ، ولكنّ
هذه ساعتكم وسلطان الظُّلمة .
فأخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة ، وأمّا بطرس فتبعه من بعيد ...
والرجال الّذينَ كانوا ضابطين يسوعَ كانوا يستهزئون به وهم يجلدونَه ، وغطّوه
وكانوا يضربون وجهَه ويسألونَه قائلين تنبّأ ، مَن هو الّذي ضربك ، وأشياء أخرى
كثيرةً كانوا يقولون عليه مجدّفينَ .
وإذا كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إلى مجمعِهم ،
قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا . فقال لَهم إن قلت لكم لا تصدِّقون ، وإن سألت
لا تجيبوني ولا تطلقوني ، منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوّة الله ،
فقال الجميع أفأنتَ ابنُ الله ؟ فقال لَهم أنتم تقولون أنّي أنا هو، فقالوا ما
حاجتُنا إلى شهادةٍ لأنّنا سمعنا من فمِه ."
الإصحاح الثالث
والعشرين ( إنجيل لوقا ) :
" فقام كلّ جمهورهم وجاءوا به إلى بيلاطس ، وابتدءوا يشتكون عليه قائلين
إنّنا وجدنا هذا يُفسد الأمّة ويمنع أن تعطى جزيةٌ لقيصر قائلاً أنّه هو مسيحٌ
ملكٌ ، فسأله بيلاطس قائلاً أنت ملك اليَهود ؟ فأجابه وقال أنت تقول ، فقال بيلاطس
لرؤساء الكهنة والجموع إنّي لا أجد علّةً في هذا الإنسان ، فكانوا يشدِّدونَ
قائلين إنّه يُهيّج الشعب وهو يُعلِّم في كلِّ اليَهوديّة مبتدئاً من الجليل إلى
هنا ، ...
فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب ، وقال لَهم ، قد قدّمتم إليّ هذا
الإنسان كمن يفسد الشعب ، وها أنا قد فحصتُ قدّامكم ولم أجدْ في هذا الإنسان علّةً
مِمّا تشتكون به عليه ، ولا هيرودس أيضاً لأنّي أرسلتُكم إليه ، وها لا شيء
يستحقُّ الموت صنع منه ، فأنا أؤدّبه وأطلقه ، و كان مضطرّاً أن يطلق لَهم كلّ
عيدٍ واحداً ، فصرخوا بجملتِهم قائلين خذ هذا وأطلق لنا بارابّاس ، وذاك كان قد
طرح في السجن لأجل فتنةٍ حدثت في المدينة وقتلٍ ، فناداهم أيضاً بيلاطس وهو يريد
أن يطلق يسوع ، فصرخوا قائلين اصلبْه ، فقال لَهم ثالثةً وأيُّ شرٍّ عمل هذا ،
إنّي لم أجدْ فيه علّةً للموت . فكانوا يُلحّون بأصواتٍ عظيمةٍ طالبين أن يُصلب ،
فقويت أصواتُهم وأصوات رؤساء الكهنة ، فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم ، فأطلق الّذي
طرح في السجن وأسلم يسوع لِمشيئتِهم ."
أقول بعد هذه الحادثة واجتماع اليّهود عليه وأذاهم له تنظر إلى اليَهود بعطفٍ
وتساعدهم بشيءٍ من المال أو السلاح فيكون المسيح خصمك ولا يشفع لك عند الله يوم
القيامة حيث أنّك تساعد أعداء المسيح وأعداء الله الّذين لعنَهم في قرآنه ولعنَهم
المسيح في إنجيله ولعنَهم داود في مزاميره ، فيجب عليك أن تعادي اليَهود ولا
تساعدهم بشيءٍ من المال أو السلاح لكي يرضى عنك يسوع ابن الإنسان . فاليَهود
المعاصرون هم أحفاد أولئك الّذينَ آذَوا يسوع وكذّبوه وأرادوا صلبه ، وهم راضون
بِما فعل أجدادهم بالمسيح ، ومَنْ رضِيَ بعمل قومٍ أُشرك في عملِهم ،
فانبذْهم ولا تساعدْهم لكي يشفعَ لك المسيح يوم القيامة .
رسول
المسيح
وعد
بلفور (2 تشرين الثاني عام 1917 )
لم يقف غدر إنجلترا بالعرب عند حد تقسيم الأرض العربيّة بينَها وبين فرنسا بل عمد
وزير خارجيّتِها آرثر بلفور إلى وعد الصّهاينة بإعطائهم فلسطين ليؤسّسوا عليها
كيانَهم العنصري . وقد جاء هذا الوعد على شكل رسالة من بلفور إلى اللورد الصّهيوني
روتشيلد ،
هذا
نصّها :
"إنّ
حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليَهودي في فلسطين
وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يُفهمَ جليّاً أنّه لن يسمح
بأيّ إجراء يلحق الضرر بالحقوق المدنيّة والدينيّة الّتي تتمتّع بِها المجتمعات
غير اليَهوديّة القائمة في فلسطين ، ولا بالحقوق أو المركز السياسي الّذي يتمتّع
به اليَهود في البلدان الأخرى ."
كانت إنجلترا ترمي
بوعدها هذا إلى هدفين
الأوّل ـ استمالة
العناصر الصهيونيّة في ألمانيا والنمسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة بنفوذهم
السياسي والاقتصادي والصحفي لتأييد قضيّة الحلفاء في الحرب .
