بسم الله الرحمن الرحيم
((أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُوا۟ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ))
صدق الله العظيم
سورة البقرة اية رقم 240
التفسير من كتاب المتشابه من القرانهنالمحمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)
(أَلَمْ تَرَ ) أيّها السامع ، والمعنى ألم تسمع بقصّة هؤلاء فتتفكّر في أمرهم وتعتبر بقصّتهم ، فلفظة "ترى" مأخوذة من الرأي وهو الفكر والعلم (إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ) هاربين من أعدائهم ، وهم بنو إسرائيل خرجوا من مصر مع موسى بن عمران (وَهُمْ أُلُوفٌ ) في العدد ، فكان عددهم ستمائة ألف رجل عدا الأطفال [خروج – الإصحاح الثاني عشر (التوراة) ] ، ساروا حتّى نزلوا قرب أرض كنعان ، فأمرهم موسى بجهاد عدوّهم والدخول إلى قرية أريحا فامتنعوا عن الجهاد (حَذَرَ الْمَوْتِ ) أي خرجوا من ديارهم حذراً من الموت تحت حكم فرعون لأنّه استعبدهم وقتل أبناءهم ، ونزل الطاعون بهم أيضاً فمات شيوخهم فهربوا من مصر ، ولَمّا أمرهم موسى بجهاد أعدائهم امتنعوا خوف القتل أيضاً (فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ) في هذا القفر فإنّكم لا تدخلون أرض كنعان بل يدخلها أولادكم بعد أربعين سنة هذا جزاء عنادكم وتكبّركم على الله وعلى رسوله .
فمات الآباء بالتدريج في تلك البرّية ولم يبق منهم إلاّ رجلين وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة لأنّهما كانا صالِحَين (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) بعد أربعين سنة ، أي أحيا ذكرهم بأولادهم حيث نصرهم على أعدائهم وأدخلهم أرض كنعان ، فالموت كناية عن الذلّ كقوله تعالى في سورة آل عمران {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} . والإحياء كناية عن العزّ والنصر (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) بكثرة النعم والتجاوز عن سيّئاتهم (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) هذه النعم بل يكفرون بدل الشكر .