لعل من أهم التساؤلات التي لا تكاد تخلو منها أية محاورة مع أحد المرشحين لرئاسة مصر هو السؤال عن موقفه من العلاقات المصرية مع الكيان الصهيوني، في ظل ما يسمى بمعاهدة كامب ديفيد التي تم توقيعها عام 1979 م، ومن ثم هل سيعمل هذا المرشح في حال فوزه بمنصب الرئاسة على الإبقاء على هذه المعاهدة أم سيسعى لإسقاطها؟ دلالات التساؤل والظاهر هو أنه ثمة تباينات بين الدوافع الحقيقية لدى طارحي مثل هذا التساؤل، فهو لم يأت لدى البعض كمحاولة لاستشراف مستقبل هذه العلاقة، في عهد أول رئيس للبلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ إذ إن الجميع يدرك أنه من الحتمي أن تطرأ تغيرات على طبيعة هذه العلاقة، فقد كانت التنازلات الكثيرة التي قدمها النظام البائد بشأن هذا الملف، واحدة من أهم أسباب تصاعد الاحتقان الشعبي والثورة ضده وعليه، فإن الهدف لدى هؤلاء ربما ليس إلا إحراج مرشح بعينه وإظهاره أمام الجماهير وكأنه متناقض في طرحه، بين مرحلتين إحداهما كان يتحدث خلالها في الفراغ وفي المجرد دون أن يكون متحسبا لتولي مثل هذا الموقع القيادي والسيادي، والمرحلة الأخرى مرحلة اقترب فيها من سدة الحكم الفعلي بما لها من حسابات وموازنات يجب أن يتم مراعاتها. كذلك فإن آخرين يستهدفون من هذا الطرح وضع المرشح في مأزق سياسي مع القوى الدولية، التي من المعلوم أنها تتبنى على طول الخط موقف الدفاع عن الكيان الصهيوني والعمل على تأمينه وحمايته، وعليه فإن تبني أي مرشح لموقف معادٍ أو رافض لمعاهدة كامب ديفيد أو لمظاهر التطبيع المختلفة مع الكيان الصهيوني، تعني تعرض هذا المرشح لحملة شعواء من النقد والتشويه، وتقديمه باعتباره معاديا للسلام وساعيا لجر المنطقة لحالة من عدم الاستقرار، وهو ما سيثير بلا شك الكثير من التخوفات لدى قطاع جماهيري، أثرت فيه الدعايات المتواصلة والداعمة لهذه المعاهدة منذ توقيعها، بالإضافة إلى تزايد الاحتمال بأن يدفع هذا الموقف ببعض المؤسسات المصرية الرسمية إلى تعويق نشاط هذا المرشح. على أي حال لقد كان محور اهتمام المصريين وغيرهم بموقف المرشحين للرئاسة بهذه القضية سببا قويا، بأن يدرج كل مرشح على حدة في برنامجه الانتخابي موقفه من معاهدة كامب ديفيد، ووجهة نظره في مسار العلاقات المصرية – الصهيونية، كما كانت القضية برمتها واحدة من القضايا البارزة في تصريحات المرشح وخطاباته الجماهيرية. بنود المعاهدة كان اللافت للنظر في تصريحات عدد من المرشحين الثلاثة عشر لرئاسة مصر، هو التأكيد على أنهم لم يطلعوا على بنود معاهدة كامب ديفيد بالكامل، وهو ما كان صادما للكثيرين الذي اعتقدوا أن البنود التي يتم تداولها إعلاميا عبر الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت، هي كل ما جاءت به معاهدة كامب ديفيد، ومن ثم فقد كان ما تم إعلانه إعلاميا هو المرجعية التي يعود إليها المواطنون والقانونين في حال تم إثارة قضية متعلقة بالعلاقات بين مصر والكيان الصهيوني. ومع أنه تمت الإشارة أكثر من مرة خلال تصريحات بعض المسئولين في النظام السابق، - عند تبرير بعض السياسات المرفوضة شعبيا - إلى أن هذه السياسيات تأتي وفقا لمعاهدة كامب ديفيد غير المعلنة، إلا أن قطاعا شعبيا كبيرا كان ينظر لتلك التصريحات باعتبارها مجرد محاولة للالتفاف على إرادة الجماهير، رافضين أن تكون المعاهدة بالفعل متضمنة لما يستند إليه المسئولون في تبريراتهم. وكان المرشح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قد أكد هذا المعنى في عدة تصريحات خاصة، منها ما صرح به في أحد برامج