ثانياً
ـ إيجاد
كيان عنصري غريب عن المنطقة العربيّة ليكون قاعدةً لتأييد نفوذهم ومصالحِهم وتأمين
الاتّصال البحري مع الشرق كما يحول دون تحقيق الوحدة العربيّة في المستقبل .
ويعتبر وعد بلفور من أغرب الوثائق الدوليّة في التاريخ إذْ منحت بِموجبه دولة
استعماريّة أرضاً لا تملكها إلى جماعة غريبة على حساب مَن يملكها وهو الشعب العربي
الفلسطيني الّذي شُرِّد من أرضه .
وعندما أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني حسبما قرّر ذلك مؤتمر سان ريْمو
عام 1920 ، نصّ صكّ الانتداب على ضرورة قيام إنجلترا بتحقيق وعد بلفور ،
فعيّنت صهيونيّاً ليكون أوّل مندوب سامٍ لَها في فلسطين ، وتحت رعايته نشط
الصهاينة وعملوا على بسط نفوذهم والإكثار من مهاجريهم حيث فتح باب الْهجرة
الصهيونيّة إلى فلسطين على مصراعيه وشجّع الاستيلاء على الأراضي بشتّى الوسائل
فأنشئت الكثير من المستعمرات والمؤسّسات والشركات الصهيونيّة .
ولم يقف الشعب العربي في فلسطين صامتاً تجاه ذلك ، بل انتفض بثورات عارمة أريقت
فيها دماء الشهداء ، أشهرها ثورة عام 1936 الّتي استمرّت حتّى
عام 1939 حيث استخدمت إنجلترا فيها الدبّابات والطائرات لإخْمادها
بالتعاون مع العصابات الصهيونيّة المسلّحة .
أدخلت الحرب العالميّة الثانية عاملاً جديداً في مشكلة فلسطين تتمثّل في ظهور
الولايات المتّحدة الأمريكيّة كأقوى دولة استعماريّة في العالم ، فاهتمّ الصهاينة
بالسعي لديها حتّى تتبنّى مشروعَهم الاستيطاني في فلسطين . وكان في رئاسة الولايات
المتّحدة آنذاك صهيوني كبير هو ترومان الّذي سبق وأن طالب بفتح أبواب فلسطين
للهجرة الصهيونيّة . فشكّلت الولايات المتّحدة مع إنجلترا لجنة ً أصدرت توصيات
منها إصدار مائة ألف تصريح لمهاجرين جدد إلى فلسطين وأن تسير الهجرة الصهيونيّة
بأسرع ما يمكن وإطلاق حرّية الاستيلاء على الأراضي العربيّة من قبل الصهاينة .
وعندما قُدّم مشروع تقسيم فلسطين إلى منظّمة الأمم المتّحدة
عام 1947 سعت الدول الإمبريالية وفي مقدّمتِها الولايات المتّحدة إلى
إقراره . ولكنّ العرب رفضوا المشروع وحاربوه . وأعلنت إنكلترا انتهاء انتدابِها
على فلسطين عام 1948 بعد أن سلّمت كلّ المؤسّسات والإدارات
والمواقع المهمّة إلى الصهاينة الّذين أعلنوا قيام كيانِهم العنصري ، فسارعت
الولايات المتّحدة بعد 16 دقيقة من ذلك إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني
ومدّه بالمعونة الاقتصاديّة والعسكريّة .
بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني في 15 مايس 1948 دخلت أرض
فلسطين وحدات عسكريّة من مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان للدفاع عن الشعب
العربي وتحرير أرضه ، وبالرغم من قلّة عددها وتخلّف تسليحِها استطاعت أن تُحرّر
مناطق واسعة من فلسطين ، فتدخّلت الولايات المتّحدة لدى مجلس الأمن ليقرّر وقف
القتال وإعلان الْهدنة . فقام الصهاينة بتنظيم عصاباتِهم وتسليحِها والْهجوم على
القوّات العربيّة ثمّ أُعلنت الْهدنة الثانية فزحف الصهاينة ليستولوا على معظم
أراضي فلسطين .
إنذار للصهاينة بالفناء
إن لم يؤمنوا بالقرآن
قال الله تعالى في سورة الإسراء : (وقَضَينا إلى بني إسرائيلَ في الكتابِ
لَتُفسِدُنّ في الأرضِ مرّتينِ ولَتَعلُنّ عُلوّاً كبيراً 5 فإذا
جاءَ وعدُ أولاهما بَعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسُوا خِلالَ
الديارِ وكانَ وعداً مفعولاً 6 ثمّ ردَدنا لكم الكرّةَ
عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعَلناكم أكثرَ نفيراً 7 إنْ
أحسنتم أحسنتم لأنفسِكم وإنْ أسَأتم فلَها فإذا جاءَ وعدُ الآخرةِ لِيَسوءوا
وُجوهَكم ولِيَدخلوا المسجدَ كما دَخَلوهُ أوّلَ مرّةٍ ولِيُتبّروا ما عَلَوْا
تَتبيراً 8 عسى
ربّكم أنْ يَرحمَكم وإنْ عُدتُم عُدنا وجَعَلنا جَهنّمَ لِلكافرينَ حَصيراً .)
