منهج أئمّة أهل البيت(ع) في التوحيد
{مقدّمة :}
كلمة (لا إله إلاّ الله) هي أساس الدين الإسلامي بل أساس كلّ دينٍ سماوي أنزله الله تعالى ، و معناها : لا معبود إلاّ الله ؛ فإنّ الله تعالى أرسل الرسل لهذا الغرض ، كما قال تعالى في سورة الأنبياء (و ما أََرسلْنا مِنْ قبلِكَ مِنْ رسولٍ إلاّ نوحي إليهِ أنّهُ لا إلهَ إلاّ أنا فاعبُدونِ)
و قال أبو جعفر محمّد الباقر ع :"ما من شيءٍ أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلاّ الله لأنّ الله تعالى لا يعدله شيءٌ و لا يشركه في الأمر أحد."
إنّ خطورة الإشراك تتّضح إذا علمنا أنّ مصير المشرك في الآخرة هو في النار خالداً فيها ، و أنّه لا تنفعه شفاعة الشافعين ، فلا يستطيع أيّ مخلوقٍ أن يتدخّل في طلب الشفاعة للمشركين ، و الإشراك لا يُغتفر ، كما قال تعالى في سورة النساء (إنّ اللهَ لا يَغفرُ أنْ يُشرَكَ بِهِ و يَغفرُ ما دونَ ذلكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .
و لهذا السبب أرسلَ الله الرسل ؛ فإنّ الرسل ينذرون الناس عن الإشراك و عبادة الأصنام أو الملائكة أو الملوك أو الأنبياء أو القدّيسين و غيرهم ، و يبشّرون المؤمنين الموحّدين بالنجاة من النار و الفوز بالجنّة ، كما قال تعالى في سورة النساء ، 165 (رسلاً مبشّرينَ و منذرينَ لئلاّ يكونَ لِلناسِ على اللهِ حجّةٌ بعدَ الرسُلِ) . و قد أرسل الله تعالى في كلّ أمةٍ نذيراً لِهذا الغرض ، قال تعالى في سورة فاطر ، 24 (و إنْ مِنْ أمّةٍ إلاّ خلا فيها نذيرٌ .)
{التوحيد و إخلاص العبادة لله:}
- قال الإمام علي (ع) في خطبةٍ له في نَهج البلاغة : "أوّل معرفته توحيده ..."
-و في كتاب "الكافي" للكليني ،ج2 ص16 أنّ الإمام علي (ع) قال :"طوبى لمن أخلص لله العبادة و الدعاء "
و معنى إخلاص العبادة لله أن يجعل الإنسان عبادته خالصةً لوجه الله لا يشرك معه فيها أحداً ، و معلومٌ أنّ العبادة على أنواعٍ كثيرة ، منها : الصلاة و الصوم ... الحج و الزكاة ... الجهاد في سبيل الله ... الإنفاق في سبيل الله ... التوكّل على الله ... الاستعانة بالله ... ذكر الله بالتسبيح و التمجيد و التحميد و التقديس ... النذور تكون لله وحده ... و القسم يكون بالله وحده ، فكلّ هذه الأعمال العباديّة و غيرها من أنواع العبادة لابدّ أن تكون خالصة لله بلا شريك فإن خالطها إشراكٌ فإنّ الله تعالى يرفضُها و لا يتقبّلها بل و يعاقب عليها . و قد حذّر الله سبحانه أوّل ما حذّر الأنبياء المرسلين من أن يشركوا بالله ، كما قال تعالى في سورة الزمر ،65-66
(و لقد أوحيَ إليكَ و إلى الّذينَ مِن قَبلِكَ لئنْ أشركتَ لَيَحبَطَنَّ عملُكَ ولَتَكونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ . بَلِ اللهَ فاعبد و كُن مِنَ الشّاكرِين.)
و جاء في كتاب "ثواب الأعمال و عقاب الأعمال" ،ص4 ( للشيخ الصدوق المتوفّى سنة 381هج) أنّ النبيّ الكريم قال : " ما قلت و لا قال القائلون قبلي مثل لا إلهَ إلاّ الله"
و أنّه قال : "خير العبادة قول لا إله إلاّ الله"
{الدعاء:}
ينبغي أن يكون الدعاء من الله وحده ، و لا ينبغي لأيّ شخصٍ أن يدعو حاجته من نبيٍّ أو إمامٍ أو شيخٍ أو وليٍّ أو قدّيسٍ أو غيرهم ، فقد قال تعالى في سورة غافر 60 (و قالَ ربّكم ادْعوني أستجبْ لكم) و لم يقل ادعوا من الأولياء و الأئمّة و الأنبياء و اجعلوهم وسائط بيني و بينكم ؛ فقد جاء في دعاء السجّاد عليّ بن الحسين ع المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي : "الحمد لله الّذي أناديه كلّما شئت لحاجتي ، و أخلو به حيث شئت لسرّي ، بغير شفيعٍ [أي بغير وسيط أو بغير واسطة] فيقضي لي حاجتي ، و الحمد لله الّذي لا أدعو غيره ، و لو دعوت غيره لم يستجبْ لي دعائي "
و جاء في دعاء علي بن الحسين ع في طلب الحوائج : "اللهمّ يا منتهى مطلب الحاجات و يا من عنده نيل الطلبات ...فمن حاول سدّ خلّته من عندك و رام صرف الفقر عن نفسه بك فقد طلب حاجته في مظانّها و أتى طلبته من وجهِها ، و من توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقك أو جعله سبب نُجحها دونك فقد تعرّض للحرمان و استحقّ من عندك فوت الإحسان "
و جاء في الصحيفة السجّاديّة من دعاء السجّاد ع متفزّعاً إلى الله تعالى : "فأنت يا مولاي دون كلّ مسؤولٍ موضع مسألتي ، و دون كلّ مطلوبٍ إليه وليُّ حاجتي ، أنت المخصوص قبل كلّ مدعوٍّ بدعوتي ، لا يشركك أحدٌ في رجائي ، و لا يتّفق أحدٌ معك في دعائي ، و لا ينظمه و إيّاك ندائي "
{ الرجاء :}
إجعل رجاءك بالله و لا ترجُ غيره ؛ فقد قال الإمام علي ع في إحدى خطبه:” ألا لا يرجونّ أحدكم إلاّ ربّه " ، وجاء في دعاء السجّاد عليّ بن الحسين ع المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي : " و الحمد لله الّذي لا أرجو غيره ، و لو رجوت غيره لخيّب رجائي ..."
