صحف ابراهيم في القرآن :
لقد جاء ذكر صحف إبراهيم في سورة النجم 36-55
36 - (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىى) نبيه ، يعني ألم يُخبِر القرآن بما في التوراة مع إن التوراة باللغة العِبرية وإنّ محمداً من العرب لا يعرف اللغة العِبرية ولا يعرف القراءة والكتابة أليس الله أخبره بما في توراتهم ؟ وإذا أيقن بذلك فما الذي يمنعه من الإيمان بالقرآن واتّباع من نزل عليه القرآن ؟......................................
37 - (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) نذره فقدم إبنه للذبح وفاء لنذره . والمعنى ألم نخبره بما في صُحف ابراهيم أيضاً والتي مكتوب فيها:
38 - (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فلماذا يقول لصاحبه أخاف أن أحمل وزر هؤلاء إذا أسلمت وأسلموا ؟ كلا لا يحمل إنسان ذنب غيره ، ولكنّه كذّاب لا يخاف من إسلام قومه إن أسلموا بل يخاف على رئاسته لئلا تذهب منه إذا أسلم . وإليك ما جاء في التوراة في هذا الخصوص ، وذلك في سفر التثنية في الأصحاح الرابع عشر قال " لا يُقتَل الآباء عن الأولاد ولا يُقتَل الأولاد عن الآباء ؛ كلّ إنسانٍ يُقتَل بخطيئته".
39 - (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ) في الآخرة (إِلَّا مَا سَعَى) لها في دنياه من حسنات وأعمال صالحة . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} .
40 - (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) يعني وإنّ حسناته سوف تظهر للناس ويكون له ذكر حسن مهما كتمها عن الناس ، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى :
ومهما تكنْ عندَ إمرئٍ مِن خليقةٍ ..... وإنْ خالَها تَخفَى علَى الناسِ تُعلمِ
41 - (ثُمَّ يُجْزَاهُ) الله (الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) أي ثمّ يجزي الله ذلك الساعي لآخرته بأوفى ما يستحقّه من الثواب .
42 - (وَأَنَّ إِلَىظ° رَبِّكَ الْمُنتَهَى) أي إلى جواره في السماوات الروحانية يكون مصير المحسن الذي سعى لآخرته وهناك تكون نهاية تنقّلاته .
43 - (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) يعني أنعم الله على أُناسٍ بالمال والأولاد والمسرّات فصاروا يضحكون بسبب سرورهم ، وابتلى أُناساً بالفقر والمرض والهموم فصاروا يبكون لسوء أحوالهم .
44 - (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) يعني أمات الآباء وأحيا الأبناء . يعني أقام الأبناء مقام آبائهم .
45 - (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) .
46 - (مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) يعني من منيّ حين يُصبّ في الأرحام .
47 - (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى) وهذه النشأة تكون بعد القيامة ، فيخلق الله تعالى أرضاً جديدة وسماوات جديدة ويخلق فيها مخلوقات جديدة . والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } يعني تبدّل الأرض بأرضٍ غيرها كذلك السماوات الغازية تبدّل بغيرها لأنّ المجموعة الشمسية تتمزّق وتقوم مجموعة أخرى مقامها .
48 - (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) يعني أعطى بعضهم ذهباً وفضة فأغناهم ، وأعطى آخرين أنعاماً من البقر والغنم أو غيرها فاقتنوها .
ومن ذلك قول كعب بن زهير :
لقد نال زيدُ الخيلِ مالَ أخيكمُ ..... وأصبحَ زيدٌ بعدَ فقرٍ قد اقتنَى
يعني اقتنَى أنعاماً .
49 - (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) اليمانية ، وهي نجمة في السماء كان اليهود يعبدونها ويكنّونها بملكة السماء ، والمعنى : لا تعبدوا الشِعرى بل اعبدوا ربّها .
50 - (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى) لما كذّبوا رسولهم ، والأولى معناه الماضية السالفة . وليس هناك عادان عاد الأولى وعاد الثانية كما ذهب إليه بعض المفسرين ، والدليل على ذلك قوله تعالى عن لسان فرعون {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}؟ يعني السالفة التي ذهبت قبلنا .
51 - (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) لما كذّبوا رسولهم بل أهلكهم . وقد سبقت قصة عاد وثمود في سورة الأعراف آية 65 .
52 - (وَقَوْمَ نُوحٍ) أهلكناهم (مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) من عاد وثمود .
53 - (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) أي المتهدّمة المنقلبة (أَهْوَى) أي أكثر سقوطاً في الهاوية . وهي قرى قوم لوط : سدوم وثلاث أخرى معها ، زلزل الله بهم الأرض فتهدّمت بيوتهم فوقهم فماتوا تحت الأنقاض .
54 - (فَغَشَّاهَا) أي فغطى أهلها (مَا غَشَّى) من الأنقاض التي سقطت فوقهم في حادث الزلزال الذي أصابهم فماتوا .
55 - (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) أيها الإنسان المكذّب ، يعني بأيّ نعمة من نعم ربك تنكر وتكذّب بها ؟ ونظيرها في سورة الرحمان قوله تعالى {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
وكذلك جاء ذكر صحف إبراهيم في سورة الاعلى :
10 - (سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى) يعني سيتّعظ من يخاف عقاب الله .
11 - (وَيَتَجَنَّبُهَا) اي يتجنّب الموعظة (الْأَشْقَى) يعني أشقى العصاة .
12 - (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى) أي الكبيرة الحجم ، أشار بذلك إلى قوله تعالى في سورة المدّثر { إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ } ، يريد بها سقر . والمعنى : إنّها لإحدى الشموس الكبيرات الأحجام .
13 - (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا) فيستريح من العذاب (وَلَا يَحْيَى) حياة ينتفع بها ويرتاح بل تكون حياته وبالاً عليه ويتمنّى الموت ولا يجدهُ .
وهنا يخطر للإنسان سؤال وهو : كيف لا يحترق من كان في النار ولا يموت في ساعته بل يبقى ملايين السنين معذّباً فيها ؟ والجواب على ذلك : لأنّه نفس أثيرية والنفوس تذوق العذاب ولكن لا تموت ولا تحترق.
ثمّ أخذ سبحانه في وصف المؤمنين وما أعدّ لهم في الآخرة فقال :
14 - (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) أي قد فاز من تطهّر من الذنوب ومن الإشراك ،
15 - (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) مبتدئاً في صلاته ، وهي تكبيرة الإحرام وبعدها البسملة بإظهار الصوت (فَصَلَّى) الصلاة الواجبة .
16 - (بَلْ تُؤْثِرُونَ) أي تختارون أيها الناس (الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) على الآخرة .
17 - (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) من الدنيا (وَأَبْقَى) أي وأدوَم . لأنّ ما في الدنيا يتمزّق ويتلاشى لأنّه مادي ، أمّا الذي في الآخرة فباقٍ لا يفنى ولا يتلاشى لأنّه أثيري ، أي روحاني .
18 - (إِنَّ هَـاذَا) الذي ذكرناه لكم من الموعظة والصلاة وذم الدنيا ومدح الآخرة (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) أي ذكرناه أيضاً في الكتب السابقة .
19 - (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَ) صحف (مُوسَى) وهي التوراة .
حقائق التأويل في الوحي والتنزيل للراحل محمد علي حسن الحلي رحمه الله .