نهر اليهودية ببابل.. شقه حمورابي وأسكن نبو خذ نصر اليهود على ضفافه
السومرية نيوز/ بابل
نهر اليهودية كما يطلق عليه أهالي الحلة، أو قناة بابل، أو قناة نابو، هي تسمية واحدة لذلك المجرى المائي الذي كان يسلكه ملوك بابل في موكب مهيب وسط جموع المحتفلين بأعياد وكرنفالات قدوم السنة البابلية الجديدة.
ففي بداية الألف الثاني قبل الميلاد أمر الملك حمورابي بإنشاء تلك القناة المائية، ثم تم توسيعها في عهد نبو خذ نصر عام 600 قبل الميلاد. والقناة نهر يتفرع من نهر الحلة.
احتفالات لمحاسبة الملك
ويقول الباحث الآثاري فلاح عبد الهادي إن "الهدف من إنشاء ذلك المجرى المائي يومذاك هو تسهيل قدوم ابن كبير الآلهة مردوخ، نابو من مقره الدائم في بورسيبا لمحاسبة الملك على أعماله تجاه شعبه".
ويوضح عبد الهادي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "احتفالات العراقيين القدماء بالسنة البابلية الجديدة كانت تنطلق في بداية الشهر الرابع وتستمر أحد عشر يوما على ضفاف هذا النهر".
ويضيف أن "ما يميز اليوم الخامس من هذه الاحتفالات هو محاسبة الملك من قبل "إله الكتابة والمعرفة نابو" الذي يمثله الكاهن ششكالو، للتأكد من درجة اهتمامه بشعبه، وفقا لما ذكرته الرقم الطينية التي عثر عليها في مدينة بابل الأثرية".
ويعتقد الباحث أن "تسمية هذه القناة باسم نهر اليهودية جاءت بسبب إقامة الأسرى اليهود الذين اقتادتهم الجيوش البابلية إلى مدينة بابل عام 550 ق.م على ضفافه"، ويشير إلى أن "بعض هؤلاء الأسرى سكنوا المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى عام 1950 حين غادر أكثرهم إلى إسرائيل بعد تأسيسها".
ويتابع عبد الهادي "وهكذا اختفى الوجود اليهودي في بابل بعد ذلك، إلا من عدد قليل جدا منهم، لكن مشاهدهم ومنازلهم ما زالت شاخصة حتى الآن، في حين شيدت على قبورهم مدارس وجوامع للمسلمين في عهد النظام السابق".
ويذكر عبد الهادي أن "بعض الجهات حاولت إعادة إحياء النهر، نظرا لأهميته التاريخية والسياحية، إلا أنها توقفت بسبب عدم وجود المخصصات المالية لذلك"، داعيا إلى أن "يأخذ النهر مكانته التاريخية التي تليق به نظرا لأهمية بابل بالنسبة للتراث الثقافي العالمي".
أتمنى أن أحول منزلي على النهر إلى قاعة فنية
من جهته يقول الفنان التشكيلي عماد عاشور، 58 عاما، لـ"السومرية نيوز"، إنه "تمكن من شراء منزل بالقرب من مبزل اليهودية بعد عام 2003 على أمل أن تعيد الحكومة الحياة إلى النهر كي أحول منزلي إلى قاعة فنية يرتادها رواد وعشاق الفن".
ويضيف عاشور أن "مشروعا كهذا مهم جدا بالنسبة لي، فأنا ومنذ زمن بعيد متخصص بتنفيذ أعمال فنية تستوحي أجواء الاحتفالات البابلية القديمة التي كانت تجري على ضفاف هذا النهر سنويا".
ويقول مدير بلدية الحلة عام 1977 المهندس سامي علي السلطان إن "إطلاق اسم اليهودية على هذا النهر جاء نسبة إلى الناس من اليهود الساكنين على ضفافه، فضلا عن أن معظم اليهود الذين عاشوا في مدينة الحلة آنذاك كانوا من المثقفين وأصحاب الخبرة في مجالات التجارة والإدارة والاقتصاد".
ويتابع السلطان "وكانوا من وجهاء المدينة ولديهم علاقات اجتماعية واسعة، وأذكر منهم اليهودي مناحين الذي كان يملك بساتين منطقة عوفي، 5 كلم غرب الحلة، واليهودي ياهو الذي كان أفضل صائغ ذهب في المدينة".
ويروي السلطان أنه حين كان مديرا لبلدية الحلة عام 1977 يبادر إلى "إعطاء بعض العوائل اليهودية وخاصة من كبار السن الذين ليس لديهم أي مورد، معونات مالية شهرية".