و جاء في كتاب الكافي للكليني ج2 ص66
7- ...عن الحسين بن علوان قال كنّا في مجلسٍ نطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض أصحابنا من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت فلاناً ، فقال : إذاً و اللهِ لا تُسعف حاجتك و لا يَبلُغُك أملُك و لا تُنجَحُ طلِبتُك ، قلت : و ما علّمك رحمك الله ، قال : إنّ أبا عبد الله [جعفر الصادق]ع حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب أنّ الله تبارك و تعالى يقول : "و عزّتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّلٍ [أحداً ] غيري باليأس و لأكسونّه ثوب المذلّة بين النّاس و لأنحينّه من قربي و لأبعّدنّه من فضلي ، أيؤمّل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي؟ و يرجو غيري؟ و يقرع بالفكرٍ باب غيري؟ و بيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقةٌ و بابي مفنوحٌ لمن دعاني ، فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونَها ؟ و من ذا الذي رجاني لعظيمةٍ فقطعت رجاءه منّي ؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظةً فلم يرضَوا بحفظي ، و ملأت سماواتِي ممّن لا يملّ من تسبيحي و أمرتُهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا بقولي ، ألم يعلم من طرقته نائبةٌ من نوائبي أنّه لا يملك كشفَها أحدٌ غيري إلاّ من بعد إذني ؟ فما لي أراه لاهياً عنّي ؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني ثمّ انتزعته عنه فلم يسألْني ردّه و سأل غيري ، أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثمّ أُسأل فلا أجيب سائلي ؟ أبَخيلٌ أنا فيبخّلني عبدي ؟ أوليس الجود و الكرم لي ؟ أوليس العفو و الرحمة بيدي ؟ أوليس أنا محلّ الآمال فمن يقطعها دونِي ؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري ؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعاً ثمّ أعطيت كلّ واحدٍ منهم مثلَ ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّةٍ وكيف ينقص ملكٌ أنا قيّمه ؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي و يا بؤساً لمن عصانِي و لم يراقبْني ."
و جاء في كتاب الكافي أيضاً، ج2 ص67
8- ... عن سعيد بن عبد الرحمن قال : كنت مع موسى بن عبد الله بِينبع و قد نفدت نفقتي في بعض الأسفار ، فقال لي بعض وُلد الحسين : مَن تؤمّل لما قد نزل بك ؟ فقلت : موسى بن عبد الله . فقال : " إذاً لا تُقضى حاجتُك ثمّ لا تُنجَح طلِبتُك ." قلت :و لِمَ ذاك ؟ قال : "لأنّي وجدت في بعض كتب آبائي أنّ الله عزّ و جلّ يقول ...ثمّ ذكر مثله ." فقلت : يا ابن رسول الله أملِ علَيَّ . فأملاه عليّ ، فقلت لا و الله ما أسأله حاجةً بعدها .
{الاستعانة :}
أن يستعين المرء بالله وحده في قيامه و قعوده و لا يستعين بغيره في إنجاز حاجاته، كما أنّه لا يعبد غيره ، كما قال تعالى في سورة الفاتحة : (إيّاكَ نَعبدُ و إيّاكَ نَستعين) ؛ فإنّ كلمة إيّاكَ في اللغة تفيد التخصيص ، أي نخصّك بالعبادة فلا نعبد غيرك ، و نخصّك بالاستعانة فلا نستعين بسواك .
فعندما تقوم و تقعد فقل : يا ألله ، و لا تذكر غيره من المخلوقين أيّاً كان ، فقد قال تعالى في سورة آل عمران 191 (الّذينَ يَذكرونَ اللهَ قياماً و قعوداً و على جُنوبِهم ...)
و من الحكمة : من استعان بغير الله ذلّ . و جاء في (بحار الأنوار) للمجلسي ج74 ص137-138 : 48-[ عن الأمالي للطوسي] عن أبي جعفر محمد الباقر ع أنّ رسول الله قال للفضل بن العباس : " يا غلام خف الله تجده أمامك ، يا غلام خف الله يكفك ما سواه ، و إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله ..."
{الإنفاق في سبيل الله و لوجه الله :}
فلا يصحّ أن ينفق المسلم صدقته لأجل المخلوقين من أنبياء أو أئمّة أو أولياء و غيرهم . فقد قال تعالى في سورة البقرة 272 (و ما تُنفقونَ إلاّ ابتغاء وجهِ الله ) ، و قال تعالى في سورة الإنسان 9 (إنّما نُطعمُكم لِوجهِ اللهِ لا نُريدُ منكم جزاءً و لا شُكورا )
و جاء في كتاب الكافي ، للكليني ، المتوفّى سنة 329 هج) ج2 ص468 :
1- ...عن أبي عبد الله [جعفر الصادق] ع قال : "لا صدقةَ و لا عِتقَ إلاّ ما أُريدَ به وجهَ الله عزّ و جلّ ."
و قد روي هذا الحديث عن جعفر الصادق ع بطرقٍ مختلفة و في كتبٍ أخرى .