وفي هذا النص من الأدلة على عبودية المسيح ما يأتي:
1- قوله: ( وعاد يسوع إلى منطقة الجليل بقدرة الروح ) فيه دليل أنه ليس الله أو ابن الله كما يدعون، وأن له قدرة إلهية من ذات، وهنا يقول بأنه عاد إلى الجليل بقدرة الروح أي أن الملك أعانه ليذهب إلى الجليل، ومن في حاجة إلى الملك لا يكون رباً ولا إلهاً، ولا خالقاً، ولا قادراً بنفسه.
2- قول عيسى -عليه السلام- لمن كان يعلمهم ويعظهم في مجمع الناصرة: ( اليوم تم ما قد سمعتم من آيات )، أي أنه تحقق وعد الله الذي جاء على لسان النبي أشعياء، والنص هو: ( روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأبشر الفقراء، وأرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعميان بالبصر، لأطلق المسجونين أحراراً، وأبشر بسنة القبول للرب )..
هل هناك ما هو أصرح من هذا النص في أن عيسى هو رسول الله الذي بشرت به الأنبياء فالنص يقول: ( روح الرب عليّ ): أي وحي الله إلى طريق الله روح القدس وانظر فلم يقل روح الرب هي ذاتي، أو أقنومي، أو جزئي، أو نفسي، ومعنى ( مسحني لأبشر الفقراء): أي جعلني مسيحياً، والمسيح سواء أريد به من يمسح بالزيت على عادة بني إسرائيل عندما يتنبأ منهم نبي، أو المسيح من المسح وهو المحو للشرك، والكفر، أو غير ذلك فالمعنى على كل حال بمعنى النبوة والرسالة وليس بمعنى الألوهية والربوبية.
ثم قوله: ( أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق.. الخ ) دليل على أنه نبي مرسل، وليس هو الرب، أو ابنه النازل إلى البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
3- لقد كان رد أبناء بلده (الناصرة) على عيسى -عليه السلام- رداً في منتهى السوء، والقباحة، والإفك، فبدلاً من الاعتراف برسالته، ونبوته إذا بهم يسبونه في عرضه، ويتهمونه أنه (ابن زنا)!!!
حاشاه -عليه الصلاة والسلام- فيقول له هؤلاء المجرمون: (أليس هذا ابن يوسف؟) يوسف النجار الذي كما ذكر خطيباً لمريم –عليها السلام- قبل أن ينزل عليها ملاك الرب، ويبشرها بعيسى عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً }..
وهؤلاء المجرمون من اليهود أبناء بلدته الذين جاءوا ليستمعوا إلى مواعظه في الهيكل ردوا عليه هذا الرد عندما قال لهم: ( إنه مسيح الرب الذي جاء ليفتح الله به آذاناً صماً، وقلوباً عمياً، ويفك أسر المأسورين من معاصيهم، والذين قيدهم الشيطان بخطاياهم،ويبشرهم بمغفرة الذنوب ) لقد كان ردهم على هذه الدعوة الكريمة أن قالوا: ( أليس هذا ابن يوسف؟ ) متهمين إياه.. ولما قالوا له هذا القول الفاجر الآثم، وأنكروا عصمته، وعصمة أمه، وأنكروا نبوته بعد أن شاعت في كل بلدان اليهودية، عند ذلك ردّ عليهم قائلاً : لا كرامة لنبي في بلده )!!، ( وما من نبي يقبل في بلده )!! ( لا يكون النبي بلا كرامة إلا في بلدته وبيته ) (إنجيل متى 13/58) .
ثم بين لهم أن أهله، وأولى الناس به من يقبلونه، ويؤمنون برسالته، وأخبرهم أن نبي الله إيليا لم يشفع وقت المجاعة إلا إلى أرملة غير إسرائيلية، وأن أليشع لم يشفع في شفاء مريض إلا مريضاً سورياً غير إسرائيلي..: (نعمان السوري)، وأخبرهم أن رحمة الله برسالة عيسى قد لا تصيب إلا من هم خارج بني إسرائيل، وأن ما يمكن أن يجريه الله على يديه من خير قد يحوزه غير أبناء بلده (الناصرة) التي كفرت به!! ولما سمع أبناء بلده هذا الكلام كان من شأنهم أن أخرجوه منها، (وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى أسفل).
وكل هذا النص شواهد أنه لم يقل إني إله، وإنما قال لهم فقط: إنني نبي، ولا كرامة لنبي في بلده، فلماذا لم يقل لهم: (أنا ربكم وخالقكم)..؟
وهل كان يليق بالرب أن يقول له أهل بلدته (هكذا)؟! أنت ابن زنا.. وهل ينزل الرب سبحانه وتعالى من السماء ليقول له البشر الذي خلقهم ورزقهم: (ألست ابن يوسف النجار؟).. سبحانك ربنا لا إله إلا أنت أستغفرك، وأتوب إليك، وأعتذر لك حتى ترضى من ذكر هذا الكفر، وسبحانك لا أحد أصبر على أذى منك وحدك!!. يدّعون لك الولد، وأنت ترزقهم، وتعافيهم، لا إله إلا أنت، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك!! وتعاليت عما يقول المجرمون الظالمون علواً كبيراً.
4- وهل ينزل الرب من عليائه سبحانه وتعالى ليقبض عليه أهل بلدته (هكذا)، ثم (يدفعونه إلى خارج المدينة، ويسوقونه إلى حافة الجبل ليطرحوه).. هل من يفعل به هكذا يكون رباً إلهاً خالقاً للسماوات والأرض؟! وهل يليق بالرب ذلك؟!