تفسير سورة الأعراف من الآية( 163) من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : http://quran-ayat.com/huda
163 - (
واَسْأَلْهُمْ) أي واسأل اليهود يا محمّد سؤال توبيخ (
عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي على شاطئ البحر وهي قرية إيلة [إيلات ] (
إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أي يسرعون في صيد الأسماك يوم السبت وكان محرّماً عليهم الصيد فيه (
إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) أي طافية فوق الماء كشراع السفن (
وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ) وذلك لنختبرهم هل يصيدون السمك أم يمتثلون أوامر ربّهم (
كَذَلِكَ نَبْلُوهُم) أي نختبرهم بهذا (
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) .
164 - ولَمّا صادوا السمك افترقوا ثلاث فرق ، فرقة صادوا وفرقة نهَوهم عن ذلك وفرقة سكتوا ولم يصيدوا (
وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ) أي فرقة منهم ، وهم الذين سكتوا ولم يصيدوا قالوا للذين نهَوا عن الصيد (
لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ) يعنون من صاد السمك (
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) أي مهلكهم بالطاعون أو معذّبهم في الآخرة إن لم يهلكوا بالطاعون (
قَالُواْ) أي قالت الفرقة الناهية (
مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ) يعني نهَيناهم عن ذلك ليكون لنا عذرٌ عند ربّكم إذا سألنا عن ذلك يوم القيامة فنقول نهَيناهم فلم ينتهوا (
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يعني ولعلّ الصيّادين يتّقون عقاب الله فينتهون عن صيد السمك يوم السبت إذا نهَيناهم
165 - (
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ) يعني فلَمّا استمرّوا على ذلك حتّى نسوا ما ذُكِّروا به من النهي عن الصيد في أيّام السبت ، سلّطنا عليهم أعداءهم فقهروهم وقتلوهم وأسروهم و (
أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ) أنفسهم ، يعني الذين صادوا (
بِعَذَابٍ بَئِيسٍ) أي شديد بأيدي أعدائهم (
بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) بين قومهم .
166 - (
فَلَمَّا عَتَوْاْ) أي فلمّا ازدادوا في عصيانهم (
عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ) من الصيد والبيع والشراء في أيام السبت (
قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي مطرودين حقيرين كالقردة . وهذه كناية عن إذلالهم وتحقيرهم وليس معناه مُسِخوا قردة . فكلّ جملة تأتي في القرآن بهذه العبارة هي كناية عن إذلالهم ، وهي (
كُونُواْ) ونظيرها قوله تعالى في سورة البقرة {فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} فكلمة {مُوتُواْ} كناية عن ذلّهم ، {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} يعني أعزّهم . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهي قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} .
167 - (
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) يعني وإذ استأذن أعداؤهم من ربّك في قتالهم فأذن لهم ، كان القدماء يتفاءلون بالسهام فيكتبون على رقعة "إفعل" ويكتبون على الأخرى "لا تفعل" ثمّ يرمونها بسهم فإذا وقع السهم على الأولى يقولون أذن لنا ربّنا في ذلك ، وإذا وقع السهم على الثانية قالوا لم يأذن لنا في ذلك . فأخذ نبوخذنصّر سهماً واستأذن الله في قتال بني إسرائيل ورمى السهم فوقع على الأولى التي مكتوب فيها " إفعل" ، فسار بجيشه وحاربهم وانتصر عليهم . وهذا معنى قوله تعالى (
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي سألوه الإذن في قتالهم فأذن لهم . ثمّ أقسم الله تعالى (
لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي من يعاملهم بأسوأ العذاب (
إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ) لِمن يريد عقابه فيعاقبه في الدنيا قبل الآخرة (
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ) للتائبين من الموحّدين (
رَّحِيمٌ) بالمؤمنين .
168 - (
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ) أي فرّقناهم ليكونوا ذليلين (
أُمَمًا) مختلفة في اللغات منهم فرس وعرب وترك وأكراد وغير ذلك (
مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ) في أعمالهم (
وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ) أي غير صالحين (
وَبَلَوْنَاهُمْ) أي اختبرناهم (
بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ) أي بالخير والشرّ (
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن غيّهم وكفرهم .