إختلاف الناس يعني مخالفتهم للتوحيد ولذلك يتفرّقون فيكونون طوائف وفرقاً ،
وأما اقتتالهم فيسمح الله تعالى بحدوثه كعقابٍ لهم على ظلمهم ومعارضتهم للتوحيد وتكريس العبادة لله وحده .
وهنا تفسير هذه الآية العظيمة 254 في سورة البقرة نقلاً عن كتاب (حقائق التأويل في الوحي والتنزيل) لمؤلّفه مفسّر القرآن والكتب السماوية الراحل (محمد علي حسن الحلّي) رحمه الله تعالى .
"254- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
التفسير:
"(تِلْكَ) أنباء (الرُّسُلُ) الذين ذكرنا لك أخبارهم (فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) بتخصيصه بما ليس في غيره ،
ثمّ بيّنها مفصّلاً فقال تعالى (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ) مباشرةً في وادي طوى بصحراء سيناء ، وهو موسى
(وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) وهو إدريس {إيليّا}
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) أي المعجزات كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الأموات (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبرائيل
(وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم) يعني لو شاء إبقاء الناس الضالّين عن طريق الحقّ ما اقتتلتْ كلّ أمّةٍ بعد فقد رسولها (مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) في الكتب السماوية بأنّ الغاية من إرسال الرُسُل هي العبادة لله وحده ونبذ الأصنام وتكسيرها وتجنّب عبادة المخلوقين والمخلوقات وترك تقديسها
(وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ) مع علمهم بأصول الدين وبما جاءت به رسلهم ، وذلك لأجل غايات شخصية ولأجل الرئاسة الدنيوية (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَوَمِنْهُم مَّن كَفَرَ) يعني منهم من ثبت على إيمانه ومنهم من أشرك وكفر
(وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ) أخبر الله تعالى في الجملة الأولى قتال اليهود فيما بينهم بسبب اختلافهم بعد موسى نبيهم ، وأخبر في الثانية قتال النصارى مع اليهود بعد عيسى بسبب اختلافهم
(وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . وإنما ألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا لأنهم ظلموا الضعفاء والمساكين وغصبوا حقوقهم وكفروا بالله واشركوا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا.
والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة في ذمّ اليهود :{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، وقال تعالى في ذمّ النصارى في نفس السورة: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}
وقد أصبح المسلمون يقتتلون فيما بينهم وذلك بسبب كفر بعضهم ونفاق بعض وإشراك البعض الآخر ، فألقى الله بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا .
فقد اقتتل المصريّون مع أهل اليمن في حياة الرئيس جمال عبد الناصر وهب آلاف القتلى من الطرفين ، واقتتل جيش الأردن مع الفدائيين الفلسطينيين وذهب عشرون ألف قتلى من الطرفين ، واقتتل جيش سوريا مع اللبنانيين والفلسطينيين وذهب أربعون ألف قتيل من الطرفين غير الجرحى ، وغير هؤلاء كثير ، وقد قال الله تعالى {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ."
إنتهى ما قاله المفسّر الراحل محمد علي حسن الحلّي .