المعنى :
لَمّا أسلم من اليَهود عبد الله بن سلام وجماعة معه ، دعا الباقين إلى الإسلام فلم
يستجيبوا له ولم يسلموا . وذلك قوله تعالى في سورة الأحقاف (قل أرأيتم
إنْ كانَ مِنْ عِندِ اللهِ وكَفرتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهدٌ مِنْ بني إسرائيلَ على
مِثلِه فآمَنَ واستَكبَرتم إنّ اللهَ لا يَهدي القومَ الظّالِمينَ ) ، فحينئذٍ أنذرهم الله بالدّمار في هذه الآيات ،
فقال
تعالى (وقَضَينا
إلى بني إسرائيلَ في الكتابِ ) أي في القرآن ، يعني بني إسرائيل
المعاصرين لرسول الله محمّد بن عبد الله ، ومعنى (قَضَينا) :
أنذرناهم وحكمنا عليهم بالدمار إن لم يُصلحوا أعمالَهم ويُسلِموا ، فالقضاء هو
الحكم القطعي الّذي لا تغيير فيه ، ومثله قوله تعالى (وقَضى ربّكَ ألاّ
تَعبُدوا إلاّ إيّاهُ ) أي حكم ربّك حكماً قطعيّاً
، ومن ذلك قول عنترة :
جاروا
فحكّمنا الصّوارمَ
بيننا
فقضتْ وأطرافُ الرّماحِ شُهودُ
والمعنى قل يا محمّد لبني إسرائيل المعاندين الّذينَ لم يُسلموا (لَتُفسدُنّ
في الأرضِ مرّتينِ ولَتعلُنّ عُلُوّاً كبيراً) فاللام من قوله تعالى (لَتفسدنّ) لام العاقبة وكذلك قوله تعالى (ولَتعلنّ
عُلُوّاً كبيراً) وهذا إخبار عن المستقبل ، وتقديره
لتفسدنّ إلى[ المسلمين و] الإسلام مرّتين في المستقبل ، وليس هذا إخباراً عن
الماضي كما ذهب إليه المفسِّرون لأنّ فسادهم في الماضي كثير وليس مرّتين ، وقد
أيّد هذا القول الأستاذ عبد الرحيم فودة في مجلّة لواء الإسلام في العدد الأوّل
للسنة الحادية والعشرين والمؤرّخة غرّة رمضان سنة 1386 هجريّة
والمقال في صحيفة 55 ، ومن جملة ما قاله الأستاذ : "إنّ كلام
المفسِّرين ليس حجّة ، حجّة لو أنّ كلامَهم تُرشد إليه مفاهيم اللغة ، لقد قالوا
أنّ بختنصّر هو دمّر بني إسرائيل ، وكان هذا وعد أولاهما . وأنا أقول بكلام القرآن
نفسه : ليس هذا هو الصحيح وليس كلام المفسِّرين حجّة على القرآن ، يعني أنّ القرآن
لم يستوعبْه المفسِّرون ، وأعظم مفسِّر كان يفسّر القرآن فينتهي بقوله ’والله أعلم
بمراده‘ " إنتهى .
والدليل على أنّ هذا إخبار عن المستقبل قوله تعالى (فإذا جاءَ وعدُ أولاهما )
فكلمة "إذا" تستعمل للمستقبل ، فلو كان إخباراً عن الماضي لقال تعالى :
فلمّا جاء وعد أولاهما ، ثمّ قوله تعالى ( بَعَثنا عليكم عباداً لنا
أولي بأسٍ شديدٍ) فلو كان إخباراً عن الماضي لقال : بعثنا
عليهم ، ولم يقل (بَعَثنا عليكم) ، فكلمة
(عليكم) تدلّ على اليَهود الّذينَ كانوا في زمن النبيّ (ع) ومَن يأتي بعدهم .
وقد جاءت الآيات القرآنيّة الّتي تخبر عن الماضي مبتدئةً بكلمة (فلمّا) ولم تأتِ
مبتدئةً بكلمة (إذا) ، ومن جملتِها قوله تعالى في سورة الزخرف (فلَمّا آسَفونا
انْتَقمنا منهم فأغرقناهم أجْمعين) وقال تعالى في سورة آل عمران (فلَمّا أحسّ عيسى
مِنهم الكفرَ قالَ مَنْ أنصاري إلى الله) وقال تعالى في سورة
الأنبياء (فلَمّا أحسّوا بأسّنا إذا هم يَركضونَ ) وكثير في القرآن مثل
هذه الآيات الّتي تخبر عن الماضي .
ففسادهم الأوّل وغدرهم في الإسلام [والمسلمين] كان في سنة 1948 ميلاديّة
حيث قتلوا المسلمين في فلسطين وأخرجوهم من ديارهم وأخذوا أموالَهم وديارهم وتركوهم
بلا مأوى ، وذلك بمساعدة الإنجليز وأمريكا ووعد بلفور لَهم بأن يجعل لَهم وطناً في
فلسطين ، فخرج جيش العراق والعرب لمحاربتِهم وحاربوهم وانتصروا عليهم ودخل الجيش
أرض فلسطين وجاس خلال الديار وكاد أن يدخل تل أبيب ، ولو لم تكن السلطة حينئذٍ بيد
الإنجليز والخيانة من بعض رؤساء العرب لقضى جيش العراق على الصهاينة ولكنّ
الإنجليز خدعوهم بكلمة الْهدنة ، فكانت الْهدنة دسيسة وخديعة من الإنجليز ، ورجع
الجيش إلى العراق .
