بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22 )وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) - سورة يوسف
التفسير من كتاب المتشابه من القران للمفسر المرحوم محمد علي حسن الحلي توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)
22 - (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة (آتَيْنَاهُ حُكْمًا) في مصر (وَعِلْمًا) في تعبير الرؤيا وغيرها (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الذين يحسنون أعمالهم وضمائرهم مع ربّهم ويحسنون إلى الناس.
23 - (وَرَاوَدَتْهُ) زليخا زوجة فوطيفار رئيس الشرطة (الَّتِي هُوَ) مقيم (فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) مراراً عديدة ، أي طالبته أن يجامعها فأبى يوسف أن يجامعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) في المرة الأخيرة وتزيّنت ولبست أحسن ثيابها (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) أصلها تهيأت لك ، فحذفت التاء الأولى تسهيلاً للكلام ، والمعنى تهيأتُ وتزينتُ لك فلا تبتعد عنّي ، والشاهد على ذلك قول أحيحة بن الجُلّاح :
بهِ أحمي المضافَ إذا دعاني ..... إذا ما قيلَ للأبطالِ هَيتا
أي تهيئوا .
(قَالَ) يوسف (مَعَاذَ اللَّهِ) أن أفعل ذلك إن تهيّأتِ فلزوجك ( إِنَّهُ رَبِّي) أي إنّه سيدي أو مالكي ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
فما قاتلُوا عن رَبِّهم ورَبِـيبِـهم ..... ولا آذَنُوا جاراً فَيَظْعَنَ سالمَا
وقال النمر بن تولب :
تَرَي أنّما أبقيتُ لم أكُ ربـّهُ ..... وأنّ الذي أمضيتُ كان نصيبي
(أَحْسَنَ مَثْوَايَ) وترك بيته وملكه بيدي أفعل فيه ما أشاء فكيف أخونه في زوجته (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لحقوق الناس .24 - (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) بعد أن رفض طلبتها ، يعني همّت أن تلقيه على الأرض وتلقي نفسها فوقه (وَهَمَّ بِهَا) أن يفعل (لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) أي لولا أن رأى كتاب ربّه ، وكان عند يوسف كتاب سماوي من صحف إبراهيم وقد وضعه على المنضدة في تلك الغرفة التي أمسكته فيها زليخا فوقع نظره على الكتاب فتذّكر ما فيه من النهي عن الزنا والوعيد بالعذاب لمن يزني فتركها وهرب إلى باب الدار ليخرج منها فلحقته زليخا وأمسكته من قميصه فقدّتهُ ، أي قطعت منه قطعة . فالبرهان هو الكتاب السماوي ، فالتوراة يُسمى برهاناً والقرآن برهاناً ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة النساء {يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربّكم} ، فالبرهان هو القرآن .
(كَذَلِكَ) لفتنا نظره إلى البرهان (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) يعني لنصرف عنه العذاب الذي يلحقه من زوجها إن فعل والعار الذي يلحقه من الناس بسبب الزنا (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) لنا في العبادة الذين لا يعبدون غير الله .25 - (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) أي تسابقا في الركض إلى باب الدار هو للهرب وهي للطلب ، وإنّما أرادت أن تسبقه إلى الباب لكي تغلقه فلا يمكنه أن يهرب منه (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) أي شقّت قميصه من الخلف لَمّا أمسكته من قميصه فصارت قطعة منه في يدها ، فالقد معناه القطع ، ومن ذلك قول عنترة :
عتبتُ الدهرَ كيف يذلّ مثلي ..... ولي عزمٌ أقدّ بهِ الجبالا
اي أقطع به الجبالا (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) أي وجدا زوجها مقبلاً عند باب الدار ، حينئذٍ رأت نفسها في مأزق ماذا تجيب زوجها إن رآها في تلك الحالة فألقت اللوم على يوسف لتبرئ نفسها من الجريمة (قَالَتْ) زليخا لزوجها (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ) أي بزوجتك (سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يعني إمّا السجن وإمّا الضرب بالسياط. قالت هذا القول لتشوّه الحقيقة .