ويقول السلطان لـ"السومرية نيوز"، "ما زلت أتذكر أسماء بعض النساء اليهوديات، مثل سمحة، وسارة، ونعيمة، والمواطنة اليهودية سيرة التي امتنعت بإصرار عن مغادرة العراق حتى عام 1980 حيث توفيت في العراق ودفنت فيه".
وبحسب معلومات السلطان فإن "اليهود سكنوا المنطقة منذ عهد قديم، وبقوا منذ ذلك العهد وما زالت كنائسهم الثلاثة موجودة حتى يومنا هذا في المدينة، وقد استغلت من قبل العراقيين لفتح محال تجارية فيها، بعد أن هاجر أغلب اليهود عام 1967"، بحسب قوله.
حكاية النهر والنظام السابق
ونظرا لاقتران اسم القناة باليهود، قرر محافظ بابل آنذاك هاشم حسن المجيد عام 1988 طمر تلك القناة. وحاول أن يضيع معالمها بتقسيمها إلى قطع للأراضي السكنية، إلا أن مشروعه لم يتحقق لأنه أعفي من منصبه بقرار رئاسي.
ويؤكد المدير السابق لمجاري مدينة الحلة المهندس علي موسى أن "مناسيب المياه الجوفية ارتفعت بعد شهر من دفن القناة، وبدأت تطفو بحيرات من المياه في عدد من أحياء المدينة كالثورة والضباط والجمعية والكرامة وحي الحسين وأحياء أخرى قريبة من القناة".
ويشير موسى إلى أن "أساتذة جامعة بابل في أول مؤتمر علمي لهم عام 1992 ناقشوا مشكلة ارتفاع مناسيب المياه الجوفية لهذه المناطق، وطالبوا في نهاية المؤتمر بإعادة شق النهر لحل مشكلة المياه الجوفية"، ويتابع "وفي عام 1993 أمر محافظ بابل آنذاك طالع خليل الدوري بشق القناة من جديد لتكون مبزلا لسحب المياه الجوفية، لكنه بقي متروكا بعد ذلك دون إجراء أي أعمال صيانة فيه".
لدينا خطة لافتتاح النهر
من جانبه، يكشف مدير الموارد المائية المهندس حميد بهية، أن "الحكومة المحلية في بابل أوعزت بإعادة افتتاح مجرى نهر اليهودية وأعدت التصاميم الهندسية اللازمة لذلك عام 2007".
ويوضح بهية لـ"السومرية نيوز"، أن "التصاميم تضمنت وضع مخططات لتحويل المناطق المجاورة للنهر إلى كازينوهات وحدائق يتم سقيها بواسطة الري بالتنقيط عبر قناة إروائية مبطنة"، ويؤكد أن "المديرية قامت بعملية المسح وثبتت التجاوزات على محرمات النهر إثر ذلك".
ويلفت بهية إلى أن "وزارة الموارد المائية وهي الجهة التي تنتسب إليها المديرية ليست لديها صلاحيات تعويض المتجاوزين على محرمات النهر والتي لا تتجاوز الـ25 مترا، كي تتمكن من تنفيذ التصاميم الخاصة بتحويله إلى مرفق سياحي مهم"، ويبين أن "الحل الوحيد لإعادة النهر واستثماره هو تشريع قانون للمحرمات على الأنهر".
وكانت الإدارة المحلية في محافظة بابل شكلت، في الفترة القريبة الماضية، لجنة لإعادة إحياء النهر، وتضم ممثلين عن بلدية الحلة وري بابل والمجاري والبيئة، بهدف تقديم مقترحات لتحويله إلى أثر سياحي.
يذكر أن العراق يضم عددا كبيرا من مراقد الأنبياء اليهود ومن بينهم مرقد النبي حزقيال في ناحية الكفل وقبر عزرا في منطقة العزير في محافظة ميسان وقبر الشيخ أشا جوان ومرقد النبي دانيال في بغداد.
وتؤكد النصوص الدينية اليهودية أن عددا من الأنبياء اليهود مثل دانيال وحزقيال وأشعيا وأرميا "الذي دعا إلى الاندماج مع المجتمع البابلي لأنه يمثل أكثر المجتمعات تطورا في العالم حينذاك"، عاشوا في منطقة بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وتمكنوا من كتابة جزء كبير من أهم الكتب والتعاليم اليهودية في بابل. وهناك عدد كبير من الباحثين الذين يشيرون إلى أن هؤلاء الأنبياء أطلعوا وبشكل عميق على التراث الديني والحضاري العراقي واستعانوا به في كتابة مخطوطاتهم الدينية.