فجيش
العراق هم الّذينَ عناهم الله تعالى بقوله ( عباداً لنا أولي بأسٍ
شديدٍ فجاسوا خلال الدّيارِ وكان وعداً مفعولاً )
أمّا
قوله تعالى ( ثمّ رَدَدنا لكم الكرّةَ عليهم)
فالخطاب لليَهود ، والمعنى : ثُمّ قوّيناكم على المسلمين ونصَرناكم عليهم ، وذلك
بسبب تفرّق كلمتِهم وتركِهم للدِّين الحنيف وتقليدهم للأجانب والتزيّي بزيّهم
لتكون هذه النّكسة تأديباً لَهم .
(وأمْدَدْناكم )
أيّها اليَهود (بأموالٍ وبنينَ وجَعَلناكم أكثرَ نفيراً)
أي أكثر المسافرين إليكم من أبناء دينِكم من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض ، ومِمّا
يؤيّد هذا قوله تعالى في نفس السّورة ( وقُلنا مِن بَعدِهِ لِبني إسرائيلَ
اسْكنوا الأرضَ فإذا جاءَ وَعدُ الآخرةِ جئنا بِكم لَفيفاً ) واللفيف هم جماعة على اختلاف بلادهم وأجناسِهم ولغاتِهم . وقد
اجتمعوا في فلسطين من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض وزادت سطوتُهم بسبب أمريكا
وبريطانيا وكثرت أموالُهم بسبب التبرّعات الّتي تقدِّمُها لَهم ألمانيا الغربيّة
وأمريكا وغيرهُما من الدول .
ثمّ أخذ سبحانه في نصحِهم وإرشادهم فقال (أحسنتم )
مع الناس (أحسنتم
لأنفسِكم)
لأنّكم بالإحسان تزرعون المودّة في قلوب الناس (وإنْ أسأتم )
مع الناس (فلَها )
إساءتُها ، لأنّ مَنْ يزرع الحنظل لا يجني إلاّ حنظلاً. وكانت الجولة الثانية من
فسادهم وغدرهم بالإسلام [والمسلمين] سنة 1967 ميلاديّة إذ غدروا
بالمسلمين وضربوا مصر والأردن وسوريا وقتلوا آلاف الأبرياء وشرّدوا النساء
والأطفال . فكانت المدّة الزمنيّة بين الأولى والثانية عشرين سنة ،
ثمّ
قال الله تعالى (فإذا جاءَ وعدُ الآخرةِ )
أي المرّة الأخيرة (لِيَسوءوا ) المسلمون (وُجوهَكم )
أيّها اليَهود ، يعني ليخزوا رؤساءكم ويذلّوهم بالأسر والقتل . فالوجوه هم الرؤساء
والقادة .
فالّذينَ جاسوا خلال الديار في أوّل مرّة هم الّذين يسوءون وجوه اليَهود في المرّة
الأخيرة وهم الّذين سيُتبِّرون ما علَوا تتبيراً
( وليدخُلوا
المسجدَ)
منتصرين ، يعني المسجد الأقصى (كما دخلوهُ ) العراقيّون (أوّلَ
مرّةٍ )
سنة 1948 ميلاديّة ، فكذلك في المرّة الأخيرة يخرجونكم منه ويُذلّونكم
بالقتل والأسر .
وفي هذه الجملة تأكيد على أنّ الّذينَ جاسوا خلال الدّيار في الجولة الأولى هم
الّذين يسوءون وجوه اليَهود في الجولة الأخيرة ، وهم العراقيّون بعون الله تعالى
( ولِيُتَبِّروا
ما عَلَوا تتبيراً) من أملاك اليَهود ، والمعنى ليدمِّروا ما
بنَوهُ اليَهود عالياً من أسوار ومرتفعات وما وطئته أقدام المسلمين من أرض اليَهود
ومنازلِهم تدميراً .
فالنصر يكون على أيدينا ـ نحن العراقيّين ـ في هذه المرّة بعون الله تعالى ،
والشّاهد على ذلك قول الإمام علي (ع)
، وذلك ما جاء في كتاب ( من كنت مولاه)في صحيفة 293 من الجزء الثامن قال
:
"وستأتي
اليَهود من الغرب لإنشاء دولتِهم بفلسطين ، قال الناس : أين تكون العرب ؟ أجاب (ع)
: آنذاك تكون مفكّكة العرى غير متكاتفة وغير مترادفة . ثمّ سئل : أيطول هذا البلاء
؟ قال : لا ، حتّى إذا أطلقت العربُ أعنّتَها ورجعت إليها عوازم أحلامِها ، عندئذٍ
يُفتح على أيديهم فلسطين ، وستخرج العرب ظافرة وموحّدة وستأتي النّجدة من العراق
كُتب على راياتِها القوّة *، وستشترك العرب والإسلام كافّة لتخلِّص
فلسطين ، معركةٌ وأيّ معركة ، في جلِّ البحر تخوض الناّس في الدّماء ويمشي الجريح
على القتيل ، وستفعل العرب ذلك ثلاثاً وفي الرابعة يعلم الله ما في
نفوسِهم من الثبات والإيمان فيرفرف على رؤوسِهم النصر . ثمّ قال
"وأيم الله سيُذبَحونَ ذبحَ النّعاج حتّى لا يبقى يَهودي في فلسطين . "
[* لعلّها
كلمة الله أكبر المكتوبة
على العلم العراقي – تعقيب على المؤلِّف]
ومِمّا يؤيّد هذا قول السيّد المسيح وذلك في إنجيل لوقا في
الإصحاح الحادي والعشرين قال :
"ومتى
رأيتم أورشليم محاطة بجيوشٍ فحينئذٍ اعلموا أنّه قد اقترب خرابُها ، حينئذٍ ليهرب
الّذينَ في اليَهوديّة إلى الجبال ، والّذينَ في وسطِها فليفرّوا خارجاً ، وفي
الكور فلا يدخلوها ، لأنّ هذه أيّام انتقامٍ ليتمّ كلّ ما هو مكتوبٌ ، وويلٌ
للحبالى والمرضعات في تلك الأيّام لأنّه يكون ضيقٌ عظيم على الأرض وسخطٌ على هذا
الشعب ، ويقعون بفم السيف ويُسبَونَ إلى جميع الأمم ، وتكون أورشليم مدوسةً من
الأمم حتّى تكمل أزمنة الأمم ."
