ان المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام لم يصلب كما ظن البعض ولم يصعد الى السماء بجسده كما ظن البعض الاخر وسيتبين لنا هذا في الموضوع ان شاء الله تعالى .
من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القرآن المرحوم محمد علي حسن الحلي
سؤال 23 : إذا كانت السماوات أثيرية ، إذاً كيف صعد المسيح إلى السماء ؟
جواب : إنّ نفسه الأثيرية صعدت إلى السماء وأمّا جسمه فبقي على الأرض ، وتعليل ذلك أنّ اليهود لَمّا أرادوا قتل المسيح ، جعل الله رجلاً شبيهاً بالمسيح فأمسكوه وصلبوه ، وأمّا المسيح فقد أفلت منهم وذهب إلى ربوة ثمّ لحقته أمه وبقيا في تلك الربوة يتعبّدان لله تعالى ، ثمّ مات المسيح بعد مدّة في تلك الربوة فارتفعت نفسه الأثيرية إلى السماء ودُفِن جسمه في تلك الربوة * والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة المؤمنون {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} .
والشاهد على أنّ المسيح مات هو قول الله تعالى في سورة المائدة وهو يخاطب نفس المسيح وهو في السماء فقال له {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} إلى أن يقول {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، فقول المسيح : فلمّا توفّيتني معناه فلمّا أمتّني . وقال الله تعالى أيضاً مخاطباً المسيح قبل وفاته وذلك في سورة آل عمران {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ..إلخ} والمعنى : سأميتك وأرفع روحك إليّ ، فالوفاة معناها الموت ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ..إلخ} والمعنى يجب على الذين يموتون منكم أن يوصوا بأزاجهم بأنّ لهنّ متاعاً إلى الحول .
وأمّا الشاهد على أنّ المسيح لم يُصلَب بل صُلِب شبيهه ، رؤية تلاميذه له بعد الصلب بثلاثة أيام فكلّموه وكلّمهم ، وقد ذُكِر هذا في إنجيل متي قال في الإصحاح الثاني والعشرين (( وأمّا الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع ، ولَمّا رأوه سجدوا له ولكنّ بعضهم شكّوا )) . وجاء في إنجيل لوقا في الإصحاح الرابع والعشرين ما نصّه ((وفيما هم يتكلّمون بِهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم ، فجزعوا وخافوا وظنّوا أنّهم نظروا روحاً ، فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكارٌ في قلوبكم ، أنظروا يديّ ورجليّ إنّي أنا هو ، جسّوني وانظروا فإنّ الروح ليس له لحم وعظام كما ترَون لي ، وحين قال هذا اراهم يديه ورجليه ، وبينما هم غير مصدّقين من الفرح ومتعجّبين قال لهم أعندكم هنا طعام ؟ فناولوه جزءً من سمكٍ مشوي وشيء من شهد عسلٍ ، فأخذ وأكل قدّامهم )) .
------------------------------------
* الربوة هي مكان مرتفع عن الأرض ، وكان فيها عين ماء ونبات وأشجار ، ولذلك وصفها الله تعالى بقوله {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} أي ذات مقرّ للإنسان يستقرّ فيها وفيها ماء معين .