من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القرآن المرحوم محمد علي حسن الحلي
الطبعة الثانية
طبع في بغداد مطبعة المعارف سنة 1383 هجرية الموافق 1964 ميلادية




قال الله تعالى في سورة الملك {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ، فما معنى قوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ} ، فهل الموت شيء مادّي فخلقه الله تعالى أم هو عارض ؟
جواب : الموت هنا يريد به الجماد ، كقوله تعالى في سورة البقرة {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ...الخ} ، ومعناه : كنتم جماداً فجعلكم أحياءً تسمعون وتبصرون ، وذلك لأنّ الإنسان كان جماداً في أوّل أمره ؛ فقد خلق الله تعالى أبانا آدم من الطين ، أمّا أولاده فمن مركّبات وعناصر أرضية كالصوديوم والبوتاسيوم والكلس والكبريت والكاربون والفسفور وغير ذلك ، فامتصّتها الأشجار والنباتات من الأرض فأصبح فاكهة في الأشجار أو حباً في السنبلة ، فلمّا أكلها الإنسان صارت في صلبه ماءً ، ثمّ انتقل ذلك الماء إلى رحم المرأة فصار في رحمها طفلاً ، فهذا معنى قوله تعالى {كُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} أي كنتم جماداً فجعلكم أحياءً ، وقال تعالى أيضاً في سورة الأنعام {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ...الخ} ، و قال تعالى في سورة النحل {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، فقوله تعالى {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء} يعني الأصنام التي يعبدونها هي جمادٌ لا حياة فيها.
فقوله تعالى{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} بعني خلق الجماد والحياة ، ولذلك قدّم كلمة "موت" على "الحياة" لأنّه تعالى خلق الجماد قبل الحياة . أمّا خلقة الحياة فهو مفهوم لأنّ منشأ الحياة من حجيرات حية نامية وإنّ الله تعالى خلق تلك الحجيرات وخلق كلّ شيء .