يعترض بعض اليَهود والنصارى على المسلمين بقولِهم إنّ في القرآن ناسخاً
ومنسوخاً كما تقولون أيّها المسلمون - أي آية تنسخ آية وتبطل حكمَها
وتقوم مقامَها – وإنّ التوراة والإنجيل مثبتان محكمان ليس فيهِما منسوخ
.
أقول إنّ المسلمين لم يفهموا المتشابه من القرآن فلذلك قالوا بالناسخ والمنسوخ ، لأنّ
القرآن فيه آيات محكمات وآيات متشابِهات، فالآيات المحكمة معناه المعروفة
البيّنة . وأمّا الآيات المتشابِهة ، معناه الّتي يشتبه على الإنسان معرفتُها فلا
يعلم المقصود منها إلاّ بعد شرحِها بالتفسير ، لأنّ فيها ألغازاً . ولكنّ الله
تعالى وعد ببيانها إن عجز المشركون عن فهمِها وحلِّ ألغازها ؛ وذلك لأنّ بعض
المشركين قالوا إنّ القرآن لم ينزل من السماء بل قاله محمّد من نفسه . فردّ الله
عليهم فقال أنتم عرب ومحمّد عربيّ وقلتم أنّ القرآن قاله محمّد فجاروا القرآن
وأْتوا بسورةٍ واحدة مثل سور القرآن المحكمات أوحلُّوا لغزاً من ألغازه إن كنتم
صادقين في قولكم بأنّ محمّداً قاله من نفسِه ، فعجزوا عن الإتيان بمثله وعن حلّ
لغز من ألغازه .
وإنّما جعل في القرآن ألغازاً وآيات متشابِهة لأنّ هذه العادة كانت مستعملة عند
العرب في زمن الجاهليّة ويعدّونَها من الفصاحة والبلاغة ، ولذلك أنزل الله القرآن
على ما جرتْ به عاداتُهم من الكلام .
فالقرآن
ليس فيه ناسخ ومنسوخ بل كلّه مثبت ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة
الأنعام (ولا مُبدّلَ لِكلماتِ اللهِ ولقد جاءَكَ مِن نبأِ المرسَلينَ ) وقال
أيضاً (وتمّتْ
كلمةُ ربِّكَ صِدقاً وعدلاً لا مُبدّلَ لِكلماتِهِ وهو السميعُ العليمُ )
وقال تعالى في سورة يونس (لَهمُ البُشرى في الحياةِ الدّنيا وفي
الآخرةِ لا تبديلَ لِكلماتِ اللهِ ذلكَ هو الفوزُ العظيمُ)
وقد
وعد الله تعالى بأن يبيّن للناس في المستقبل ما اشتبه عليهم من آيات القرآن وما
غمض عليهم فهمهُ وذلك قوله تعالى في سورة ص (ولَتعلَمنّ نبأهُ بعدَ
حينٍ )
أي بعد حينٍ من الدهر . وقال تعالى في سورة القيامة (ثُمّ إنّ علينا بيانَه )
أي بيان ما اشتبه عليهم من آيات القرآن الّتي لم يفهموها . وقال تعالى في سورة
الأنعام (ولِيقولوا
دَرَسْتَ ولنبيّنَه لقومٍ يعلمون ) وقد أنجز الله ما وعد إنّه لا يخلف
الميعاد ، وقد ألْهمني الله تفسير القرآن فألّفتُ كتاباً في تفسير القرآن وبيّنتُ
فيه معنى الآيات المتشابِهات وشرحتُها شرحاً وافياً فلم يبقَ في القرآن ما يشتبه
على الإنسان معناها ولا ما يعتقدون بأنّها آيات منسوخة بل يتّضح لَهم بأن ليس في
القرآن منسوخ بل كلّه مثبت ، وقد أسميته (حقائق التأويل في الوحي والتنزيل)
وسيُطبع عن قريب بعون الله تعالى .