قناة الحياة اليوم، حيث قال: "إنه لا يوجد أى نصوص معروفة من اتفاقية كامب ديفيد إلا ما يتم تداوله فى وسائل الإعلام ". وهو نفس ما ذهب إليه المرشح المستقل محمود حسام، الذي قال ردا على سؤال حول كيفية إدارة العلاقات مع الكيان الصهيوني: "إنني سوف أطلع أولا على بنود هذه المعاهدة وسوف أستشير الخبراء في هذا المجال، فإن وجدت أن هذه المعاهدة في صالح وطني وشعبي فسوف أستمر بها " ولا يعني هذا إلا أن المرشح لم يطلع اطلاعا كاملا على بنود هذه المعاهدة، التي يبدو أن الدولة المصرية لم تعلن عن كامل بنودها لاعتبارات سياسية، ارتبطت بالموقف الشعبي من مسار ما يسمى بعملية السلام التي بدأها الرئيس الراحل أنور السادات. الاعتراف بالكيان بدا من خلال برامج وتصريحات أغلب المرشحين أن الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني أمر بدهي لا خلاف حوله، ولا اعتزام لديهم للتفكير فيه إذ اقتصر الحديث فقط على الدفع للحفاظ على مصالح وأمن مصر في علاقتها بدولة الكيان، وأن لا تكون المعاهدة ثغرة تستغلها دولة الكيان لتهديد هذه المصالح، فضلا عن الإشارة إلى ضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني ووقف الانتهاكات بحقه. فيقول المرشح عمرو موسى: "احترام كافة الالتزامات القانونية المصرية بما في ذلك المعاهدة المصرية الإسرائيلية ما دام احترمها الطرف الآخر، وألا تشكل عائقا أمام ممارسة مصر لسيادتها والحفاظ على أمنها وأمن حدودها " ويقول المرشح الفريق أحمد شفيق – أحد إفرازات النظام السابق-: "اتفاقية كامب ديفيد هي اتفاقية سلام تحترم من مصر، وفق الشخصية القانونية للدولة التي تقر بكل الاتفاقيات الدولية الموقعة من جانبها". ويقول المرشح عن حزب السلام الديمقراطي حسام خير الله: "معاهدة السلام مع إسرائيل يجب تناولها بكثير من العقل والحساب، دون اتباع أو اتخاذ سياسات أو مواقف عنترية تضر بمصالح مصر". غير أن هذا لم يمنع بعض المرشحين الآخرين من القول بأنهم يعتزمون إعادة النظر في المعاهدة، حتى تصبح متوافقة مع ما يحقق مصالح مصر، فيقول المرشح أبو العز الحريري مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: "نعم بكل تأكيد سأعيد النظر في كل معاهدة تنطوي على مساس بالسيادة المصرية، وفي القانون الدولي ما يجيز للدول هذا الحق". كما اتخذ بعض المرشحين موقفا أكثر حزما من هذا، فنجد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يقول: "أما اتفاقية كامب ديفيد أو غيرها من الاتفاقيات فهي اتفاقيات دول، احترامها وتنفيذها يكون مشتركا من الجانبين، وفي حال حدوث ما يستدعي تعديلها أو عدم تنفيذ طرف لالتزاماته، فإن الأمر يجب أن يعود لممثلي الشعب في البرلمان ومؤسسات الأمن القومي وفق ما يحدده الدستور، فهي ليست اتفاقيات شخصية يقضي فيها الرئيس بما يراه وحده، بل هي التزام على الدولة كلها". وقد ذهب المرشح المستقل حمدين صباحي لنفس ما ذهب إليه أبو الفتوح، فيقول: " الاستمرار في العمل باتفاقية كامب ديفيد أو إلغاؤها أو تعديلها سيكون مرهونا بإرادة الشعب، فإذا طالب الشعب بإلغائها أو تعديلها سنطرحها في استفتاء عام على الشعب وعلى البرلمان". وكما هو واضح فإن هذه التصريحات تبعث برسالة، مفادها أن معاهدة كامب ديفيد ستدخل خلال المرحلة المقبلة محكات عديدة، لا يستطيع أن يجزم أحد بنتائجها، غير أن ما يتفق عليه الجميع هو أن إلغاء كامب ديفيد ستشير لدى الكيان الصهيوني إلى معنى واحد هو إعلان الحرب، هذه الحرب التي ربما يخشاها البعض فيما يأملها آخرون.


منقول من هنا