تفسير سورة فاطر من الآية( 4) من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) :
http://quran-ayat.com/
4 - (وَإِن يُكَذِّبُوكَ) يامحمد (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ) فصبروا (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي ترجع النفوس بعد الموت فيجازيها على أعمالها ويعاقبها على أفعالها .
5 - (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ) بالثواب والعقاب (حَقٌّ) لاخُلف فيه (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يزينتها وملاذّها (وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ) أي بحلمه وإمهاله ، وكذلك الشيطان (الْغَرُورُ) بأن يمنّيكم بالمغفرة مع الإصرار على المعاصي .
6 - (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخزي والعار (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي فعادوه ولا تتّبعوا أوامره (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ) الى الكفر والإشراك والمعاصي في الدنيا (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) في الآخرة .
8 - (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي زيّن له الشيطان العمل السيء (فَرَآهُ حَسَنًا) فواظب عليه ولم يمتنع عنه ، كمن هداه الله إلى الإيمان والعمل الصالح فكان مستقيماً ، لا يستويان (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) أي يضلّ من يستحقّ الإضلال بسبب ظلمه للناس ، ويهدي من كان أهلاً للهداية بسبب عطفه على الفقراء والمساكين (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) إذ عرفت السبب . والمعنى لاتُهلِكْ نفسك يامحمد على هؤلاء المشركين إذ كفروا ولم يؤمنوا فإنّ الله أضلهم لأنّهم ظالمون (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) مع الفقراء والضعفاء من الإهانة والظلم .
10 - (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) فليتقِّ الله يكنْ عزيزاً (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) وبيده أمرها فلا تتطلّبها من غيره ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ( ويُكتَب في اللوح المحفوظ . والكلم الطيب هو الذود عن الله ، وذلك إذا سمعت أحداً يكفر فتردعه وتضربه وتؤنبه . وإذا لم تتمكّن من ردعه تخبر السلطة لكي يعاقبوه . فهذا الذود عن الله تصعد به الملائكة إلى الله فتقول ياربّ إن فلاناً عبدك ذادَ عنك وأنبَّ فلاناً على كفره . فيقول الله تعالى للملائكة أكتبوا هذا في اللوح المحفوظ لتراه الملائكة ، فيكتبوه وكلما مرّ مَلَك بالّلوح نظر الى تلك الكتابة ودعا له بالخير والغفران . ومثلها في المعنى في سورة إبراهيم قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
وقوله (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يعني يرفعه إلى السماوات الأثيرية ، إلى الجنان، فإنّ الله تعالى يأمر الملائكة أن ترفع كل عمل صالح ، ومن تلك الأعمال الصدقة للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل ، مثلاً إذا أعطيتَ تفاحة إلى يتيم في سبيل الله وأكلها ذلك اليتيم فإنّ روح تلك التفاحة تبقى مذخورة لك حتى تنتقل بموتك إلى عالم البرزخ فتجدها أمامك فتقول الملائكة خذ هذه التفاحة التي أعطيتها لليتيم في دار الدنيا ، وكذلك يأتونك بما أنفقت في سبيل الله وما أعطيتَ (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ) تقديره يمكرون المكرات السيئات ، وانما قال يمكرون السيئات لأن بعض المكر حسنة وذلك مثل أن تمكر بأنسان يكفر وبذلك يتوب عن كفره ، أو تمكر بشخض لا يصلّي وبذلك يداوم على الصلاة . وقد مكر سيدنا إبراهيم الخليل بالكافرين فكسّر أصنامهم ، وهذه أعمال حسنة وإن كانت مكراً ، وقوله (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) يعني لمن يمكر السيئات (وَمَكْرُ أُولَـظ°ئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي يبطل ويفسد .11 - (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ) أي خلق أباكم آدم من تراب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىظ° عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} . (ثُمَّ ) خلق أولاده (مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا) لتتناسلوا (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىظ° وَلَا تَضَعُ) حملها (إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ) أي وما يُمدّ في عمر معمَّر بسبب عطفه على الفقراء (وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) أي وما من أحد كتبنا له عمراً طويلاً فينقص من عمره بسبب ظلمه للضعفاء (إِلَّا) نكتبه (فِي كِتَاب) أعماله . فإنّ الملائكة تكتب بإذن الله في صحائف الأعمال أنّ فلاناً ساعد الفقراء والمساكين فزدنا في عمره عشرين سنة ، وأنّ زيداً ظلم المساكين والضعفاء فنقصنا من عمره عشرين سنة (إِنَّ ذَظ°لِكَ) النقصان والزيادة (عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) اي سهل لاصعوبة فيه .