[ ثانياً
: ما دلالة قوله تعالى : (فاسأل الّذينَ يَقرأونَ الكتابَ مِنْ قبلِكَ ) ؟ ]
سؤال : تقول إنّ التوراة الحاليّة فيها اختلافات كثيرة عن التوراة
الأصليّة الّتي مزّقَها ملك بابل ، إذاً فما معنى قول الله تعالى في سورة يونس
آية 94 (فَإنْ كنتَ في شكٍّ مِمّا أنزلْنا إليكَ
فاسْأل الّذينَ يَقرأونَ الكتابَ مِنْ قَبلِكَ لقد جاءَكَ الحقُّ مِنْ ربّكَ فلا
تكونَنّ مِنَ الْمُمترينَ ) ، أليس "الكتاب" يريد به
التوراة ؟
جواب :لَمّا نزل الوحي على النبيّ (ع) في
بادئ الأمر ودعا قومه إلى الإسلام أبَوا أن يُسلموا وأخذوا يسخرونَ مِنه وقالوا
إنّ الّذي جاءك بالوحي هو من الجنّ وليس من الملائكة ، ولو أراد الله أن يرسل
رسولاً لأنزل ملائكة . وذلك قوله تعالى حاكياً عن المشركين قولَهم في سورة
المؤمنين : (ولو شاءَ
اللهُ لأنزلَ ملائكةً ما سمِعنا بِهذا في آبائنا الأوّلينَ .)
فرجع النبيّ وفي نفسِه شكٌّ وقد تصاغرَ في نفسِه وقال لو كنتُ رسولاً وما
سَمِعتُهُ مِن الملَكِ حقّاً لآمن بي هؤلاءِ وصدّقوني ، فنزلت عليه هذه الآية
لِيطمئنّ في نفسه ويثبت على دعوتِه ولا يتردّد :
(فإنْ
كنتَ في شكٍّ مِمّا أنزَلنا إليكَ ) من الوحي (فاسْأل )
اليَهود (الّذين
يقرأون الكتابَ مِنْ قبلِكَ) وقل لَهم هل كانَ موسى ملَكاً نزل من
السماء أم هو بشرٌ مثلك ؟ وهل كانت الأنبياء الّذين جاءوا من بعدِه ملائكة نزلوا
من السماء أم هم بشرٌ مثلك ؟ فإن قالوا إنّهم بشرٌ مثلك فاعلم أنّك رسولٌ من عند
الله فقم بواجبِك وأنذرْ قومَك والله يَهدي من يشاء وليس عليك هداهم
(لقد
جاءَكَ الحقُّ مِنْ ربّكَ ) وليس من الجنّ كما يزعمون (فلا
تكونَنّ مِنَ الْمُمتَرينَ ) أي من الشاكّين ، يعني لا تشكّ في
نفسك ولا تتصاغر عن الرسالة فإنّ الله يختار لَها من يشاء من عباده وقد اختارك
لَها 95
(ولا
تكونَنّ مِنَ الّذينَ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ ) فتقول ربّما كان ذلك
من الجنّ وليس ملَكاً (فَتَكونَ مِنَ الخاسِرينَ
) فتخسر النبوّة وقد اختارك الله لَها
(إنّ
)
المشركين (الّذينَ
حَقّتْ عليهم كلمةُ ربِّكَ ) بالعذاب ( لا يُؤمِنونَ )
(
ولو
جاءَتْهم كلّ آيةٍ ) أي كلّ معجزةٍ يطلبونَها منك (حتّى
يَرَوا العذابَ الأليمَ ) في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة في
عذاب جهنّم .
ولَمّا
كثر عليه إنزال السور والآيات اطمأنّت نفسه وأيقن أنّه رسولٌ إلى قومه فأخذ يدعو
قومه إلى الإسلام بعزيمةٍ وينذرهم بقوّة قلبٍ ولا يلتفت إلى أقوالِهم ولا يهتمّ
بسخريتِهم حتّى آمن كثيرٌ منهم ، فنزل قوله تعالى في سورة البقرة (آمَنَ
الرسولُ بِما أنزِلَ إليهِ مِنْ ربِّهِ والْمُؤمِنونَ كلٌّ آمَنَ بِاللهِ
وملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ ...إلخ )
[ ثالثاً: لجوء النبيّ
محمّد إلى الحرب والقتال لنشر الإسلام ]
سؤال : إنّ الأنبياء يدعون إلى عبادة الله بالموعظة وبالكلام الليّن
لا بالحرب والقتال ، وقد قام محمّد بالحرب مع المشركين من قومه .
جواب
: إنّ رسول الله دعا قومه بالموعظة وبالكلام اللّيّن وبالتساهل معهم كما
أمره الله ، وذلك قوله تعالى في سورة النحل :
(أُدعُ
إلى سبيلِ ربِّكَ بِالحكمةِ والْمَوعظةِ الحسَنةِ وجادلْهم بالّتي هيَ أحسنُ إنّ
ربّكَ هو أعلمُ بِمَنْ ضلَّ عن سبيلِهِ وهو أعلمُ بالْمُهتدِينَ )
وقال تعالى في سورة فصّلت ( ولا تستوي الحسنةُ ولا السيّئةُ ادْفعْ
بالّتي هيَ أحسنُ فإذا الّذي بينَكَ وبينَهُ عداوةٌ كأنّهُ ولِيٌّ حميمٌ
.) ولكنّ المشركين من قومه آذَوه وسخِروا منه وأرادوا قتله فنجّاه الله من أيديهم
وآذَوا أصحابه وضربوهم وعذّبوهم بالنار وبالكي وقتلوا بعضَهم ، وكان (ع) صابراً
على أذاهم ولم يقاتلْهم ما دام مقيماً في مكّة
فلَمّا
هاجر إلى المدينة (يثرب) حينئذٍ أمره الله بقتال المشركين ، فقاتلَهم ، وذلك قوله
تعالى في سورة البقرة (وقاتِلُوا في سبيلِ اللهِ الّذينَ
يقاتِلونَكم ولا تَعتدُوا إنّ اللهَ لا يُحبُّ الْمُعتدينَ . واقْتلوهم
حيثُ ثقِفتموهم وأخرِجوهم مِنْ حيثُ أخرَجوكم والفتنةُ أشدّ مِنَ القتلِ ولا
تُقاتلوهم عندَ الْمسجدِ الحرامِ حتّى يُقاتلوكم فيهِ فإنْ قاتَلوكم فاقْتلوهم
كذلكَ جزاءُ الكافرِينَ .)
