من هو الذي استوقد النار . ومن هم اصحاب الصيب .؟
(
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) أي مثَل هؤلاء المنافقين كمثَل أصحاب الذي استوقد ناراً ، يعني طلب إيقاد النار ، وهو موسى بن عمران . قال الله تعالى في سورة القصص {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون}.
والمعنى : مثَل هؤلاء النافقين وفعلهم معك يا محمّد كمثَل المنافقين من قوم موسى وفعلهم معه ، ومِمّا يؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا}.
(
فَلَمَّا أَضَاءتْ ) يعني فلمّا أضاءت الشجرة التي كلّم الله تعالى منها موسى وهي شجرة الزيتون ، أضاءت بالعلم والهداية (
مَا حَوْلَهُ ) يعني أضاءت على موسى ومن حوله وهم بنو إسرائيل بأن أنقذهم من يد فرعون وخلّصهم من عذابه ، وفعلاً كانت الشجرة تضيء بالنور ولذلك ظنّها موسى ناراً . فكفر بنو إسرائيل بعد ذلك وفسقوا وخيّم الجهل عليهم فقالوا أرِنا الله جهرةً فأخذَتهم الصاعقة ، وصارت ظلمة ، وهذا معنى قوله تعالى (
ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ) أي بنور الهداية من فاسقي بني إسرائيل (
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) الجهل (
لاَّ يُبْصِرُونَ ) الحقّ .19 - (
أَوْ ) مثَلهم (
كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء ) أي كأصحاب الصيّب ، وهو السحاب الكثير الصَّوب ، والصوب هو المطر الشديد ، ومن ذلك قول الحسين (
ع ) : "بين أناسٍ لا سُقوا صَوب المزن" . والمعنى : أو مثَلهم كمثَل قومٍ أخذَتهم السماء بالسحاب والمطر والظلمة والبرق والرعد ليخوّفهم الله بالصواعق ويردعهم كي يرجعوا عن غيّهم ويتركوا طلِبَتَهم التي ساروا خلفها يطلبونها ، ولكنّهم لم يرتدعوا بتلك الحوادث ولم يرجعوا عن غيّهم بل أخذوا يسيرون عند إنارة البرق ويقيمون عند الظلمة لأنّ سفرهم كان بالليل ، وذلك قوله تعالى [ في الآية التالية] : {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} وهم قوم فرعون ساروا في طلب موسى وقومه وكان مسيرهم ليلاً ، فردعهم الله تعالى بالمطر والرعد والبرق والصواعق فلم يرتدعوا بل ساروا في طلبهم حتّى أدركوهم صباحاً فأغرقهم الله في البحر وأهلكهم جزاءً لعنادهم ؛ فكذلك المنافقون من قومك يا محمّد إن لم يرجعوا عن غيّهم ويصلحوا أعمالهم فإنّ الله يهلكهم كما أهلك فرعون وقومه ، وذلك قوله (
فِيهِ) أي في ذلك الصيّب يعني السحاب (
ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) الضمير يعود لأصحاب الصيّب وهم قوم فرعون (
مِّنَ الصَّوَاعِقِ) أي من شدّة الصواعق وأصوات الرعد (
حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خوفاً من أن يموتوا (
واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) يعني لا يفوتونه مهما لزموا الحذر .
http://quran-ayat.com/ من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) :