قال تعالى في سورة البقرة {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّه} ، فهنا بيّن الله تعالى أنّ الحجّ والعمرة هما لله تعالى وليس لإمامٍ أو شيخ أو ولي أو نبي .. فعندما يبدأ المعتمر بالعمرة ويبدأ بلبس إحرامه يقول : "اللهمّ لبيك عمرة" كما هو معروف
والخطأ الشائع هو أن يظنّ المعتمر أنّ عمرته هي لزيارة قبر النبي (ع) التي هي ليست من شعائر العمرة ، بينما أنّ العمرة في الحقيقة هي لزيارة بيت الله وليس لغيره ، كما قال تعالى في سورة البقرة { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ}
وأما شعائر العمرة فهي ثلاث
1- الإحرام
2- الطواف حول الكعبة
3- السعي بين الصفا والمروة
قال تعالى في سورة البقرة
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
وهنا تفسير هذه الآية نقلاً من كتاب (حقائق التأويل في الوحي والتنزيل) بقلم مفسّر القرآن الراحل محمد علي حسن الحلي
تفسير الآية 158 من سورة البقرة
كان في الصفا صنم يُسمّى "إساف" وعلى المروة صنم يُسمّى "نائلة" ، وكان المشركون إذا طافوا بِهما مسحوهما بالأيدي ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بينهما لأجل الصنمَين ، فجاء رجل من المسلمين إلى النبيّ وقال : "يا رسول الله إنّ الطواف بين الصفا والمروة كان على عهد الجاهلية وإنّي لأرى في ذلك حرَجاً فهلاّ نغيّر هذه العادة فنعطي بدلها دراهم للفقراء والأيتام؟" فنزلت هذه الآية
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ ) والمعنى : إنّ الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله فلا تتركوهُ ، أي من علائم مُتعبّداته ، جمع شعيرة وهي العلامة . والصفا والمروة موقعان معروفان في مكّة ، ويتّصل أحدهما بالآخر بطريق مُبلّط ومُنسّق لسعي الحاجّ بينهما ذهاباً وإياباً . فالصفا إسمٌ لكلّ أرض ذات صخور كبيرة صافية ،
ومن ذلك قول الخنساء
من الهَضبةِ العُليا التي ليسَ كالصَّفا === صَفَاها وما إنْ كالصخورِ صخورُها
وقال الأعشى
وإنّ غَزاتَكَ من حَضْرَمَوْتْ أتَتْنِي ودُونِي الصَّفَا والرُّجُمْ
ولا تزال تلك الصُخور وآثارها باقية في المسعَى .
و"المروة" إسمٌ لكلِّ أرض ذات مرو ، وهي أحجار الحصَى نصف شفّافة لونها أبيض أو أسمر
ومن ذلك قول أبي ذؤيب
حتّى كأَنِّي للحوادِثِ مَرْوَةٌ === بصَفا المشقّرِ كلَّ يومٍ تُقْرَعُ
وقال امرؤ القيس يصف ناقتهُ
كأَنَّ صَلِيلَ المَرْوِ حِينَ تُشِدُّهُ === صَلِيلُ زُيُوفٍ يُنْتَقَدْنَ بِعَبْقَرا
وقال جرير يصف ناقتهُ ومسيرها وقت الهاجرة
يَدمى عَلى خَدَمِ السَريحِ أَظَلُّها === وَالْمَروُ مِن وَهَجِ الهَجيرَةِ حامِ
المروة حصاة نصف شفّافة وجمعها مرو . هذا ما كانتا عليه قديماً أمّا اليوم فقد بنَوا عليهما فتغيّر وضعهما واختفى المرو تحت البناء ، ويكون الصفا في مكان مرتفع والمروة في مكان منخفض قليلاً
(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ ) يعني فمن قصدهُ بالأفعال المشروعة
(أَوِ اعْتَمَرَ ) يعني أو زارَ البيت ، لأنّ لفظة "عُمرة" معناها الزيارة ، فالحجّ زيارة البيت في وقتٍ مخصوص والعُمرة في أيّ وقت كان ، والحجّ للبعيد عن مكّة ، والعُمرة لمن كان قريباً منها
(فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ ) أي فلا حرج على من حجّ أو اعتمر
(أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) يعني أن يطوف ما بين الصفا والمروة ، ويكون ذلك سبع مرّات ذهاباً وإياباً
(وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي ومن تبرّع خيراً من الخيرات ، والخير الذي يتبرّع به الحاج يكون للفقراء والأيتام فيعطي سبع دراهم لفقير وسبعاً اُخرى ليتيم
(فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ ) لتطوّعهِ فيجازيه على ذلك أضعافاً
(عَلِيمٌ) بمن يتطوّع بالخيرات ومن يبخل بها ، وهذا مُستحبّ غير واجب ." إنتهى
حقائق التأويل في الوحي والتنزيل