وقال في سورة التوبة (وقاتِلوا الْمُشركينَ كافّةً كما يُقاتلونَكم
كافّةً واعلموا أنّ اللهَ معَ الْمُتّقينَ .)
أقول إن كان محمّد (ع) قاتل المشركين الّذين آذَوه وكذّبوه فإنّ موسى أمر بني
إسرائيل بقتال الكنعانيّين وأخذ ديارهم وأموالِهم وهم لم يؤذوه ولم يقاتلوه
سو ى أنّهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام . وكذلك داود قاتل المشركين .
وغيرهُما من الأنبياء والرسل قاتلوا المشركين ، وذلك بأمرٍ من الله ، لأنّ اللهَ
تعالى يكره المشركين ويغضب عليهم ويسلّط عليهم من يُذلّهم بالقتل والأسر وسلب
أموالِهم .
إنّ رسول الله يسمّى محمّد ويسمّى أحمد أيضاً ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في
سورة الصف (وإذْ
قالَ عيسى بنُ مريَمَ يا بني إسرائيلَ إنّي رسولُ اللهِ إليكم مُصدّقاً لِما بينَ
يديّ منَ التوراةِ ومُبشّراً بِرسولٍ يَأتي مِنْ بَعدي اسْمُهُ أحمدُ فلَمّا
جاءَهم بِالبيّناتِ قالوا هذا سِحرٌ مبينٌ .)
وإليك ما جاء في ذكر النبيّ أحمد في إنجيل لوقا في النشيد
الملائكي في
الإصحاح الثاني قال :
"الحمد
لله في الأعالي وعلى الأرض سلامٌ وللناس أحمد" . فغيّروا معناها
بالترجمة والتفسير من اللغة السريانيّة إلى اليونانيّة ثمّ إلى العربيّة فكتبوا :
"الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة " . راجع كتاب
" الإنجيل والصليب" صحيفة 38 لمؤلّفه القسّ عبد الأحد داود .
أقول أيّ سلام كان على الأرض وأيّ مسرّةٍ حدثت فيها ؟ أفي الحرب العالميّة الأولى
كان السلام أم في الثانية ؟ أم في القنابل الذرّيّة أو الْهيدروجينيّة ؟ وأيّ
مسرّةٍ كانت لَهم بذلك ؟ وإنّما يكون السلام والمسرّة في زمن المهدي المنتظر .
وجاء في إنجيل
يوحنّا في
الإصحاح الرابع عشر :
"إن
كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم
إلى الأبد ، روح الحقّ الّذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنّه لا يراه ولا يعرفه ،
أمّا أنتم فتعرفونه لأنّه ماكثٌ معكم ويكون فيكم . لا أترككم يتامى إنّي آتي إليكم
، بعد قليل لا يراني العالم أيضاً ."
فقول السيّد المسيح "لا يراني العالم أيضاً" يعني يأتي بروحه لا بجسمه
فلذلك لا تراه الناس . وقد جاء بروحه وأفهمني أشياء كثيرة .
وقد جاء في مجموعة التوراة في الإصحاح الثامن عشر من سفر
التثنية قال
الله تعالى لموسى :
"أقيم
لَهم نبيّاً من بين إخوتِهم مثلك وألقي كلامي في فيه فيخاطبهم بجميع ما آمره بهِ ،
وأيّ إنسانٍ لم يطع كلامي الّذي يتكلّم به باسمي فإنّي أحاسبه عليه ."
ولكنّ اليَهود لم يؤمنوا بالمسيح ولا بالنبيّ محمّد ، بل عادوهما وأرادوا قتلَهما
فلم يتمكّنوا .
قال الله تعالى في ذمّ اليَهود في سورة النساء :
(151 إنّ
الّذينَ يَكفُرونَ بِاللهِ ورُسُلِهِ ويُريدونَ أنْ يُفرّقوا بينَ اللهِ
ورُسُلِهِ ويَقولونَ نُؤمنُ بِبعضٍ ونَكفرُ بِبعضٍ ويُريدونَ أنْ يَتّخذوا
بينَ ذلكَ سبيلاً 152 أولئكَ
هُمُ الكافرونَ حقّاً وأعتَدنا لِلكافرينَ عذاباً مُهيناً 154 يَسألُكَ
أهلُ الكتابِ أنْ تُنزّلَ عليهم كتاباً مِنَ السماءِ فقد سألُوا موسى أكبرَ
مِنْ ذلكَ فقالوا أرِنا اللهَ جَهرةً فأخذتْهمُ الصّاعقةُ بِظلمِهم ثُمّ اتّخذوا
العجلَ مِنْ بعدِ ما جاءَتْهمُ البيّناتُ فعفَونا عن ذلكَ وآتَينا موسى سُلطاناً مُبيناً 155 ورَفَعنا
فوقَهمُ الطّورَ بِميثاقِهم وقلنا لَهم ادخُلوا البابَ سجّداً وقُلْنا لَهم لا
تَعدوا في السبتِ وأخَذنا منْهم ميثاقاً غليظاً 156 فبِما
نَقضِهم ميثاقهم وكفرِهم بِآياتِ اللهِ وقتلِهم الأنبياءَ بِغيرِ حقٍّ وقولِهم
قُلوبُنا غُلفٌ بلْ طَبعَ اللهُ عليها بِكُفرِهم فلا يُؤمنونَ إلاّ قليلاً 157 وبِكفرِهم
وقولِهم على مريَمَ بُهتاناً عظيماً 158 وقولِهم
إنّا قَتَلنا المسيحَ عيسى بنَ مريَمَ رسولَ اللهِ ...)
أقول لقد أمرهم الله تعالى في الماضي أن يدخلوا قرية أريحا بالحرب ويخرجوا أهلَها
منها ويأخذوا بلادهم ، فامتنعوا عن الدخول وقالوا إنّا لن ندخلَها ما داموا فيها
فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون . وإنّما أُذِنَ لَهم أن يحاربوا الكنعانيّين
ويأخذوا بلادهم لأنّهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام . أمّا أهل فلسطين فَهم اليوم
مسلمون يعبدون الله وحده ولا يعبدون الأصنام . وقد أمر الله اليَهود وغيرهم من
الأديان أن يدينوا بدين الإسلام ؛ فقد بطلت جميع الأديان السابقة إلاّ الدّين
الجديد وهو دين الإسلام . فقد قال الله تعالى في سورة آل عمران (85 ومَنْ
يَبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ مِنهُ وهو في الآخرةِ مِنَ الخاسرينَ .)
ولكنّ اليَهود لا يزالون يسيرون على الأوهام فيعتقدون بأنّهم سيملِكونَ مِن النيل
إلى الفرات وسيعود إليهم مجدهم إذا اجْتمعوا في فلسطين ، وظنّوا أنّهم بالقوّة
ينتصرون على المسلمين ، فركنوا إلى قوّة أمريكا وسلطة رئيسِها رونالد ريكن [ كان
هذا يحكم في زمن طبع الكتاب في طبعته الأولى] وقتلوا المسلمين في فلسطين ولبنان
وشرّدوا الأطفال والنساء بلا رحمةٍ ولا شفقة ، وظلموا ولم يحسبوا للعاقبة حساباً ،
ولم يعلموا أنّما زرعوا الشرّ لأنفسِهم وسيحصدون أكثر مِمّا زرعوا ، وإنّ الله
تعالى يُمْهل ولا يُهمل ولن ينفعَهم حينئذٍ رونالد ريكن ولا قوّة أمريكا إذا
اتّفقت أقطار الإسلام وتكاتفت واجتمعت كلمتُها على قتال اليَهود وكان الله مع
المسلمين بالنصر . فالزمان يدور والأمور تتقلّب وكما فعلوا بالمسلمين سيفعل
المسلمون بِهم . فاليَهود جماعة قليلة بالنسبة إلى أقطار الإسلام
وهم 29 قطراً إسلاميّاً : فأوّلُها السعوديّة ، ثمّ العراق ،
سوريا , لبنان ، الأردن ، الكويت ، البحرين ، قطر ، الإمارات العربيّة ، عُمان ،
اليمن ،حضرموت ، مصر ، ليبيا ، تونس ، الجزائر ، المغرب موريتانيا ، السودان ،
الصومال ، تركيا ، إيران ، باكستان ، أفغانستان ، بنكلادش ، أندنوسيا ، ماليزيا ؛
فَهل يمكن لليَهود أن يقاوموا هذه الأقطار الإسلاميّة إذا توحّدت كلمتُها على
إفناء اليَهود وتخليص الأرض من شرّهم ، خصوصاً إن كان الله مع الْمسلمين بالنُّصرة
؟
قال الله تعالى في سورة غافر : ( 51 إنّا لَنَنصرُ رُسلَنا
والّذينَ آمَنوا في الحياةِ الدنيا ويومَ يقومُ الأشهادُ .)
فاليوم ليس لكم وسيلةٌ للنجاة من عقاب الله ولا من عقاب المسلمين إلاّ أن تؤمنوا
برسول الله محمّد بن عبد الله وتؤمنوا بقرآنه وتسيروا على نَهجِه . فإن كنتم في
شكٍّ من بعض آيات القرآن فاسألوني عنها وأنا أشرح لكم معناها لكي تكونوا من الموقنين
.
محمّد علي حسن
[توفّاه
الله تعالى سنة 1991 ]
Man after Death An Hour with Ghosts The Universe and the Quran The Conflict between the Torah and the Quran الخلاف بين التوراة و
القرآن الكون والقرآن المتشابه من القرآن ساعة قضيتها مع الأرواح